إذا فقد الزوج، وانقطع خبره وجهل حاله فلا يعلم أحي هو أم ميت؟ فما حكم زوجته؟ وكم تعتد لانتظاره؟ وهل للتطور التقني في مجال الاتصال أثر في مدة الانتظار؟
اختلف الفقهاء – رحمهم الله – في مدة انتظار المفقود على قولين:
القول الأول: تختلف مدة الانتظار باختلاف حال المفقود، ولا يخلو من حالتين:
أ- الحالة الأولى: أن يغلب على حاله الهلاك حينما فقد، كأن يفقد بين الصفين أو في حوادث وكوارث جماعية ونحو ذلك، والحكم في هذه الحالة أن ينتظر مدة أربع سنين، فإذا انتهت اعتدت زوجته وقسم ماله.
ب- الحالة الثانية: أن يغلب على حاله السلامة، كمن يسافر لطلب رزق أو طلب علم أو غير ذلك، والحكم في هذه الحالة أن ينتظر مدة تسعين سنة من حين ولادته.
وهذا المذهب عند الحنابلة([1]).
ومن أدلتهم:
1- ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: “أيما امرأة فقدت زوجها فلم تدر أين هو؟ فإنها تنتظر أربع سنين، ثم تعتد أربعة أشهر وعشراً، ثم تحل”. [أخرجه مالك في الموطأ (575)، وسعيد بن منصور 1/400، والبيهقي 7/445، وعبدالرزاق 7/88].
وجه الدلالة: أن عمر حدد مدة الانتظار بأربع سنين، وهو من الخلفاء الراشدين فعلينا العمل بحكمه.
2- أن هذه المدة يتردد فيها التجار والمسافرون، فإذا لم يتضح حاله في هذه المدة، فيغلب على الظن أنه مات.
وأما من كان الغالب فيه السلامة؛ فلأن غالب الناس لا يعيشون أكثر من التسعين.
القول الثاني: عدم التفصيل والتفريق بين الحالتين، بل يرجع في ذلك إلى اجتهاد الحاكم، وهذا مذهب جمهور الفقهاء([2]).
ومنهم من اجتهد في تحديد المدة، ومنهم من أطلقها للحاكم بحسب ما يتيسر له من سبل الاجتهاد.
ودليلهم:
أن المدة التي يغلب على الظن أن يعيشها المفقود تختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والأزمنة والأمكنة فيرجع في تحديدها إلى اجتهاد الحاكم، ولا يحكم بموته إلا بعد الاجتهاد والتحري في السؤال عنه وتتبع أحواله إذ الأصل حياته.
وذهب بعض المعاصرين إلى أن مدة الانتظار في هذا العصر ينبغي أن تكون أقصر مما كانت عليه سابقاً لتوافر سبل البحث، وللتقدم المذهل في وسائل الاتصالات وتعدد طرقها، ولوجود الأنظمة الأمنية والدولية الدقيقة والتي من مهامها متابعة قضايا المفقودين.
([1]) ينظر: المغني 9/186، كشاف القناع 4/466.
([2]) ينظر: المبسوط 11/43، بدائع الصنائع 5/289، المدونة 2/98 – 99، التاج والإكليل 5/506، أسنى المطالب 3/18، تحفة المحتاج 6/421، المغني 5/35، كشاف القناع 4/466.
– شرح عمدة الفقه، أ.د. عبدالله بن عبدالعزيز الجبرين، مكتبة الرشد، ط2، 1429ه، 3/1448.
– أثر التقنية الحديثة في الخلاف الفقهي، د. هشام بن عبدالملك آل الشيخ، مكتبة الرشد، ط1، 1427هـ/2006م، ص415 – 433.