قسم الأسرةباب الرضاع

نشر المحرمية بواسطة بنوك الحليب

المسألة رقم 2

العناوين المرادفة

تأثير بنوك الحليب في نشر المحرمية.

صورة المسألة

ظهرت في السبعينات من القرن العشرين في أوربا، والولايات المتحدة، فكرة ما يسمَّى (بنوك الحليب) بعد أن انتشرت- من قبلُ- مجموعةٌ من البنوك، مثل: (بنوك الدم) و (بنوك القرنية) و(بنوك المني) وبنوك (الأعضاء).
وبنوك الحليب: هي عبارةٌ عن قيام مؤسسات بتجميع لبن الأمهات، وتعقيمه، وحفظه، لاستخدامه في تغذية الأطفال الخدَّج، والغالب: أنَّ العاملين في تلك البنوك يخلطون لبن المرأة الواحدة مع ألبان عشرات، أو مئات من النساء، ولا يبقى لبن كلِّ امرأة منفرداً في مكانٍ واحد.
والرضاع في الشريعة: هو اسم لوصول لبن المرأة إلى جوف الطفل، سواءً كان وصوله عن طريق مصِّ الطفل من ثدي المرأة، أو كان عن طريق سقيه بالرضاعات من الفمِّ، أو حقنه من الأنف، ونظراً لما يرتّبُ على الرضاع من أحكامٍ شرعية في المجتمع الإسلامي، فقد اختلف العلماء المعاصرون في نشر المحرمية بواسطة بنوك الحليب.

حكم المسألة

اختلف فقهاء العصر في المحرمية بالرضاع من بنوك الحليب على ثلاثة أقوال:

القول الأول: جواز تنظيم بنوك الحليب بأيِّ صورةٍ، أو طريقةٍ كانت، دون أن يترتَّب عليه محرميةٌ ولا غيرها، ولا أيٌّ من الآثار الفقهية، وهو قول بعض المعاصرين.

القول الثاني: تحريم بنوك الحليب بأيِّ صورةٍ، أو طريقةٍ كانت، وبه قال طائفةٌ من المعاصرين، وصدر به قرار المجمع الفقهي.

 

القول الثالث: التفصيل، ويمكن إيجازه بالأمرين التاليين:

الأمر الأول: تحريم قيام بنوك الحليب المشترك: المختلط بحليب نساءٍ أخريات.

الأمر الثاني: جواز قيام بنوك الحليب في حال ضرورة تغذية الأطفال الخدَّج، و اشترط البعض في هذه الحال: معرفة صاحبة الحليب، لقيام علاقة التحريم.

 

أدلة القول الأول القائل بجواز تنظيم بنوك الحليب، وعدم ترتيب أي من الآثار الفقهية عليها:

استند أصحاب هذا القول: إلى ما ذهب إليه ابن حزم، والليث بن سعد، وهو روايةٌ عن الإمام أحمد: أنَّ أساس المحرمية هو الأمومة المرضعة، حيث قال تعالى في المحرماَت من النساء: { وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ } ([1]) وهذه الأمومة لا تكون بمجرَّد أخذ اللبن، بل بالامتصاص والالتصاق بما يحقِّقُ حنان الأمومة، وتعلُّق البنوة، ثمَّ إنَّ الشكَّ في أمور الرضاع لا يترتَّبُ عليه تحري، لأنَّ الأصل في الأشياء الإباحة، فلا ننفيها إلاَّ بيقين([2]) كما أنه يحقِّقُ مصلحةً شرعيةً معتبرةً، ويدفع حاجةً يجب دفعها.

 

أدلة القول الثاني القائل بتحريم تنظيم بنوك الحليب:

استند أصحاب هذا القول إلى رأيِ جمهور الفقهاء بعدم اشتراط المصِّ في إثبات التحريم، لأنَّ العبرة بوصول اللبن إلى جوف الطفل، سواءً عن طريق المص أو عن طريق السقي، أو عن طريق الحقن من الأنف، ويسمَّى في العرف الفقهي: سعوطاً، لأنه يترتَّبُ على كلِّ واحدةٍ من تلك الطرق: إنبات اللحم، وإنشاز العظم، والشرع أخذ في قضية الرضاع بالظن الغالب فيها، مستدلاً بما جاء في صحيح البخاري، عن عقبة بن الحارث: أنه تزوج ابنةً لأبي إهاب بن عزيز، فأتته امرأةٌ فقالت: إني قد أرضعت عقبة والتي تزوج، فقال لها عقبة: ما أعلم أنك أرضعتيني، ولا أخبرتني، فركب إلى رسول الله ﷺ بالمدينة، فسأله، فقال رسول الله ﷺ « كيف وقد قيل» أخرجه البخاري، ح: 88.، والمعنى: كيف تبقيها وقد قيل: إنها رضعت معك، ففارقها عقبة ونكحت زوجا غيره.

وفي هذا الحديث دليلٌ على أنه يكفي في إثبات حكم الرضاع شهادة امرأةٍ واحدة ثقة، لأنَّ هذا مما لا يطَّلع عليه إلاَّ النساء غالباً([3]).

وممن ذهب إلى هذا القول من المجامع الفقهية مجمع الفقه الإسلامي في قراره رقم: 6(6/2) بشأن بنوك الحليب([4])، والذي جاء فيه:

 

إنَّ مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي، في دورة انعقاد مؤتمره الثاني بجدة، من 10-16 ربيع الآخر 1406هـ،/22-28 كانون الأول (ديسمبر) 1985م.

بعد أن عرض على المجمع دراسة فقهية، ودراسة طبية حول بنوك الحليب، وبعد التأمل فيما جاء في الدراستين ومناقشة كل منهما مناقشة مستفيضة شملت مختلف جوانب الموضوع وتبين منها التالي:

أولاً: أن بنوك الحليب تجربة قامت بها الأمم الغربية، ثم ظهرت مع التجربة بعض السلبيات الفنية والعلمية فيها، فانكمشت وقلَّ الاهتمام بها.

ثانياً: أن الإسلام يعتبر الرضاع لحمة كلحمة النسب يحرم به ما يحرم من النسب بإجماع المسلمين. ومن مقاصد الشريعة الكلِّية: المحافظة على النسب، وبنوك الحليب مؤدِّيةٌ إلى الاختلاط، أو الريبة.

 

ثالثاً: أن العلاقات الاجتماعية في العالم الإسلامي توفر للمولود الخداج، أو ناقص الوزن، أو المحتاج إلى اللبن البشري في الحالات الخاصة ما يحتاج إليه من الاسترضاع الطبيعي، الأمر الذي يغني عن بنوك الحليب.قرر ما يلي:

أولاً: منع إنشاء بنوك حليب الأمهات في العالم الإسلامي.

ثانياً: حرمة الرضاع منها”.


([1]) سورة النساء: الآية ( 23 ).

([2]) الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة النعمان، لابن نجيم 1/66، وأنوار البروق في أنواع الفروق، للقرافي 3/ 425، وإرشاد الفحول إلي تحقيق الحقِّ من علم الأصول 2/192.

([3]) الشرح الممتع على زاد المستقنع، لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين 13/ 455.

([4])مجلة المجمع – ع 2، ج 1/383.

المراجع

1. قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي رقم: 6(6/2) بشأن بنوك الحليب في دورة انعقاد مؤتمره الثاني بجدة من 10-16 ربيع الآخر1406هـ/22-28 كانون الأول (ديسمبر) 1985م مجلة المجمع- ع2، ج 1/383.
2. دار الإفتاء المصرية: فتوى 10179 عنوان الفتوى: بنك لبن الأمهات.
3. بنوك الحليب: الدكتور يوسف القرضاوي، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، نسخة إلكترونية.
4. بنوك الحليب، د/ ماهر حتحوت، بحث مقدم للندوة الأولى للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية عنوانهــا: الإنجاب في ضوء الإسلام، الكويت.

مسائل ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى