قسم الأقليات المسلمةباب العلاقات الدولية

التجنس بجنسية دولة كافرة

مسألة رقم 95

العناوين المرادفة

حمل جنسية دولة غير مسلمة.
اكتساب المواطنة.
قيام المسلم الذي يعيش في بلد غير إسلامي وهو ليس من أصل سكانها بالسعي لأخذ جنسية هذا البلد، لكي يتمتع بما يتمتع به أفراد هذا البلد من حقوق، ويلتزم بما تفرضه هذه الجنسية من التزامات، وقد يكون الداعي إلى ذلك تعذر الرجوع إلى بلده الأصلي، ويرغب في الاستقرار في ذلك البلد.

صورة المسألة

قيام المسلم الذي يعيش في بلد غير إسلامي وهو ليس من أصل سكانها بالسعي لأخذ جنسية هذا البلد، لكي يتمتع بما يتمتع به أفراد هذا البلد من حقوق، ويلتزم بما تفرضه هذه الجنسية من التزامات، وقد يكون الداعي إلى ذلك تعذر الرجوع إلى بلده الأصلي، ويرغب في الاستقرار في ذلك البلد.

حكم المسألة

اختلف الفقهاء المعاصرون في حكم التجنس بجنسية الدولة غير الإسلامية على اتجاهين:

الاتجاه الأول: لا يجوز التجنس بجنسية الدولة غير الإسلامية، وهو قول كثير من العلماء المعاصرين، ومنهم: الشيخ محمد رشيد رضا، والعلامة عبد الحميد بن باديس، وغيرهم ([1]).

وأهم الأدلة التي استدلوا بها ما يلي:

قول الله تعالى (وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [المائدة 51]، وقوله تعالى: (وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [التوبة 23].

وجه الدلالة: أن الذي يتجنس بجنسية الدولة غير الإسلامية يجب عليه أن يغير تبعية الدولة الإسلامية إلى دولة غير إسلامية، وهي من أهم صفات الولاء فيكون ولاؤه لغير المسلمين.

قول النبي ﷺ: ” أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين “([2])، وقوله ﷺ: ” لا تساكنوا المشركين ولا تجامعوهم، فمن ساكنهم فهو مثلهم”([3]).

ففي الحديث دليل على تحريم مساكنة الكفار، ووجوب مفارقتهم.

أن التجنس يفرض على صاحبه الخضوع لقوانين الدولة المانحة للجنسية وأنظمتها في كل ما يتعلق بشؤون حياته، وأغلب هذه القوانين كفرية تصادم قواطع الشريعة الإسلامية، مثل: إباحة الزنا والربا والردة باسم الحرية وحقوق الإنسان.

أن التجنس يقتضي من صاحبه أن يدافع عن تلك الدولة ويشارك في جيشها عند قيام حرب بينها وبين دولة أخرى ولو كانت مسلمة، ومن المعلوم أنه لا يجوز الركون إلى أهل الكفر والظلم، ولا التعاون على الإثم والعدوان، ومعاونة غير المسلمين على مقاتلة المسلمين.

الاتجاه الثاني: يجوز التجنس بجنسية الدولة غير الإسلامية إذا اضطر الإنسان إلى ذلك بسبب الاضطهاد والظلم، وعدم توافر بديل من الدول الإسلامية، أو لكسب الرزق الضروري الذي لا يجده إلا في تلك البلاد، أو كان في ذلك مصلحة للإسلام والمسلمين، بأن يستطيع الدعوة إلى دين الإسلام بحرية ويؤثر في الناس، بشرط أن يكون قادرا على إظهار دينه وإقامته، محافظا على شخصيته الإسلامية ومقوماتها من الذوبان، محتفظا بولائه للأمة الإسلامية، أما إذا كان أخذ الجنسية لا يترتب عليه مصلحة بل يفضي إلى مفسدة كأن يقع في موالاة الكفار، والإعجاب بهم، ومعاداة من يعاديهم، فإنه يكون محرما.

وأخذ بهذا عدد من الفقهاء المعاصرين، ومنهم: الشيخ محمد بن عثيمين كما في فتاوى الأقليات المسلمة، والشيخ عبد الله بن جبرين وغيرهما ([4]).

وأهم الأدلة التي استدلوا بها ما يلي:

قول الله تعالى: ( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [النحل 106]، فإذا كان يجوز للمسلم أن يتلفظ بكلمة الكفر إذا كان مكرها، بشرط أن يكون قلبه مطمئنا بالإيمان فمن باب أولى أن يجوز له التجنس بالجنسية غير الإسلامية حفاظا على دينه أو نفسه أو ماله أو أهله.

أن من مقاصد الشريعة رعاية المصالح الراجحة، وتحمل الضرر الأخف لجلب مصلحة تفويتها أشد، والتجنس وإن كان فيه بعض المفاسد، ولكن المصالح المحققة بواسطته أكثر، وأي مصلحة أجل وأعظم من مصلحة ومنفعة الدعوة إلى الله.

التجنس يكسب الإنسان قوة وصلابة في المجتمع، ويعطيه القدرة على المطالبة بحقوقه، ويسهل له قضاء أموره ومصالحه، ويضمن للإنسان التمتع بالحقوق والحريات الأساسية التي غالبا ما تنعدم في البلاد الإسلامية.

الإقامة في بلاد الكفر مع إقامة شعائر الدين والمحافظة على هويته الإسلامية، والأمن على الدين والنفس والعرض والمال جائزة، والتجنس لا يزيد على الإقامة إلا بمجرد الانتساب إلى الدولة.

 

وأجاب أصحاب هذا القول عن أدلة المانعين بما يلي:

التجنس لا يستلزم موالاة أهل الكفر، فالمتجنس وإن كان منتميا شكلا وظاهرا للبلد غير المسلم، فقلبه وولاؤه للمسلمين، وهو يمتنع عن مخالفة أحكام الإسلام ما استطاع إلى ذلك سبيلا.

الأحاديث الواردة في تحريم مساكنة الكفار والإقامة بينهم هي محمولة على حال ما إذا كان المسلم لا يتمكن من إظهار دينه أو يخشى الفتنة في دينه فلا تجوز له حينئذ الإقامة لعدم توافر شرطها.

وأما خضوع المتجنس إلى قوانين كفرية مخالفة للشريعة، فإن المتجنس يلتزم في نفسه بعدم التحاكم إلى هذه القوانين إلا عند الضرورة، علما أن القوانين المخالفة للشريعة انتشرت للأسف حتى في البلاد الإسلامية.

وأما محذور المشاركة في جيش الدولة الكافرة، فأجابوا عنه: بأن الخدمة في جيش الدولة الكافرة ليست إجبارية، ولو فرض أن المسلم أكره على مقاتلة المسلمين، فله أن يحجم عن هذا ولو أدى إلى قتله.


([1]) الهجرة إلى بلاد غير المسلمين لعماد بن عامر ص 278 ، وحكم التجنيس بجنسية دولة غير إسلامية محمد السبيل ص 35 ، والأحكام السياسية للأقليات المسلمة في الفقه الإسلامي ص 79 .

([2]) رواه الترمذي أبواب السير برقم 1654.

([3]) رواه الترمذي أبواب السير برقم 1655.

([4]) فتاوى الأقليات المسلمة 112 ، المفيد في تقريب أحكام المسافر 138 ، فقه الأقليات المسلمة ص 607 ، 608 ، صناعة الفتوى وفقه الأقليات ص 285 ، فقه الأقليات المسلمة ص 608 .

المراجع

• إسعاف المغتربين بفتاوى العلماء الربانيين إعداد: متعب بن عبد الله القحطاني.
• فتاوى الأقليات المسلمة لمجموعة من العلماء.
• المفيد في تقريب أحكام المسافر للشيخ عبد الله بن جبرين، جمع وإعداد: محمد العريفي.. دار عالم الفوائد – مكة المكرمة، الطبعة الثانية 1419 هـ.
• الأحكام السياسية للأقليات المسلمة في الفقه الإسلامي سليمان محمد توبولياك.
• فقه الأقليات المسلمة للشيخ خالد عبد القادر.
• الهجرة إلى بلاد غير المسلمين – حكمها، ضوابطها، وتطبيقاتها لعماد بن عامر.
• حكم التجنس بجنسية دولة غير إسلامية للشيخ: محمد السبيل. بحث منشور في مجلة المجمع الفقهي الإسلامي العدد الرابع 1409 هـ.

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى