قسم الأسرةباب النكاح

مشاهدة المرأة للرجل عبر الشاشة

المسألة رقم 97

العناوين المرادفة

1. مشاهدة المرأة الرجال.
2. نظر المرأة إلى الرجال.

صورة المسألة

من آثار التقنية أن غدت الشاشات لا تنفك عن الحياة اليومية في البيت والمكتب بل وفي جيب الإنسان تحل معه وتظعن، شاشات التلفاز وأجهزة الحاسب بأنواعه، وشاشات الجوالات، وغيرها.
ومن خلال الشاشة يشاهد المرء كل شيء، فكان مما يسأل عنه الحريصون على أمر دينهم حكم مشاهدة المرأة للرجل عبر الشاشة.
ومسألة نظر المرأة إلى الرجل ليست مسألة حادثة، ولكن لأهميتها وكثرة البلوى بها بسبب التقنية كما أشرنا ناسب بحثها.
ولقد حرص الإسلام على سد أبواب الفتن، ومن أعظمها باب النظر، فمنع جميع أحوال النظر الذي يفضي إلى المحرم، فكان منها ما هو متفق على منعه، ومنها ما جرى فيه الخلاف، ومما جرى فيه الخلاف نظر المرأة إلى الرجل.

حكم المسألة

اتفق الفقهاء على تحريم نظر المرأة إلى عورة الرجل.

واتفقوا على المنع أيضاً في غير العورة حال وجود الفتنة بهذا النظر.

كما اتفقوا على إباحة النظر في حال الحاجة،كنظر الطبيبة إلى المريض إذا لم يوجد الطبيب الرجل([1]).

واختلف الفقهاء في نظر المرأة إلى غير العورة من الرجل من غير حاجة، في كونه من قبيل المأذون، أو من قبيل المحظور، على أربعة آراء:

الرأي الأول: يكره للمرأة النظر إلى الرجل.

وهذا القول رواية عند الحنابلة ([2])، اختارها القاضي أبو يعلى ([3]وشيخ الإسلام ابن تيمية، وجعلاها ظاهر كلام الإمام أحمد ـ رحمه الله ([4]).

الرأي الثاني: لا يباح لها النظر إليه.

وهو قول عند الشافعية ([5])، ورواية عند الحنابلة ([6]).

الرأي الثالث: يباح لها النظر إلى ما يظهر غالباً كالوجه واليدين، والقدمين، والرقبة ونحو ذلك.

وهو قول عند الشافعية ([7])، ورواية عند الحنابلة ([8])، اختارها بعضهم، منهم ابن عقيل ([9]).

الرأي الرابع: يباح لها النظر إلى غير العورة.

وبه قال الحنفية ([10])، وهو المذهب عند الشافعية ([11])، وعند الحنابلة ([12]).

 

أدلة القائلين بالإباحة في غير العورة.

[ 1 ] عن فاطمة بنت قيس رَضِيَ الله عَنْها في قصـة طلاقهـا أن النبي ﷺ قال لهـا: ” اعتدي في بيت ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى، تضعين ثيابك فلا يراك ” أخرجه مسلم (1480)..

وجه الاستدلال: أن ابن أم مكتوم رجل أجنبي من فاطمة فلو كان نظر المرأة إلى الرجل محرَّماً لنهاها النبي ﷺ عن ذلك.

[ 2 ] عن عائشة رضي الله عنها قالت: ” رأيت النبي ﷺ يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد حتى أكون أنا الذي أسأم ” (البخاري (455)، ومسلم (892).

وجه الاستدلال:أن نظر المرأة إلى الرجل الأجنبي لو كان محرماً لمنع الرسول ﷺ عائشة منه.

[ 3 ] عن ابن عباس رَضِيَ الله عَنْهُما أن رسول الله ﷺ خرج يوم أضحى أو فطر فصلى ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها، ثم أتى النساء ومعه بلال فأمرهن بالصدقة فجعلت المرأة تلقي خرصها وتلقي سخابها (البخاري (98)، مسلم (884)).

وجه الاستدلال: أن نظر المرأة إلى الرجل الأجنبي لو كان محرماً لما قابلهن رسول الله ﷺ بالموعظة ولا سيما أن معه بلالاً.

[ 4 ] أن النساء لو منعن النظر لوجب على الرجال الحجاب كما وجب على النساء لئلا ينظرن إليهم ([13]).

يوضحه: ” استمرار العمل على جواز خروج النساء إلى المساجد والأسواق والأسفار منتقبات لئلا يراهن الرجال، ولم يؤمر الرجال قط بالانتقاب لئلا يراهم النساء فدل على تغاير الحكم بين الطائفتين ” ([14]).

 

 

أدله القائلين بالإباحة فيما يظهر غالباً.

يمكن الاستدلال لهذا القول بأدلة من قال بإباحة نظر المرأة إلى ما عدا العورة، وهي حديث فاطمة وحديث عائشة رضي الله عنهما فليس فيهما إلا ما يظهر غالباً، وليس فيهما أن فاطمة وعائشة نظرتا إلى بطن أو ظهر مع ما في ذلك من احتمال الفتنة.

أدلة القائلين بالتحريم.

[ 1 ] قوله تعالى: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) ([15]).

وجه الاستدلال: أن الله سبحانه أمر بغض البصر مطلقاً، فحرم النظر عليهن للرجال كما يحرم ذلك على الرجال النظر إليهنَّ([16]).

[ 2 ] عن أم سلمة رَضِيَ الله عَنْها قالت: كنت عند رسول الله ﷺ وعنده ميمونة فأقبل ابن أم مكتوم وذلك بعد أن أمرنا بالحجاب فقال النبي ﷺ : “احتجبا منه ” فقلنا: يا رسول الله أليس أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا؟، فقال النبي ﷺ: ” أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه؟ ” أخرجه الإمام أحمد (25997) وأبو داود (4112) والترمذي (2778) وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي (9242)، وحسنه النووي في روضة الطالبين (5/371)، وقال ابن حجر في فتح الباري (9/336): “إسناده قوي “، وضعفه آخرون،فقال ابن عبد البر في التمهيد (19/159): ” فيه نبهان وهو مجهول، وضعفه الألباني في الإرواء (6/211)، والأرناؤوط في تعليقه على صحيح ابن حبان (72717).

وجه الاستدلال: أنه ﷺ أمر بالاحتجاب منه مع أنه أعمى لا يراهما فدل على أن نظر المرأة إلى الرجل ممنوع.

[ 3 ]أن المـرأة كالرجل يحـرم عليها الاستمتـاع بالأجنبي كما يحرم على الأجنبي الاستمتـاع بها، فإذا كان الأجنبي يحـرم عليه النظـر إليها خشيـة الفتنـة، فكذلك المـرأة يحرم عليها النظر إلى الرجل خشية الفتنة ([17]).

 

أدلة القائلين بالكراهة :

يمكن الاستدلال لهذا القول بالجمع بين الأدلة، وبأنه يكره للرجل أن ينظر من المرأة ما ليس بعورة لغير حاجة خوفاً أن يدعو ذلك إلى الفتنة، وهذا المعنى موجود في المرأة إذ لا يؤمن عليها حصول الفتنة بنظرها إلى الأجنبي فينبغي أن يكره ذلك، وهذا معنى معتبر.

مع أن القول بالكراهة ينبغي أن يحمل على ما يظهر غالباً كالوجه واليدين والقدمين ونحوهما، وأما ما لا يظهر غالباً كالبطن والظهر والفخذين فكل ذلك مما يحرم على المرأة النظر إليه، لأن الله عز وجل قد أمر النساء بغض البصر، ولم يرد ما يدل على جواز مثل هذا النظر، كما يمكن حمل المنع في حديث أم سلمة ” أفعمياوان أنتما ” على مثل هذه الحال، مع ما في هذا النوع من النظر من الفتنة الظاهرة، والله أعلم.


([1]) انظر : روضة الطالبين (5/372)، شـرح المحلي (3/211)، مواهب الجليل (3/405)، حاشية ابن عابدين (6/371)، طرح التثريب (7/56).

([2]) مسائل الإمام أحمد، لابن هانئ (2/182).

([3]) الروايتين (2/77) .

([4]) انظر : الروايتين (2/77)، الإنصاف (8/26) .

([5]) شرح المحلي (3/221).

([6]) الروايتين (2/77)، المغني (9/506)، الفروع (5/154)، الإنصاف (8/25)، نقل إسحاق بن هانئ عن الإمام أحمد قوله : ” لا ينبغي للمرأة أن تنظر إلى الرجل كما لا ينبغي أن ينظر إلى المرأة ” . انظر : مسائل الإمام أحمد برواية ابن هانئ (2/182).

([7]) روضة الطالبين (5/371)، شرح المحلي (3/211).

([8]) المحرر (2/14)، الفروع (5/154).

([9]) الإنصاف (8/25).

([10]) حاشية ابن عابدين (6/371).

([11]) روضة الطالبين (5/371)، شرح المحلي (3 /211).

([12]) الروايتين (2/77)، المغني (9/506)، الفروع (5/154)، الإنصاف (8/25).

([13]) المغني (9/506).

([14]) فتح الباري (9/336).

([15]) سورة النور: آية (31).

([16]) المغني (9/506).

([17]) الروايتين (2/78)، المغني (7/465).

المراجع

1. اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية، من كتاب العارية إلى نهاية كتاب النكاح – دراسة مقارنة، أ.د/ فهد بن عبد الرحمن اليحيى، الناشر: دار كنوز إشبيليا، وقد استقينا صياغة المسألة منه.

مسائل ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى