قسم المعاملات الماليةباب الوقف

وقف الأسهم

المسألة رقم 158

صورة المسألة

أن يملك رجل أسهمًا في عدة شركات وبنوك، ثم يقوم بحبس أصول هذه الأسهم, وتسبيل منفعتها للجهات التي ستصرف إليها, من وارث وجهات خيرية, ونحو ذلك من أعمال البر.

حكم المسألة

إن السهم يمثِّل حصة شائعة لمالكه في شركات الأموال، ولما كانت هذه الحصة ذات قيمة معتبرة في التداول بين الناس, فهي بهذا الاعتبار مالٌ صالح للتصرف فيه بالمعاوضة أو بالتبرع به، لكن لما كانت هذه الحصة مشاعة, فإنه لا بدَّ من ذكر اتجاهات العلماء في جواز وقف المشاع، فللعلماء في وقف المشاع اتجاهان:

الاتجاه الأول: أنَّ وقف المشاع فيما يقبل القسمة, لا يجوز حتى يفرز، وهو قول محمد بن الحسن الشيباني من الحنفيَّة؛ لأن القسمة من تتمة القبض، والقبض شرطٌ عنده.

 

الاتجاه الثاني: جواز وقف المشاع, وذهب إليه أبو يوسف، وجمهور العلماء، المالكية، والشافعية، والحنابلة، وبه صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي، وأفتت دار الإفتاء المصرية بجواز وقف الأسهم تخريجا على جواز وقف الدنانير والدراهم.

أهم أدلة هذا القول:

1/ حديث أنس رضي الله عنه أن النبي ﷺ لما قدم المدينة أمر ببناء المسجد في موضعه الذي بني فيه، فقال: (يا بني النجار ! ثامنوني بحائطكم هذا)،قالوا: لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله [البخاري (418) ومسلم (524) ].

والحائط كان مملوكا بين بنى النجار،فهو من المشاع, وقد جرى التبرع به ليكون وقفا لله.

2/ ورد في بعض ألفاظ حديث عمر رضي الله عنه في الوقف أنه قال للنبي ﷺ: إن المائة سهم التي لي بخيبر لم أصب مالا قط أعجب إلي منها، قد أردت أن أتصدق بها، فقال النبي ﷺ: «احبس أصلها، وسبل ثمرتها»… [النسائي (3603) والدارقطني (4428) ].

وهذا دليل على أنها حصة مشاعة،وقد أرشده النبي ﷺ إلى تحبيس أصلها، وتسبيل ثمرتها، فدل ذلك على جواز وقف المشاع. وقد بوب له النسائى بقوله: باب حبس المشاع.

3/ القياس على حبس الدراهم والدنانير.

 

قرارات المجامع الفقهية:

قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي:

قرار رقم 181 (7/19) بشأن وقف الأسهم والصكوك والحقوق المعنوية والمنافع:

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته التاسعة عشرة في إمارة الشارقة (دولة الإمارات العربية المتحدة) من 1 إلى 5 جمادى الأولى 1430هـ، الموافق 26 – 30 نيسان (إبريل) 2009م،بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص وقف الأسهم والصكوك والحقوق المعنوية والمنافع، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله،قرر ما يأتي:

أولاً: الوقف من أوسع أبواب الفقه التي تقوم على الاجتهاد وهو تصرف معقول المعنى مرتبط بمقاصد الشرع، مبتغاه تحقيق مصالح الوقف للواقف والموقوف عليهم.

ثانياً: وقف الأسهم والصكوك والحقوق المعنوية والمنافع ووحدات الصناديق الاستثمارية:

(1) إن النصوص الشرعية الواردة في الوقف مطلقة يندرج فيها المؤبد والمؤقت، والمفرز والمشاع، والأعيان والمنافع والنقود، والعقار والمنقول، لأنه من قبيل التبرع وهو موسع ومرغب فيه.

 

(2) يجوز وقف أسهم الشركات المباح تملكها شرعا، والصكوك، والحقوق المعنوية، والمنافع، والوحدات الاستثمارية، لأنها أموال معتبرة شرعاً.

 

(3) تترتب على وقف الأسهم والصكوك والحقوق والمنافع وغيرها أحكام من أهمها:

( أ) الأصل في الأسهم الوقفية بقاؤها واستعمال عوائدها في أغراض الوقف وليس المتاجرة بها في السوق المالية فليس للناظر التصرف فيها إلا لمصلحة راجحة أو بشرط الواقف فهي تخضع للأحكام الشرعية المعروفة للاستبدال.

