قسم الأقليات المسلمةباب المعاملات

شراء المساكن بالقروض الربوية

مسألة رقم 117

العناوين المرادفة

• الاقتراض من البنوك.
• الشراء بما يعرف بالمورقج.
• شراء المساكن بتمويل ربوي.

صورة المسألة

أن يشتري المسلم المقيم خارج بلاد الإسلام مسكنا عن طريق تمويل ربوي بواسطة البنوك التقليدية، فيقترض من البنك بفائدة ربوية، ويكون وفاء القرض بفوائده مقسطا لمدة طويلة، ويملك المسكن بعد وفاء القرض، وهو ما يعرف لدى البنوك ب المورقج.

حكم المسألة

اختلف فقهاء العصر في هذه المسألة على اتجاهين:

الاتجاه الأول: لا يحل للمسلم أن يشتري مسكنا عن طريق تمويل ربوي مطلقا، وهو رأي جماهير العلماء، وممن أخذ به مجمع الفقه الدولي، والشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله كما في فتاوى الأقليات المسلمة وغيره من علماء العصر ([1]).

وأهم الأدلة التي استدلوا بها ما يلي:

عموم الأدلة القاضية بتحريم الربا، والتي لم تقيد التحريم بمكان دون مكان أو زمان دون زمان، بل جاءت مطلقة وعامة، ومنها قول الله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ) (البقرة 275)، وقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) (البقرة 278)، وقول النبي ﷺ ” اجتنبوا السبع الموبقات ” أخرجه البخاري برقم 5431، وذكر منها الربا.

فكل هذه النصوص تفيد تحريم الربا على سبيل العموم من غير تفصيل ولا تخصيص.

ما كان محرما في دار الإسلام فهو محرم في دار الحرب كالربا بين المسلمين، وسائر المعاصي.

القياس على المستأمن الحربي الذي يدخل دار الإسلام بأمان، فقد أجمعوا على حرمة التعامل معه بالربا، وكذلك إذا دخل المسلم دار الحرب فلا يجوز التعامل معهم بالربا، قال الشوكاني([2]): ” إن أحكام الشرع لازمة للمسلمين في أي مكان وجدوا، ودار الحرب ليست بناسخة للأحكام الشرعية “.

 

الاتجاه الثاني: يجوز للمسلم المقيم خارج ديار الإسلام اللجوء إلى القرض الربوي لشراء بيت يحتاج إليه لسكناه هو وأسرته.

وهو رأي المجلس الأوروبي للإفتاء، ومجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، وأخذ به بعض العلماء ([3])

وقد اشترط أصحاب هذا الرأي للجواز:تحقق الضرورة أو الحاجة الماسة وذلك بألا يكون لديه بيت آخر يغنيه، وأن يكون هو مسكنه الأساسي، وألا يكون عنده من فائض المال ما يمكنه من شرائه بغير هذه الوسيلة، وإذا أمكن الاستئجار بغير مشقة ولا حرج فعليه أن يقنع بذلك ولا يقع في الحرام. وناشد أصحاب هذا الرأي بعد ذلك أبناء المسلمين في الغرب أن يجتهدوا في إيجاد البدائل الشرعية.

وأهم الأدلة التي استدلوا بها ما يلي:

قاعدة: “الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة ” وهي قاعدة معروفة عند أهل العلم في المذاهب المختلفة، وقد ذكرها السيوطي وابن نجيم كلاهما في كتابه: الأشباه والنظائر، ومعنى هذه القاعدة: أن الحاجة تنزل منزلة الضرورة في إباحة المحظور بها، وإباحة المحظورات بالضرورة متفق عليه، ويدل عليه قول الله تعالى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) (الأنعام 119)، والحاجة هي التي إذا لم تتحقق يكون المسلم في حرج، وإن كان يستطيع أن يعيش، بخلاف الضرورة التي لا يستطيع أن يعيش بدونها، والمسكن يعد من الحاجات الأصلية للإنسان، وفي حال غيبة البدائل المشروعة لتملك المسكن لمن يعجز عن شرائه يقع المسلم في الحرج و يأخذ حكم الضرورة إلى أن تتحقق البدائل المشروعة.

استندوا إلى مذهب أبي حنيفة وصاحبه محمد بن الحسن في جواز التعامل بالربا وغيره من العقود الفاسدة بين المسلمين وغيرهم في غير دار الإسلام.

وقد أجاب الجمهور المانعون من هذه المعاملة عن استدلال المخالفين بقاعدة: ” الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة “:

بأن الأقليات المسلمة لم يصل بها الحال في البلاد التي تعيش فيها إلى حد الضرورة أو الحاجة، فلا توجد حاجة ملحة تنزل منزلة الضرورة، بحيث يصار إلى هذه المعاملة الربوية، إذ تتوافر المساكن غالبا في هذه الدول، ويمكن للمسلم غير القادر على الشراء أن يجد بدائل، ولو أن يرتحل إلى بلاد أخرى، ولايقع فيما حرمه الله، ثم إن الحالات الفردية الاستثنائية لا توجب إعطاء حكم عام، فإن العبرة للعموم الغالب.

وأجابوا عن الاستدلال بجواز التعامل بالربا بين المسلمين وغيرهم في غير دار الإسلام: بالمنع؛ فإن الراجح حرمة التعامل بالربا حتى مع غير المسلمين خارج ديار الإسلام؛ لعموم النصوص المحرمة التي لم تستثن هذه الصورة.

وعلى التسليم بصحة مذهب الحنفية في ذلك فإن الاحتجاج به في هذه المسألة غير مطابق؛ لأن عندهم أن يكون المسلم هو الآخذ للربا، وفي هذه المسألة المسلم هو المعطي وليس الآخذ، فلا ينطبق على الصورة التي أجازها الحنفية.


([1]) قرار مجمع الفقه الدولي رقم 23 (11/3) ، وفتاوى الأقليات المسلمة 83 .

([2]) السيل الجرار 1/963.

([3]) قرار مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا رقم 2/5 ، وفقه الأقليات 154 ، 168 ، وفتاوى الزرقاء 621 ـ 626 .

المراجع

• قرارات مجمع فقهاء الشريعة في أمريكا.
• قرارات المجلس الأوروبي للإفتاء.
• قرارات مجمع الفقه الدولي.
• فتاوى الأقليات المسلمة لمجموعة من العلماء.
• صناعة الفتوى وفقه الأقليات للشيخ عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه.
• فقه الأقليات المسلمة للشيخ خالد عبد القادر.
• فتاوى مصطفي الزرقاء اعتنى بها: مجد أحمد مكي.
• السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار لمحمد بن علي بن محمد الشوكاني ت1250هـ. نشر : دار ابن حزم، الطبعة الأولى.

مسائل ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى