• زواج الحامل من الزنى.
• النكاح المترتب على علاقة غير شرعية.
توسعت بعض المجتمعات الإسلامية؛ وخصوصاً الأقليات الإسلامية في البلاد الكافرة في حدود علاقة الرجل بالمرأة عموماً، وبمخطوبته خصوصاً، مما أدى للوقوع في الحرام.
وإذا ظهر الحمل سارع الزانيان للنكاح لستر جريمتهما واتقاء للفضيحة، وقد يتخذان هذا العمل أحياناً وسيلة للضغط على الأولياء والأهل عند رفض نكاحهما.
فما الحكم الشرعي لنكاح الحبلى من الزنى؟
اختلف الفقهاء – رحمهم الله – قديماً وحديثاً في حكم نكاح الحبلى من الزنى على قولين:
القول الأول: عدم صحة نكاح الحبلى من الزنى ولو بمن زنت به حتى تضع حملها، وعند الحنابلة وحتى تتوب.
وهذا مذهب المالكية، والحنابلة، وقول أبي يوسف من الحنفية([1]).
وبه تفتي اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية والشيخ ابن باز – رحمه الله –.
أدلة القول الأول:
1) قول الله عز وجل: (الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ(٣) ) [النور].
وجه الدلالة: صرح الله عز وجل في آخر الآية بتحريم نكاح الزناة على المؤمنين، وبين أن الزاني لن يقدم على نكاحه من النساء إلا زانية تناسب حالتها حاله، أو مشركة بالله لا تؤمن ببعث ولا جزاء ولا تلتزم أمر الله، والزانية كذلك لا ينكحها إلا زان أو مشرك، مما يدل على تحريم نكاح الزانية حتى تتوب.
2) قول الله عز وجل: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ ۖ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ) [المائدة: 5].
وقوله – سبحانه –: ( فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ )[النساء: 25].
وجه الدلالة: اشترط الله عز وجل فيمن ينكحن أن يكن عفيفات، وهذا صريح في تحريم نكاح الزانيات المقيمات على ذلك.
3) قول الله – تعالى -: ( وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) [الطلاق: 4].
وجه الدلالة: جعل الله سبحانه عدة كل حامل وضع حملها، وهذا عام في كل حمل من نكاح أو سفاح.
4) قول النبي ﷺ بعد غزوة حنين: “لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره – يعني إتيان الحبالى – ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقع على امرأة من السبي حتى يستبرأها”. [أبو داود (2158)، وأحمد (17031)، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/]405.
وجه الدلالة: من وجهين:
أ- عموم قوله ﷺ : “يسقي ماءه زرع غيره” دال على تحريم وطء كل حامل سواء أكانت من السبي أو من غيره.
ب- النهي عن وطء المسبية الحامل حتى تضع مع أن حملها مملوك له يدل على تحريم وطء الحامل من الزنى من باب أولى.
5) قول النبي ﷺ في سبايا أوطاس: “لا توطأ حامل حتى تضع” [أبو داود (2157)، ابن أبي شيبة (17457)، البيهقي (15365)، وحسن إسناده ابن حجر في تلخيص الحبير 1/172، والشوكاني في نيل الأوطار 7/109، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/405].
وجه الدلالة: الحديث خبر بمعنى النهي، وهو عام في كل حامل، لأن (حامل) نكرة في سياق النهي، فيعم كل حامل من زنى أو غيره، وإذا لم يبح الوطء لم يكن للعقد فائدة.
6) ما روى سعيد بن المسيب: أن رجلاً تزوج امرأة فلما أصابها وجدها حبلى، فرفع ذلك إلى النبي ﷺ ففرق بينهما”. [البيهقي (14212)، وقال: هذا حديث مرسل، ابن منصور (668)].
المناقشة: الحديث مرسل، فلا يقوى على الاستدلال به.
7) حديث أبي الدرداء عن النبي ﷺ أنه أتى على امرأة مُجح([2]) على باب فسطاط، فقال:”لعله يريد أن يلم بها؟” قالوا: نعم، فقال رسول الله ﷺ: “لقد هممت أن ألعنه لعناً يدخل معه قبره، كيف يورثه وهو لا يحل له؟! كيف يستخدمه وهو لا يحل له؟!”. [مسلم (1441)].
وجه الدلالة: إنكار النبي ﷺ وطء الأمة الحامل من غيره وهمه باللعنة دال على تحريم وطئها ووجوب استبرائها، وإذا كان هذا التحريم في حق الأمة التي يملكها ويملك ولدها تبعاً لها، فتحريم وطء الزانية الحبلى من الزنى من غيره والتي لا يملك ولدها من باب أولى.
المناقشة: نوقشت الأحاديث السابقة بأنها خاصة بالمسبية الحامل؛ لأن حملها محرم فحرم الوطء لأجل احترامه، بخلاف حمل الزنى فإنه لا حرمة له!
وأجيب: بأن المنع من نكاح الحبلى من الزنى هو لحرمة ماء الثاني، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
8) القياس؛ فتقاس الحامل من الزنى على الحامل بحمل ثابت النسب في تحريم الوطء قبل الوضع، بجامع الحمل في كلٍ.
القول الثاني: صحة نكاح الحبلى من الزنى قبل وضع الحمل، وعدم اشتراط التوبة.
وهذا مذهب الحنفية والشافعية.
ورأى الشافعية إباحة العقد والوطء، ورأى الحنفية إباحة العقد دون الوطء إلا إذا كان الزوج هو الزاني فيباح له الوطء أيضاً([3]).
وصدرت توصية مؤتمر مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا بصحة نكاح الحبلى إذا كان الزاني هو العاقد وعدم صحة النكاح إذا كان الزاني غير الزوج واختاره الشيخ سعد الخثلان والشيخ عبدالعزيز الفوزان.
أدلة القول الثاني:
1) قول الله – تعالى – بعد ذكر المحرمات من النساء: (وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ ) [النساء: 24].
وجه الدلالة: أن الله – عز وجل – بعد أن بين المحرمات من النساء ذكر حل من عداهن، والزانية غير مذكورة من المحرمات فتكون ممن وراء ذلك فيباح نكاحها حائلاً أو حاملاً.
المناقشة: أن عموم الآية مخصوص بقول الله تعالى: (وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) [الطلاق: 4].
2) قول النبي ﷺ : “الولد للفراش، وللعاهر الحجر” البخاري (2053)، مسلم (1457).
وجه الدلالة: دل الحديث على أن ماء السفاح لا يثبت به النسب، فهو ماء لا حرمة له، وتحريم وطء الحامل إنما يكون إذا كان الماء محترماً.
المناقشة: إذا لم يكن لماء الزاني حرمة، فإن ماء الزوج محترم، فكيف يسوغ أن يخلطه بماء الفجور؟!
3) حديث عائشة – رضي الله عنها – أن النبي ﷺ سئل عن رجل زنى بامرأة فأراد أن يتزوجها أو ابنتها فقال ﷺ : “لا يحرم الحرام الحلال”. [ابن ماجه (2015)، والبيهقي (14287)، والدارقطني (3678)، وضعفه ابن حجر في تلخيص الحبير 3/168، والألباني في ضعيف سنن ابن ماجه (2047)].
وجه الدلالة: أن الزنى محرم، والمحرم لا يحرم النكاح الذي هو حلال في الأصل فيكون نكاح الزانية مباحاً ولو كانت حاملاً لعموم اللفظ.
المناقشة: الحديث ضعيف لا تقوم به حجة.
4) الآثار الواردة بهذا ومنها:
* عن عبدالله بن عمر – رضي الله عنهما – قال: “بينما أبو بكر رضي الله عنه في المسجد جاءه رجل فلاث عليه بلوث من كلام وهو دهش، فقال أبو بكر لعمر رضي الله عنه: قم إليه فانظر في شأنه، فإن له شأناً، فقام إليه عمر رضي الله عنه قال: إنه ضافه ضيف فوقع بابنته، فصك عمر رضي الله عنه في صدره، وقال: قبحك الله! ألا سترت على ابنتك، قال: فأمر بهما أبو بكر رضي الله عنه فضربا الحد، ثم زوج أحدهما من الآخر، وأمر بهما فغربا عاماً”. [المحلى 9/65، البيهقي (16973)، وبنحوه عبدالرزاق (12796)، وابن أبي شيبة (16783)].
* عن عبيدالله بن أبي يزيد عن أبيه: “أن رجلاً تزوج امرأة، ولها ابنة من غيره، وله ابن من غيرها، تفجر الغلام بالجارية، فظهر بها حبل فلما قدم عمر رضي الله عنه مكة، رفع ذلك إليه، فسألهما فاعترفا فجلدهما عمر الحد، وحرص أن يجمع بينهما، فأبى الغلام”. [الشافعي في المسند 2/15، في الأم 5/12، عبدالرزاق (12793)، وسعيد بن منصور 1/258، 885، وابن أبي شيبة (16778)، والبيهقي (13875)].
* عن عبيدالله ابن أبي يزيد قال: “سألت ابن عباس عن رجل فجر بامرأة أينكحها؟ فقال: نعم، ذاك حين أصاب الحلال”. [سعيد بن منصور 886 – 888، وعبدالرزاق (12791)، والبيهقي (13655)].
وجه الدلالة من هذه الآثار: دل قول الصحابة وفعلهم على إباحة نكاح الزاني بالزانية، ولم يرد عنهم ما يدل على اشتراط وضع الحمل.
المناقشة: عدم التسليم بعدم اشتراط وضع الحمل فعدم النقل ليس نقلاً للعدم، وقد يكون ترك ذكره لوضوحه واشتهاره لدى عموم المسلمين.
5) أن ماء الزاني لا حرمة له، فلا حاجة للاستبراء منه.
المناقشة: من وجهين:
أ- ضعف هذا الدليل العقلي مقابل النصوص الواردة في هذا.
ب- أن ماء الزاني وإن لم يكن له حرمة، إلا أن ماء الزوج محترم، فكيف يسوغ له أن يخلطه بماء الفجور؟
([1]) ينظر: المدونة 2/149، 197، 278، التاج والإكليل 4/167، مواهب الجليل 3/413، الفروع 5/550، المبدع 7/69، الإنصاف 9/295، المبسوط 13/153، بدائع الصنائع 2/269.
([2]) مُجح: هي الحامل التي قربت ولادتها، شرح النووي على مسلم 10/14.
([3]) ينظر: شرح فتح القدير 3/246، البحر الرائق 3/114، الأم 4/12، روضة الطالبين 8/375، مغني المحتاج 3/388.
– إسلام ويب،مركز الفتوى (50045) (176695) (60666) وغيرها. Fatwa.islamweb.net
– الإسلام سؤال وجواب (181200) (133140) (85335). Islamqa.info
– دائرة الإفتاء العام، المملكة الأردنية الهاشمية (2758) alifta.jo
– حكم نسبة المولود إلى أبيه من المدخول بها قبل العقد، د. عبدالعزيز الفوزان. Alibrary.medeiu.edu.my
– فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، السؤال الثاني من الفتوى (5236) (5554).
– الموقع الرسمي لسماحة الإمام ابن باز – رحمه الله – حكم من عقد على زانية وهي حامل من الزنى. binbaz.org.sa
– موقع إسلام ويب، مركز الفتوى (73265) (50045). fatwa.islamweb.net
– موقع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، المملكة العربية السعودية، فتاوى نور على الدرب 21/46 – 47.
– موقع إسلام أون لاين، نكاح الحامل من الزنى. fatwa.islamonline.net
– حكم العقد على الحامل من الزنا بمن زنا بها، د. أحمد شليبك الصويعي،جامعة قطر،كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، ص143 – 168، ع31، 1434هـ/2013م.
– نتائج وتوصيات مؤتمر (نوازل الأسرة المسلمة بالمجتمع الأمريكي) في الدورة التدريبية الأولى لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا بالساحل الغربي للولايات المتحدة بمدينة سكرمنتو بولاية كاليفورنيا (نقلها د. يوسف الشبيلي وهو أحد أعضاء المجمع في الملتقى الفقهي بموقع رسالة الإسلام). figh.islammessage.com