1. معاشرة مريض الإيدز لزوجته.
2. نقص المناعة المكتسبة وأثره على العشرة الزوجية.
الإيدز: هو مرض يسببه فيروس يدخل في جهاز المناعة في الجسم ويعطِّله، مما يؤدِّي إلى إصابات مميتة، وبعض أنواع مرض السرطان، والترجمة الحرفية لاسم المرض هي (مرض نقص المناعة المكتسبة).
والإيدز من الأمراض الخطيرة التي انتشرت في الحقبة الأخيرة، والأبحاث العلمية تؤكد: عدم انتشاره عن طريق المعايشة في الحياة اليومية العادية، ولكن يمكن انتقاله بالمعاشرة الجنسية، وعن طريق نقل الدَّم الملوث، أو مشتقاته من المصاب إلى السليم، وعن طريق الأدوات الجارحة، أو الثاقبة للجلد إذا كانت ملوثةً بدم الشخص المصاب، كالإبر، وشفرات الحلاقة، وينتقل من الأم المصابة إلى جنينها أثناء الحمل أو الولادة.
فما الحكم الشرعي في حق مريض الإيدز في المعاشرة الجنسية؟!
مقاصد الشريعة العامة: تدلُّ على تحريم الضرر بجميع أشكاله وأنواعه، ودفعه قبل وقوعه بكلِّ وسيلةٍ ممكنة، ورفعه بعد وقوعه، أو التقليل منه، ولا يخفي أنَّ مرض الإيدز من الأمراض المعدية والقاتلة بقدر الله تعالى، وأوضح أسباب انتقاله من المصاب به إلى السالم منه: هو الاتصال الجنسي، كما هو ثابت في الطبِّ والعادة، وبناءً على هذا التأصيل: فالظاهر من النصوص الشرعية: تحريم معاشرة المصاب من الزوجين بهذا الداء العضال للسليم منهما، وذلك لأدلَّةٍ كثيرة، أهمُّها ما يأتي:
الدليل الأول: قوله ﷺ « لا ضرر ولا ضرار » (أخرجه الإمام مالك في الموطأ، ح: 1429، والإمام أحمد في المسند، ح: 2867، وابن ماجه، ح: 2341، والدارقطني، ح: 83، والطبراني في المعجم الكبير، ح: 1387، وأبو يعلى في مسنده، ح: 2520 والبيهقي في السنن الكبرى، ح: 11166، والحاكم في المستدرك، ح: 2345) وهو حديث أجمع العلماء على معناه، واتخذوه قاعدة من القواعد الكلية، ومن أعظم الضرر: أن يتسبَّبَ أحد الزوجين على الآخر بمرضٍ قد يفضي إلى هلاك النفس وضياع المال، وربما تعدى ضرره إلى الذرية([1]) سواءٌ كان واقعاً بالفعل، أو كان متوقعاً في المستقبل، متى كانت أسبابه وقرائنه قائمةً على توقع حدوثه، والنهي عن الشيء نهي عن فعل أسبابه، وأمرٌ بضده اقتضاءً، كما هو معروفٌ في القواعد الأصولية والفقهية([2])
الدليل الثاني: قوله ﷺ « مَنْ ضَارَّ أضَرَّ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ شَقَّ شَقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ » أخرجه الإمام أحمد، ح: 15328، وأبو داود، ح: 3635، والترمذي، ح: 1940، وابن ماجه، ح: 2342 عن أبي صرمة رضي الله عنه، وانظر: الإرواء 3/413،.والسنن الكبرى للبيهقي وفي ذيله الجوهر النقي 6 /70.
وظاهر الحديث تحريم سائر أنواع الضرر ما قلّ منه وما كثر إلا لدليل، لأن النكرة في سياق النفي فتعم([3])
الدليل الثالث: ما روي عن أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ « مَلْعُونٌ مَنْ ضَارَّ مُؤْمِنًا أَوْ مَكَرَ بِه » أخرجه الترمذي، ح: 1941م، فورود اللَّعن على متعمد الضرر بغيره من المسلمين، دليلٌ على أنَّ قصد الضرر بأيَِ مسلمٍ من كبائر الذنوب.
الدليل الرابع: أنَّ الضرر والمضارَّة نوعٌ من الظلم بغير حق، وتحريم الظلم بغير حقٍّ مما علم من الدين بالضرورة، فقد تواترت النصوص من الكتاب والسنة على تحريم الظلم تواتراً لا يكاد يوجد له نظير، ومن الأمثلة على ذلك: قوله تعالى ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ ([4]) وقوله تعالى ﴿ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ ([5]) وقوله جلَّ شأنه ﴿ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾ ([6])
ومن السنة قوله ﷺ « إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِى لِلظَّالِمِ حَتَّى إذا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ » أخرجه البخاري، ح: 4686.وقوله ﷺ « يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا… » أخرجه مسلم، ح: 6737.
وقوله ﷺ « الظلم ظلمات يوم القيامة » أخرجه البخاري، ح: 2315، ومسلم، ح: 2579، فهذه بعض النصوص الواردة بتحريم الظلم وذمِّ الظالمين.
كما وردت نصوصٌ صحيحةٌ وصريحةٌ تنهى عن فعل الأسباب التي استقر بالعادات والتجارب، أنها جالبةٌ للمرض، أو انتقاله من المصاب إلى السليم، ومن ذلك ما يلي:
1- قوله عليه الصلاة والسلام: « لا يوردنَّ ممرض على مصح » أخرجه البخاري، ح: 5771.