( ب) لو صفيت الشركة أو سددت قيمة الصكوك فيجوز استبدالها بأصول أخرى كعقارات أو أسهم وصكوك أخرى بشرط الواقف أو بالمصلحة الراجحة للوقف.

( ج) إذا كان الوقف موقتاً بإرادة الواقف يُصفى حسب شرطه.

(د) إذا استُثمر المال النقدي الموقوف في شراء أسهمٍ أو صكوك أو غيرها فإن تلك الأسهم والصكوك لا تكون وقفاً بعينها مكان النقد، ما لم ينص الواقف على ذلك، ويجوز بيعها للاستثمار الأكثر فائدة لمصلحة الوقف، ويكون أصل المبلغ النقدي هو الموقوف المحبَّس.

( هـ) يجوز وقف المنافع والخدمات والنقود نحو خدمات المستشفيات والجامعات والمعاهد العلمية وخدمات الهاتف والكهرباء ومنافع الدور والجسور والطرق.

( و) لا يؤثر وقف المنفعة لمدة محددة على تصرف مالك العين بملكه، إذ له كل التصرفات المباحة شريطة المحافظة على حق الوقف في المنفعة.

( ز) ينقضي وقف الحقوق المعنوية بانتهاء الأجل القانوني المقرر لها.

( ح) يقصد بالتوقيت أن تكون للوقف مدة ينتهي بانقضائها.

ويجوز التوقيت بإرادة الوقف في كل أنواع الموقوفات.

( ط) يمكن لمن حاز أموالاً مشبوهة أو محرَّمة لا يعرف أصحابها أن يبرئ ذمَّته ويتخلَّص من خبثها بوقفها على أوجه البرِّ العامة في غير ما يقصد به التعبُّد، من نحو بناء المساجد أو طباعة المصاحف، مع مراعاة حرمة تملك أسهم البنوك التقليدية (الربوية) وشركات التأمين التقليدية.

( ي) يجوز لمن حاز أموالاً لها عائد محرم أن يقف رأس ماله منها والعائد يكون أرصاداً له حكم الأوقاف الخيرية ؛ لأنّ مصرف هذه العوائد والأموال إلى الفقراء والمساكين ووجوه البرّ العامة عند عدم التمكن من ردّها لأصحابها. وعلى متولي الوقف أن يعمل بأسرع وقت على أن يستبدل بهذه الأموال ما هو حلال شرعاً ولو خالف بذلك شرط الواقف إذ لا عبرة بشرط الواقف إذا تعارض مع نص الشارع.

 

ويوصي بما يلي:

(1) دعوة الحكومات والمجالس التشريعية في البلدان الإسلامية إلى تعديل قوانين ونظم الأوقاف فيها بما يتفق مع قرارات مجمع الفقه الإسلامي الدولي.

(2) دعوة وزارات التعليم والجامعات في البلدان الإسلامية إلى تخصيص مقرّرات دراسيّة تعنى بدراسة الوقف دراسة علميّة موضوعيّة.

(3) دراسة المجمع موضوع إدارة الوقف وأُسسها وتنظيمها وضوابطها ومعايير اختيار واستمرار الإدارة في موقعها في دورات قادمة وأن تولي هذا الموضوع عناية خاصة باعتباره أساس نجاح ونهضة الأوقاف واستثماراتها.

والله أعلم

 

الفتاوى الصادرة عن الهيئات الشرعية:

فتوى دار الإفتاء المصرية.

سئلت لجنة الفتوى عن موضوع وقف الأسهم ([1]).

فأجابت بما يلي:

اختلف الفقهاء -رحمهم الله تعالى- في وقف ما لا يُنتَفع به إلا بالإتلاف: كالذهب والورق -أي الدراهم والدنانير لا الحلي- والمأكول والمشروب، فقال جمهورهم بعدم جواز وقفه، وعللوا ذلك بأن الوقف تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة، وأن ما لا ينتفع به إلا بالإتلاف لا يصح فيه ذلك.

قال ابن قدامة الحنبلي في المغني: “ما لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه كالدنانير والدراهم والمطعوم والمشروب والشمع وأشباهه لا يصح وقفه في قول عامة الفقهاء وأهل العلم إلا شيئًا يُحكى عن مالك والأوزاعي في وقف الطعام أنه يجوز، ولم يَحكِه أصحاب مالك، وليس بصحيح”([2]).

ولكن -وخلافًا لما قاله ابن قدامة- حكى ذلك المالكية في كتبهم، فقال الخرشي في شرح مختصر خليل: “المذهب جواز وقف ما لا يُعرَف بعينه: كالطعام والدنانير والدراهم([3]), كما يفيده كلام الشامل، فإنه بعدما حكى القول بالجواز حكى القول بالكراهة بـ: “قيل”، والقولُ بالمنع أضعف الأقوال، ويدل للصحة قول المؤلف في باب الزكاة: “وزُكِّيَت عَين وُقِفَت للسَّلَف”. اهـ.

وقال الشيخ علي بن أحمد الصعيدي العدوي في حاشيته على هذا الشرح: “الدنانير والدراهم يجوز وقفهما للسَّلَف قطعًا”. اهـ. وأمثال هذا النقل موجود في التاج والإكليل لمختصر خليل, وفي حاشية الدسوقي على الشرح الكبير, وغيرهما.

ومن المعلوم أن غرض الشرع الشريف في الوقف هو عدم التصرف في محل الوقف -أي العين الموقوفة- وديمومةُ الانتفاع به لأطول مدة ممكنة؛ ولذلك رفض الجمهور مسألة وقف الدنانير والدراهم وأمثالها, مما تذهب عينها مع الانتفاع بها، ولما وجد المالكية نفعًا من الدراهم والدنانير لا يُذهِب عينهما إلا في الصورة فقط، أجازوا الوقف فيهما في السَّلَف؛ لأنهما بالسلف يبقيان حكمًا, وإن ذهبت أعينهما.

نقل الصعيدي العدوي في حاشيته على الخرشي عن اللَّقاني: “الوقف ما يُنتفع به مع بقاء عينه حقيقة أو حكمًا: كالدراهم والدنانير”. اهـ. وقال الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير: “ويُنَزَّلُ رَدُّ بدله منزلة بقاء عينه”. اهـ.

وإذا نظر الفقيه الآن في مسألة حبس الأسهم وتسبيل عوائدها يرى باستخدام قاعدة غلبة الأشباه, أن حبس الأسهم قريب من حبس الدراهم والدنانير, التي أباحها المالكية للسَّلَفِ، والقُرب وعدم المشابهة الكاملة, إنما هو لكون الدراهم والدنانير أعيانًا، وأما الأسهم فهي أعداد، وعندما كره المالكية ذلك -والمكروه جائز بالمعنى الأعم- فسبب كراهيتهم هو احتمال ضياع هذه الدراهم والدنانير، ولكن في حالة الأسهم تبقى مدة قد تصل إلى خمسين عامًا أو يزيد باستقراء الأحوال المصرفية المستقرة المُقَنَّنة المعمول بها والمتداولة حاليًّا، فتَحَقَّقَ للأسهم الديمومةُ والبقاءُ النسبيان, المطلوبان للشرع الشريف من عقد الوقف، وهو ما يشجعنا على القول بجواز حبس ووقف الأسهم وتسبيل عوائدها, الذي هو محل سؤال السائل واستفتائه.


[1]) ينظر : نص السؤال في فتوى رقم (3641) .

[2]) المغني (5/373) .

[3]) ينظر : حاشية العدوي (2/343) .

المراجع

1/ دار الإفتاء المصرية , فتوى رقم (3641).
2/ حكم وقف الأسهـم والصكـوك والحقوق المعنوية, (بحث محكم)، أ.د. حمزة بن حسين الفعر الشريف, الدورة التاسعة عشرة (إمارة الشارقة-دولة الإمارات العربية المتحدة).
3/ حكم وقف الأسهم والصكوك والمنافع، (بحث محكم), أ. د. خليفة بابكر الحسن, الدورة التاسعة عشرة (إمارة الشارقة-دولة الإمارات العربية المتحدة).
4/ قرارات مجمع الفقه الإسلامي الدولي.
5/ وقف الأسهم والصكوك، ا.د. محمد السرطاوي، الدورة التاسعة عشرة (إمارة الشارقة-دولة الإمارات العربية المتحدة).
6/ وقف الأسهم والصكوك، د. منذر قحف، الدورة التاسعة عشرة (إمارة الشارقة-دولة الإمارات العربية المتحدة).
7/ وقف الأسهم والصكوك، د. عادل قوتة، الدورة التاسعة عشرة (إمارة الشارقة- دولة الإمارات العربية المتحدة).

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى