1. قطع النسل.
2. التعقيم الرجالي.
منع الحمل الدائم الذكري: هي عملية يقصد منها تعطيل الذكر عن الإنجاب على الدوام، مع بقاء قدرته على الممارسة الجنسية، وتعرف بعملية التعقيم ويكون ذلك بإجراء جراحي يفضي إلى سد القناتين المنويتين في الرجل، وهي من العمليات الحديثة التي ظهرت مؤخراً في عصرنا الحاضر، وتختلف عن الإخصاء، لأنَّ التعقيم لا يتناول الشهوة الجنسية، ولا القدرة عليها، وإنما يعطِّل القدرة على الإنجاب فقط.
من المعلوم: أنَّ الإنسان لا يجوز له أن يتصرَّف بجسده إلاَّ وفق ما شرعه الإسلام، ولذلك اتفق الفقهاء قاطبةً على أنَّ التعقيم المؤبَّد الذي يمنع صلاحية الرجل، أو المرأة، أو صلاحيتهما معاً للإنجاب: أمر ممنوع، وهو حرام قطعاً، ويحرم فعل أيِّ سببٍ من الأسباب المفضية إلى قطع النسل، ونقل بعضهم الإجماع على ذلك([1]).
جاء في حاشية قليوبي في حديثه عن حكم كسر الشهوة بشرب الكافور ونحوه: ما نصُّه” لا يكسرها بالكافور ونحوه”([2]) بل يحرم إن قطع النسل ويكره إن فتر الشهوة” وقال في حديثه عن حكم العزل: ” ويكره العزل وتفتير الشهوة، ويحرم قطع النسل ولو بدواء…”([3])
وقال في ” كشاف القناع: “ولا يجوز ما يقطع الحمل، ذكره بعضهم: هو حرام إن قطع النسل، ومكروه إن فتَّرَ الشهوة وقطع الحبل من المرأة على هذا التفصيل”([4])
واستدلوا على تحريم التسبب بتعطيل الإنجاب بأدلَّةٍ كثيرة، من أهمها ما يأتي:
الدليل الأول: قوله تعالى: ( وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ) ([5])
ووجه الدلالة: أن تغيير خلق الله من المحرماًت التي يسولها الشيطان للعصاة من بني آدم، وعملية تعطيل الإنجاب تشتمل على تغيير خلقة الله، والعبث فيها حسب الأهواء والرغبات([6]).
الدليل الثاني: حديث عبدالله بن مسعود t أنه قال: سمعت رسول الله ﷺ « يلعن المتنمصات والمتفلجات للحسن اللآتي يغيرن خلق الله » أخرجه البخاري، ح: 4886، ومسلم، ح: 5695.
وجه الدلالة: أنَّ النبي ﷺ لعن المتنمصات المتفلجات، وعلَّل ذلك بتغيير الخلقة التي خلق الله عليها، وفي رواية: المغيرات خلق الله([7]).
الدليل الثالث: تحريم عملية منع الحمل الدائم قياساً على تحريم الوشم والوشر والنمص، التي وردت النصوص بتحريمها، بجامع تغيير خلق الله في كلٍّ، تلبيةً للرعبة والهوى، وهذا المعنى موجود في هذه العمليات.
الدليل الرابع: أنَّ هذه العملية الجراحية لا تتمُّ غالباً إلاَّ بفعل بعض المحظورات، كالتخدير، ومعلوم: أنَّ التخدير في الأصل محرمٌ شرعاً، وفعله في هذا النوع من الجراحة لم يأذن به الشرع، لفقد الأسباب الموجبة للترخيص والإذن، ومثل كشف العورة، كالفخذين، وليس هناك ضرورةٌ ملحِّةٌ لذلك.
الدليل الخامس: أنَّ هذه الجراحة لا تخلو من الأضرار والمضاعفات التي تنشأ عنها، وتفضي إلى ضررٍ كلِّيٍ أو جزئيٍ، والضرر محرمٌ قليله وكثيره بنصوصٍ متعدِّدة، ومنها قوله e « لا ضرر ولا ضرار »(أخرجه الإمام مالك في الموطأ، ح: 1429، والإمام أحمد في المسند، ح: 2867، وابن ماجه، ح: 2341، والدارقطني، ح: 83، والطبراني في المعجم الكبير، ح: 1387، وأبو يعلى في مسنده، ح: 2520 والبيهقي في السنن الكبرى، ح: 11166، والحاكم في المستدرك، ح: 2345) وهو حديث أجمع العلماء على صحة متنه، لأن النصوص في الكتاب والسنة كلها تدل دلالة واضحة على صحته، وعليه: فهو أصلٌ في أنه لا يجوز لأيِّ كائنٍ أن يضرَّ بنفسه، ولا بغيره ضرراً مباشراً، ولا بأيِّ سببٍ كان، لأنَّ هذا الحديث نصٌ في تحريم الضرر بشتى أنواعه([8]).
هذا حكم المسألة: إذا كان قطع الإنجاب عن طريق ما يعرف في الطب: بـ (التعقيم) بدون ضرورة ملجئة، أمَّا إن دعت إلى ذلك الضرورة، كما لو حدث للرجل أو المرأة أورام خطيرة، يخشى بها ضرر البدن كله، فهذه مستثناةٌ من حكم التحريم، دفعاً للضرورة، وحفاظاً على الجسم كلِّه وصحته بإزالة بعضه، وارتكاباً لأخف المفسدتين لدفع أعظمهما ([9]).
موقف الأطباء:
وموقف الأطباء موافق- تماماً- لموقف فقهاء الأمَّة، فقد صرَّح كثيرٌ منهم بأنَّ الطب في الإسلام أمانةٌ وعبادة، وبأنه لا يجوز للطبيب أن يقطع برأيٍ إلاَّ وقد انتبه إلى عدة أمور، إن أغفلها كان حكمه محرماً وناقص المقومات الشرعية، ومن هذه الأمور:
1- على الطبيب أن يعتبر كل حالةٍ على حدة، وأن يربأ بنفسه عن أن يكون مجنداً في حملة عامة عالميةٍ أو إقليميةٍ للتعقيم.
2- على الطبيب أن يذكِّر الزوجين: أن الظروف قد تتغير، وفي الواقع حالات أجري التعقيم عن اقتناع ثم تغيرت الظروف بافتراق الزوجين أو بوفاة الأولاد وهي نماذج محزنة حقاً.
4- على الطبيب: أن يصرِّح للمقبل على العملية بأنه سيكون معرَّضاً لمضاعفات نفسية وجسمية في المستقبل([10]).
5- على الطبيب: أن يذكر أن للتعقيم بدائلَ عديدةً في موانع الحمل الكثيرة، التي لا تحمل صفة الديمومة، ولا تستدعي في المستقبل إجراءً جراحياً.
6- على الطبيب أن يبين بأن أعداء الأمة يعملون جاهدين على تناول مناطق من العالم بالتغيير الديموجرافي، بحيث تتحول الأقليات غير المسلمة إلى أغلبيات، أو الأغلبيات المسلمة إلى أقليات، كي تكون الغلبة لغير المسلمين على المسلمين، وقد تمَّت زيارة بعض المراكز الطبية في منطقةٍ ذات حساسيةٍ دينيةٍ، فهالنا ما رأيناه في السجلات أنَّ جميع المعقمات كنَّ من المسلمات فقط، وأنَّ الطائفة الأخرى لديها أوامرها بالتكاثر والنماء البشري([11])
وقد جاء في توصيات المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في ندوتها الأولى ” ندوة الإنجاب ” سنة 1983م بشأن موضوع منع الحمل الجراحي (التعقيم) ما يلي:
” جواز اللجوء إلى منع الحمل الجراحي على النطاق الفردي للضرورة التي يقدرها الطبيب المسلم الثقة إذا استنفذت الوسائل الأخرى.
أما على مستوى الأمة الإسلامية فلا يجوز شرعاً. وتنكر الندوة أن يكون التعقيم حركة عامة، وتحذر من استخدامه في الحرب السكانية – الديموجرافية – التي تهدف إلى جعل المسلمين أقلية في بلادهم أوفي العالم”.
([1]) البحر الرائق شرح كنز الدقائق 13/ 68، والفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني1/347، وفتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك 3/ 28، وأسنى المطالب في شرح روض الطالب، لزكريا الأنصاري 3/186، وحاشية قليوبي 3/ 207،
وكشاف القناع عن متن الإقناع 2/ 96، وشرح زاد المستقنع للشنقيطي 228/11، والشرح الممتع على زاد المستقنع 10/161.
([2]) 4/377، وانظر: أسنى المطالب في شرح روض الطالب 3/ 186، وحاشية البجيرمي على المنهاج 13/ 378.
([4]) عن متن الإقناع، للشيخ منصور البهوتي 2/96.
([6]) فتاوى الشبكة الإسلامية 5/ 7261.
([7]) شرح زاد المستقنع للشنقيطي 228/11، والشرح الممتع على زاد المستقنع 10/161.
([8]) مجمع الزوائد4/113، وشرح زاد المستقنع للشنقيطي 7/ 283، والوجيز في أصول الفقه للبورنو 1/12.
([9]) شرح زاد المستقنع للشنقيطي 228/ 11.
([10]) منع الحمل الجراحي د/ حسان حتحوت ندوة الإنجاب ص183 وما بعدها.
1. قرار رقم: 39 (1/5) بشأن تنظيم النسل مجلة المجمع (ع 4، ج1 ص 73) مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1-6 جمادى الآخر 1409هـ الموافق10-15 كانون الأول (ديسمبر)1988م،
2. الندوة السادسة للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية عنوانهــا: زراعة بعض الأعضاء البشرية ـ الكويت ربيع الأول 1410 هـ أكتوبر 1989 م
3. الموضوع (1200) حكم الاجهاض. المفتى: فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق. 26 محرم 1401 هجرية – 4 ديسمبر 1980 م.
4. أحكام الحمل في الشريعة الإسلامية – دراسة فقهية مقارنة مع قانون الأحوال الشخصية، دكتور/ خالد محمد صالح، دار الكتب القانونية، القاهرة.
5. ” أحكام الهندسة الوراثية “، رسالة الدكتوراه في الفقه، د/ سعد بن عبد العزيز بن عبد الله الشويرخ، كلية الشريعة، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، دار كنوز إشبيلية، الرياض، الطبعة الأولى، 1428هـ.
6. فقه القضايا الطبية المعاصرة ” دراسة فقهية طبية مقارنة “: أ.د. علي محيي الدين القره داغي، أ.د. علي يوسف المحمدي، دار البشائر الإسلامية، بيروت، الطبعة الثانية، 1427هـ.