قسم الفقه الطّبيمسائل متنوعة

هدايا الشركات العاملة في المجال الطبي

المسألة رقم 92

صورة المسألة

يقصد بالهدايا في هذا الموضع: تلك التي تقدمها الشركات العاملة في المجال الطبي، سواء قدمت لمؤسسات طبية، أو أطباء أو صيادلة أو ممرضين أو عاملين في المجال الصحي، وسواء كانت هذه الهدايا مما له علاقة بالطب كأدوية وأجهزة، أو لم يكن له علاقة بالطب، ولكن المعطي أو المعطى له يعمل في المجال الطبي، مثل أجهزة الكمبيوتر والتصوير، ونحو ذلك.
وسواء كانت هذه الهدايا على شكل نقود أو عينات دوائية أو أشياء عينية، أو كانت على شكل دعم لمؤتمرات أو أبحاث، أو التكفل برحلات أو دورات للعاملين في المجال الطبي، كما تشمل الخدمات والتسهيلات المقدمة لهم.

حكم المسألة

نتناول المسألة من عدة جوانب:

الجانب الأول: الأصل منع الهدايا المقدمة للطبيب بسبب عمله؛ لأن هذه الهدايا داخلة في معنى هدايا العمال المنهي عنها شرعًا في مثل قوله ﷺ : “من استعملناه منكم على عمل فليجيء بقليله وكثيره، فما أوتي منه أخذ، وما نهي عنه انتهى” (أخرجه مسلم ح4848) وسدا للذريعة المفضية إلى مراعاة مصالح هذه الشركات على حساب المرضى.

 

وقد أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بما يلي:

لا يجوز للطبيب أن يقبل الهدايا من شركات الأدوية؛ لأن ذلك رشوة محرمة، ولو سميت بهدية أو غير ذلك من الأسماء؛ لأن الأسماء لا تغير الحقائق؛ ولأن هذه الهدايا تحمله على الحيف مع الشركة التي تهدي إليه دون غيرها، وذلك يضر بالشركات الأخرى.

ومندوب الشركة الذي يقدم الهدايا للأطباء من أجل ترويج أدوية تلك الشركةدون غيرها يعتبر رائشًا، وهذا الوسيط بين الراشي والمرتشي، وقد لعن النبي ﷺ هؤلاء الثلاثة، فقال عليه الصلاة والسلام: « لعن الله الراشي والمرتشي والرائش » (أخرجه الإمام أحمد بن حنبل ح 22399)[1].

الجانب الثاني: أهم دوافع الشركات العاملة في المجال الطبي لتقديم الهدايا ما يلي:

1.التسويق لمنتجات الشركة، فإن كان الطبيب يصرف هذا المنتج وغيره أنجع منه وأرخص فهذا ممنوع؛ لأن ذلك خيانة للأمانة، وإضرار بالمريض، وإن كان الطبيب لا يصرف إلا العلاجات التابعة للشركة رغم وجود أدوية أخرى مساوية في السعر والكفاءة فهذا موضع يحتمل الجواز؛ لأنه لا مضرة فيه على المريض، ولأنه نتيجة سعي الشركة التي قدمت الهدايا في حين أن غيرها لم يسع للتسويق، وهناك احتمال بالمنع؛ لأن الطبيب يصبح حينئذ كالسمسار للشركة في حين أنه وكيل عن المريض، كما أن القول بتسويغ أخذ الهدية في مقابل مراعاة مصلحة الشركة بكتابة أدويتها في هذه الحالة يضر بباقي الشركات التي لم تعط الطبيب هدية.

 

2.تسهيل أمور الشركة المتعاملة مع المؤسسة الطبية، وله حالتان:

الحالة الأولى:

التغاضي عن الشروط الواجب إيفاؤها من قبل الشركة، وهذه الشروط قد وضعت للمصلحة وجرى إقرارها من قبل المسئولين، فلا يجوز بذل الهدية هنا؛لأنها تكون في حكم الرشوة.

 

الحالة الثانية:

أن تشترط بعض المؤسسات الطبية أو بعض الأطباء ونحوهم على الشركات العاملة في المجال الطبي دفع بعض الهدايا بصور شتى؛حتى تحصل هذه الشركات على حقها المشروع الذي تستحقه إما بإمضاء العقود، أو الحصول على مستحقاتها المالية.وهذا الطلب للهدايا من الشركة لايحل؛لأنه تحكم ومنع للحق.

3.خدمة البحث العلمي: عن طريق دعم الأبحاث العلمية ورعاية المؤتمرات المتخصصة في المجال الطبي دون استغلال تجاري أو دعاية لأي من منتجات الشركة، فلا بأس بأخذ الدعم والهدايا الآتية من الشركات العاملة في المجال الطبي لهذا الغرض لأن الأصل الحل، بل هذا من التعاون على البر والتقوى.

4.دعم الفقراء والمحتاجين. والكلام فيه كالكلام في الدافع الثالث.

5.تتمة عقود الشركات التي تشترط تلك الهدايا، فإن بعض المؤسسات الطبية تشترط على الشركات العاملة في المجال الطبي التي تجري معها العقود أن تزود المؤسسة بعدد معين من أجهزة الكمبيوتر أو آلات التصوير حتى يتم العقد.

وهذه الهدايا في حقيقتها جزء من العقد، فإن كانت لا تتضمن أمرًا محرمًا، ووافقت عليه الشركة كان جائزًا، بل يجب الوفاء به لعموم قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (سورة المائدة: 1).

 

الجانب الثالث: أهم أنواع الهدايا التي تقدمها شركات الأدوية وحكم كل نوع:

1.الهدايا اليسيرة، مثل الأدوات المكتبية، وهذه مما يتسامح في أخذها؛ لكونها لا تؤثر في الغالب على قرار الطبيب.

2.الرحلات العلمية وحضور المؤتمرات؛ فإن كان تمويلها مشروطًا أو يغلب على الظن أنه الدافع إلى التمويل فلا يحل، وإن كان الدافع هو خدمة البحث العلمي جاز، على أن يكون الترشيح لحضور هذه المؤتمرات من قبل المؤسسات الصحية أو الجهات التي يتبعون لها.

3.العينات المجانية يجوز أخذها مالم تكن مشروطة بغرض تسويقي؛ لأن الأصل الحل.

4.الدورات التدريبية على الأجهزة الطبية إن كانت جزءًا من عقد فهي تابعة للعقد، وإن كانت تابعة لغرض تسويقي لم تجز.

5.تمويل المؤتمرات التي تحمل دعاية للشركة العاملة في المجال الطبي حكمه يتبع الجانب الأقوى؛أما جانب التسويق أو جانب البحث العلمي فالأول ممنوع والثاني جائز.


[1]فتاوى اللجنة الدائمة 23/571-572.

المراجع

1-هدايا الشركات العاملة في المجال الطبي، أ.د.عبدالرحمن بن أحمد الجرعي، أبحاث مؤتمر الفقه الإسلامي الثاني (قضايا طبية معاصرة)، بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، 1431، المجلد الخامس.
2- العلاقة مع شركات الأدوية والصناعة الطبية، أ.د. جمال بنصالح الجار الله، أبحاث مؤتمر الفقه الإسلامي الثاني (قضايا طبية معاصرة)، بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض،1431، المجلد الخامس، ص 4347.
3-حكم قبول العامل في القطاع الصحي الهدايا والهبات من شركات الأدوية والتموين الطبي، د. عبدالرحمن بن عبدالله السند، أبحاث مؤتمر الفقه الإسلامي الثاني (قضايا طبية معاصرة) بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، 1431، المجلد الرابع، ص 4054.
4- أخلاقيات مهنة الطب- الهيئة السعودية للتخصصات الصحية، ص 26، الطبعة الثانية، 1424.
5-فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، جمع وترتيب: أحمد عبدالرزاق الدويش، 23/570،57

مسائل ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى