الأنعام والدواجن التي ذبحها أهل الكتاب.
طعام أهل الكتاب.
حكم تناول لحوم الحيوانات التي يتولى ذبحها غير المسلمين من أهل الكتاب في بلاد الأقليات المسلمة، وتعرض في الأسواق والمطاعم.
حكم هذه المسألة على التفصيل التالي:
أ. الأصل في ذبائح أهل الكتاب في هذا العصر:
اختلف علماء العصر في ذلك فذهب بعضهم إلى أن الأصل الإباحة، واستدلوا بقوله تعالى : (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ) المائدة 5.
وعلى هذا فيجوز للمسلمين الزائرين لبلاد غير إسلامية أو المقيمين فيها، أن يأكلوا من ذبائح أهل الكتاب ما هو مباح شرعاً، بعد التأكد من خلوها مما يخالطها من المحرمات، إلا إذا ثبت لديهم أنها لم تُذك تذكية شرعية.
وذهب بعض العلماء إلى أن ذبائح أهل الكتاب في هذا العصر ليس الأصل فيها الحل لثلاثة أمور:
- أنهم اختلط معهم غيرهم ممن ليسوا منهم كالبوذيين والسيخ وغيرهم من المشركين.
- أن الغالب المشاهد في مجازرهم أنهم لا يذبحون بطريقة الذكاة الشرعية، والنص إنما ورد في ذبائح أهل الكتاب في عصره –ﷺ- وكانوا يذبحون كذبح المسلمين.
- الاحتياط في الذبائح يقتضي عدم الأكل مما لا نعلم أنه ذبح بطريقة صحيحة، وقد قال الشيخ ابن باز رحمه الله: قد يرد أصحاب الاتجاه الأول بأن الله عالم بما يؤول إليه أمرهم. ومع ذلك قال بصيغة العموم (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ ).
ومما جاء في مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز ([1]) ما نصه: “وقد بلغني عن كثير من الدعاة أن كثيراً من المجازر تذبح على غير الطريقة الشرعية في أمريكا وفي أوروبا، فإذا احتاط المؤمن ولم يأكل من هذه اللحوم كان ذلك أحسن وأسلم. فالمؤمن عليه أن يحتاط في شربه وطعامه فإذا اشترى الحيوان حياً من الدجاج أو من الغنم وذبحها بنفسه يكون ذلك أولى وأحسن، أو اشتراه من جزارين معروفين بالذبح على الطريقة الشرعية يكون هذا خيراً له وأحوط له”.
وقد يقول أصحاب الاتجاه الثاني: إن هؤلاء ليسوا أهل كتاب؛ لأنهم لم يبعثوا على تعظيم دينهم والحرص عليه.
فإذا كانت المنطقة التي فيها اللحوم ليس فيها إلا أهل الكتاب من اليهود والنصارى فذبائحهم حلال، ولو لم يعلم كيف ذبحوها، فإن كان في المنطقة غيرهم من الكفار، فلا تؤكل هذه اللحوم لاشتباه الحلال بالحرام، حتى يعلم أنهم ذبحوها بطريقة شرعية.
وإذا علم أن الذين يبيعون هذه اللحوم يذبحون على غير الوجه الشرعي كالخنق والصعق فلا يجوز أكلها، سواء كان الذابح مسلماً أو كافراً.
وهذا ما عليه اللجنة الدائمة للإفتاء كما في فتاوى اللجنة الدائمة، والمجمع الفقهي الدولي، والمجلس الأوروبي للإفتاء في دورته الثالثة، وهورأي الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ محمد بن عثيمين ([2]).
حكم ذبائح أهل الكتاب إذا علم أنهم ذبحوها بطريق الصعق الكهربائي:
تكاد تتفق كلمة المجامع على أن الذبائح التي علم أنها ذبحت بطريقة الصعق الكهربائي لا يحل أكلها لأنها ميتة، فلا يفيد ذكاتها بعد موتها، ومما جاء في قرار المجلس الأوروبي للإفتاء ما نصه: ” وبعد استعراض طرائق الذبح المتبعة وما يتضمنه الكثير منها من مخالفات شرعية تؤدي إلى موت عدد غير قليل من الحيوانات، لا سيما الدجاج، فقد قرر المجلس عدم جواز تناول لحوم الدواجن والأبقار، بخلاف الأغنام والعجول الصغيرة فإن طريقة ذبحها لا تتنافى مع شروط الذكاة الشرعية في بعض البلدان.
هذا ويوصي المجلس أن يتخذ المسلمون في ديار الغرب مذابح خاصة بهم حتى ترتاح ضمائرهم ويحافظوا على شخصيتهم الدينية والحضارية.
ويدعو المجلس الدول الغربية إلى الاعتراف بالخصوصيات الدينية للمسلمين، ومنها تمكينهم من الذبح حسب الشريعة الإسلامية أسوة بغيرهم من الجماعات الدينية الأخرى كاليهود.
كما يدعو الدول الإسلامية إلى استيراد اللحوم الحلال التي تخضع لمراقبة شرعية من قبل المراكز الإسلامية الموثوق بها في ديار الغرب”.
تدويخ الحيوان قبل ذبحه:
جاء في قرار مجمع الفقه الدولي([3]) ما نصه:” الأصل في التذكية الشرعية أن تكون بدون تدويخ للحيوان، لأن طريقة الذبح الإسلامية بشروطها وآدابها هي الأمثل، رحمة بالحيوان، وإحساناً في ذبحته وتقليلاً من معاناته، ويُطلب من الجهات القائمة بالذبح أن تطور وسائل ذبحها بالنسبة للحيوانات الكبيرة الحجم، بحيث تحقق هذا الأصل في الذبح على الوجه الأكمل…
على المسلمين المقيمين في البلاد غير الإسلامية أن يسعوا بالطرق القانونية للحصول على الإذن لهم بالذبح على الطريقة الإسلامية بدون تدويخ.
التسمية على كل مجموعة من الذبائح مرة واحدة:
جاء في قرار مجمع الفقه الدولي([4]) الأصل أن تتم التذكية للدواجن وغيرها بيد المذكي، ولا بأس باستخدام الآلات الميكانيكية في تذكية الدواجن ما دامت شروط التذكية الشرعية قد توافرت، وتجزئ التسمية على كل مجموعة يتواصل ذبحها، فإن انقطعت أعيدت التسمية”.
أهم الأدلة:
أن الله تعالى أباح طعام أهل الكتاب؛ لقوله تعالى (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ) [المائدة 5]، فلا مانع من الأكل منها إذا لم نعلم ما يمنع من ذلك.
إجماع العلماء قائم على حل طعام أهل الكتاب.
يحرم أكل ما علم أنه ذبح خنقاً أو ضرباً ونحو ذلك أو ذكر اسم غير الله عليه؛ لقول الله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ) المائدة3.
يمتنع الأكل عند الشك لقول النبي ﷺ: “دع ما يريبك إلى ما لا يريبك” وقوله ﷺ: “من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه”.
([1]) مجموع فتاوى الشيخ عبد العريز بن باز23/16.
([2]) فتاوى اللجنة الدائمة 22/387-397، 411، 412، 418، مجمع الفقه الإسلامي الدولي قرار رقم 23(11/3) ورقم 24-3/10، والمجلس الأوروبي للإفتاء في دورته الثالثة، مجموع فتاوى ابن باز 23/10-21، 83، فتاوى الأقليات المسلمة ص 97، 99.
• فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، جمع وترتيب: أحمد بن عبد الرزاق الدويش.
• قرارات المجلس الأوروبي للإفتاء.
• قرارات المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي.
• فتاوى الأقليات المسلمة لمجموعة من العلماء.
• مجموع فتاوى ابن باز أشرف على جمعه: محمد بن سعد الشويعر.
• إسعاف المغتربين بفتاوى العلماء الربانيين إعداد: متعب بن عبد الله القحطاني.
• صناعة الفتوى وفقه الأقليات، للشيخ عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه.
• فقه الأقليات المسلمة، للشيخ: خالد عبد القادر.