أن يبيع من عليه دين دينَه, إما أن يكون لمن في ذمته الدين، أو لغير من له الدين, وفي كل من الحالتين: إما أن يباع الدين نقدًا في الحال، أو نسيئة مؤجلًا.
بيع الدين له صورتان:
الصورة الأولى: أن يكون على شخص دين قدره ألف دينار مثلا، فيتفق مع الدائن على أن يأخذ بدله سيارة مثلا حاضرًا بلا تأجيل، فهذا جائز لا إشكال فيه.
أفتى بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية, واستدل بحديث أتيت النبي ﷺ فقلت: إني أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير، وآخذ مكانها الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ مكانها الدنانير، فقال عليه السلام: لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء. [أخرجه النسائي في الكبرى (رقم 6180) وأبو داود (رقم (3354) والبيهقي في الكبرى (315 رقم 10476) وأحمد (2/139) ].
الصورة الثانية: أن يكون على شخص دين قدره ألف دينار مثلا، فيتفق على أن يأخذ بدله ألفي صاع من البر بعد سنة.
فقال الجمهور: لا يجوز([1])، لحديث (نهى عن بيع الكالئ بالكالئ). [رواه الدارقطني (ح3060) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ، وقالوا: أجمع العلماء على تحريم بيع الدين بالدين.
وذهب ابن تيمية وابن القيم إلى الجواز، وقال ابن القيم رحمه الله: ليس في تحريم بيع الدين بالدين نص ولا إجماع، وأما ما ورد من النهي عن بيع الكالئ بالكالئ فمعناه بيع المؤخر بالمؤخر، كما لو أسلم شيئا في الذمة, وكلاهما مؤجل([2]) .
قرارات المجامع الفقهية والهيئات الشرعية والفتاوى العلمية.
أولًا: قرارات المجامع الفقهية: ـ
قرر مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الحادي عشر بالمنامة في مملكة البحرين، من 25-30 رجب 1419هـ، الموافق 14- 19 تشرين الأول (نوفمبر) 1998م, وبعد اطلاعه على الأبحاث المقدمة إلى المجمع بخصوص موضوع “بيع الدين وسندات القرض وبدائلها الشرعيـة في مجال القطاع العام والخاص”، وفي ضوء المناقشات التي وجهت الأنظار إلى أن هذا الموضوع من المواضيع المهمة المطروحة في ساحة المعاملات المالية المعاصرة. قرر ما يلي:
أولا: أنه لا يجوز بيع الدين المؤجل من غير المدين بنقد معجل من جنسه أو من غير جنسه, لإفضائه إلى الربا، كما لا يجوز بيعه بنقد مؤجل من جنسه أو غير جنسه, لأنه من بيع الكالئ بالكالئ, المنهي عنه شرعًا، ولا فرق في ذلك بين كون الدين ناشئًا عن قرض أو بيع آجل.
ثانيا: التأكيد على قرار المجمع رقم 60(11/6) بشأن السندات في دورة مؤتمره السادس بالمملكة العربية السعودية بتاريخ 17 – 23 شعبان 1410هـ الموافق 14 – 20 آذار (مارس)1990م. وعلى الفقرة (ثالثا) من قرار المجمع رقم 64/2/7 بشأن حسم (خصم) الأوراق التجارية، في دورة مؤتمره السابع بالمملكة العربية السعودية بتاريخ 7-12 ذي القعدة 1412هـ الموافق 9 – 14 مايو 1992م.
ثالثا: استعرض المجمع صورًا أخرى لبيع الدين, ورأى تأجيل البت فيها لمزيد من البحث، والطلب من الأمانة العامة تشكيل لجنة لدراسة هذه الصور, واقتراح البدائل المشروعة لبيع الدين, ليعرض الموضوع ثانية على المجمع في دورة لاحقة.
وفي قرار رقم: 101(4/11)، قرر ما يلي:
أولًا: يعدّ من فسخ الدين بالدين الممنوع شرعًا كل ما يُفضي إلى زيادة الدين على المدين, مقابل الزيادة في الأجل أو يكون ذريعة إليه، ومن ذلك فسخ الدين بالدين عن طريق معاملة بين الدائن والمدين تنشأ بموجبها مديونية جديدة على المدين من أجل سداد المديونية الأولى كلها أو بعضها، سواء أكان المدين موسرًا أم معسرًا، وذلك كشراء المدين سلعة من الدائن بثمن مؤجل ثم بيعها بثمن حال من أجل سداد الدين الأول كله أو بعضه.
ثانيًا: من صور بيع الدين الجائزة:
(1) بيع الدائن دينه لغير المدين في إحدى الصور الآتية:
( أ) بيع الدين الذي في الذمة بعملة أخرى حالة، تختلف عن عملة الدين، بسعر يومها.
(ب) بيع الدين بسلعة معينة.
(ج) بيع الدين بمنفعة عين معينة.
(2) بيع الدين ضمن خلطة أغلبها أعيان ومنافع هي المقصودة من البيع.
كما يوصي بإعداد دراسات معمقة لاستكمال بقية المسائل المتعلقة بهذا الموضوع وتطبيقاته المعاصرة.
ثانيًا: قرارات وفتاوى الهيئات الشرعية:
1/ فتاوى الهيئة الشرعية لبيت التمويل الكويتي.
سئلت الهيئة عن موضوع بيع الدين ([3]).
فأجابت بما يلي:
في حالات التثمين بمبالغ مؤجلة الدفع يجوز تعجيل المبالغ للمثمن لهم, والحلول محلهم بنفس مبلغ الدين ، أما شراء دين العميل المؤجل لدى الحكومة بثمن معجل أقل واستيفاء المبلغ الأصلي أو بدله (عقارا) فيما بعد, فهذا لا يجوز لأنه بيع دين آجل بثمن عاجل أقل، وهو ربا.
3/أبحاث هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية ([4]):
إن بيع الدين لغيره, كمن له على رجل مائة فاشترى من آخر عبدا بتلك المائة, ففي صحته قولان مشهوران : أصحهما: لا يصح، لعدم القدرة على التسليم, والثاني: يصح بشرط أن يقبض مشتري الدينِ الدينَ ممن هو عليه، وأن يقبض بائع الدين العوض في المجلس, فإن تفرقا قبل قبض أحدهما بطل العقد. ولو كان له دين على إنسان ولآخر مثله على ذلك الإنسان, فباع أحدهما ما له عليه بما لصاحبه له لم يصح, سواء اتفق الجنس، لنهيه ﷺ عن بيع الكالئ بالكالئ. هذا آخر كلام الرافعي
قلت([5]): قد صحح المصنف هنا، وفي التنبيه جواز بيع الدين لغير من هو عليه، وصحح الرافعي في الشرح والمحرر: أنه لا يجوز ([6]).
[1]) ينظر : بدائع الصنائع للكاساني (7/3230) وتبيين الحقائق (4/140) والكافي لابن عبد البر (2/738), والفواكه الدواني للنفراوي (2/110) , والأم للشافعي (3/33) , والمغني لابن قدامة (6/106), والإنصاف للمرداوي (4/44)
[2]) ينظر : فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (29/472), وإعلام الموقعين لابن القيم (2/9-10) .
[3]) ينظر : نص السؤال في فتوى رقم (135) .
[4]) ينظر : أبحاث هيئة كبار العلماء (4/409 – 410).
[5]) القائل هو الإمام النووي رحمه الله في المجموع شرح المهذب .
[6]) ينظر : المجموع (9/262) وينظر : روضة الطالبين (3/514) .
1/ مجلة المجمع (العدد الحادي عشر ج1، ص 53 ), قرار رقم: 101(4/11), وقرارات مجمع الفقه الإسلامي الدولي قرار رقم 158 (7/17).
2/ الفتاوى الشرعية في المسائل الاقتصادية( ج 1-3 )بيت التمويل الكويتي, فتوى رقم (135).
3/ أبحاث هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية (جزء: 4 صفحة: 409–410).
4/ موسوعة فتاوى المعاملات المالية للمصارف والمؤسسات المالية الإسلامية 8/85.
5/ صور بيع الدين ابتداء دراسة فقهية تطبيقية (بحث محكم), د. خالد بن مفلح آل حامد, مجلة العلوم الشرعية, جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
6/التصرف في الدين (رسالة ماجستير), د. صالح بن عثمان الهليل, جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية, كلية الشريعة, الرياض.
7/ حسمُ الدَّين في الفقه الإسلامي وتطبيقاته المعاصرة (رسالة ماجستير), حسام محمد وهيب أبو رمح, المملكة الأردنية الهاشمية (2006م).