والمراد من نهي النبي ﷺ عن الدنو من المريض على الصحيح ليبين للناس أنَّ هذا من الأسباب التي أجرى الله العادة بأنها تفضي إلى مسبباتها، فأرشد فيه إلى مجانبة ما يحصل الضرر عنده في العادة بفعل الله تعالى وقدره، وإن كان المرض لا يعدي بطبعه، لأنَّ اعتقاد تأثير الأسباب بطبعها من غير إضافة إلى الله هو من اعتقاد الجاهلية، فأبطل النبي ﷺ اعتقادهم ذلك، وأكل مع المجذوم، ليبين لهم: أنَّ الله هو الذي يمرض ويشفي، ففي نهيه إثبات للأسباب بقدر الله تعالى، وفي فعله الأكل مع المجذوم: إشارة إلى أنها لا تستقلُّ بالتأثير، بل الله هو الذي إن شاء سلبها قواها، فلا تؤثر شيئاً وإن شاء أبقى فيها قواها، فأثرت بقدر الله([7])
2- قوله ﷺ :« إذا سمعتم بالطاعون في أرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرضٍ وأنتم بها فلا تخرجوا منها» أخرجه البخاري، ح: 5728، وقد امتثل هذا الأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه وطبقه قولاً وفعلاً حينما عاد بمن معه إلى المدينة، يوم أن سمع بوقوع طاعون عمواس في الشام([8]) وهو رضي الله عنه أفهم الناس بمراد رسول ﷺ .
ووردت نصوصٌ أخرى تأمر الناس بفعل الأسباب الواقية من المرض بإذن الله تعالى، ومن ذلك:
قوله ﷺ « فرَّ من المجذوم فرارك من الأسد» أخرجه الإمام أحمد في المسند، ح: 9429، وقال شعيب الأرنؤوط في تعليقه: صحيح، وهذا إسناد ضعيف، لجهالة الراوي عن أبي هريرة، ولضعف النهاس ” اهـ وأخرجه البيهقي في سننه الكبرى، ح: 13550، وقال: “أخرجه البخاري في الصحيح، فقال: وقال عفان ثنا سليم فذكره” قلت: وذكره الحافظ ابن حجر مستشهداً به في فتح الباري 10 / 159، ولم يذكر في إسناده قدحاً.
فالأمر بالفرار من المجذوم ليس من باب العدوى في شيء، بل هو لأمرٍ طبيعي، وهو انتقال الداء من جسدٍ لجسدٍ بواسطة الملامسة والمخالطة وشم الرائحة، ولذلك يقع في كثيرٍ من الأمراض في العادة: انتقال الداء من المريض إلى الصحيح بكثرة المخالطة، فإنَّ المجذوم تشتد رائحته حتى يسقم من أطال مجالسته ومحادثته ومضاجعته، وهذا يقع كثيراً بالمرأة من الرجل وعكسه، وينزع الولد إليه، ولهذا يأمر الأطباء بترك مخالطة المجذوم، لا على طريق العدوى، بل على طريق التأثر بالرائحة، لأنها تسقم من واظب اشتمامها، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (لا يورد ممرضٌ على مصح) فالعدوى أن يكون ببعير جرب، أو بإنسان برص، أو جذام، أو مرضٌ ثبتت العدوى فيه بالتجربة، فتتقى مخالطته، حذراً أن يعدو ما به إلى السليم، ويصيبه ما أصابه([9]).
وليس هذا من باب العدوى، بل هذا من باب الطب، كما أنَّ أكل ما يعافه الإنسان، واشتمام ما يكره ريحه، والمقام في بلدٍ لا يوافق هواه وطبعه يضرُّ به، وما يوافقه ينفعه بإذن الله “([10])
فإذا كان أمر الشارع ونهيه بفعل تلك الأسباب، أو النهي عن فعلها: وهي أخفُ ضرراً من الإيدز ونحوه من الأمراض المعدية القاتلة، فالنهي عن فعل أسباب ما كان أشدَّ ضرراً من باب أولى.
هذا وقد اختارت المنظمة الإسلامية للعلوم الإسلامية في ندوتها السابعة سنة 1993م القول بحق الزوج السليم أن يمتنع عن الممارسة الجنسية مع زوجه المريض، فجاء في توصيات تلك الندوة ما يلي:
سادسًا: حق المعاشرة الجنسية: إذا كان أحد الزوجين مصاباً بالإيدز فإن لغير المصاب منهما أن يمتنع عن المعاشرة الجنسية، فالاتصال الجنسي هو الطريق الرئيسي لنقل العدوى، أما إذا رضي الزوج السليم بالمعاشرة الجنسية فإن الاحتياط يستوجب استعمال العازل الذكري الذي يقلل من احتمالات العدوى والحمل إذا أحسن استعماله “.
وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم: 82 (13/8) بشأن مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز)، ما يلي:
في حالة إصابة أحد الزوجين بهذا المرض، فإن عليه أن يخبر الآخر، وأن يتعاون معه في إجراءات الوقاية الكافية.
([1]) شرح زاد المستقنع للشنقيطي 7/ 283، والوجيز في أصول الفقه للبورنو 1/12.
([2]) الأشباه والنظائر للإمام تاج الدين عبد الوهاب بن علي ابن عبد الكافي السبكي 2/80، وأصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله، للدكتور عياض بن نامي السلمي، عضو هيئة التدريس بقسم أصول الفقه بكلية الشريعة بالرياض 1/163.
([3]) تحفة الحبيب على شرح الخطيب، لسليمان بن محمد بن عمر البجيرمي الشافعي 3/ 411، نشر : دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، سنة : 1417هـ الطبعة : الأولى، عدد الأجزاء / 5.
([5]) سورة آل عمران: الآية 57.
([7]) فتح الباري 10/160، شرح صحيح مسلم، لأبي زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي7/372، والمفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم 18/100)
([8]) أثر عمر في قصة طاعون عمواس أخرجها البخاري، ح: 5729.
([9]) شرح السنة للحسين بن مسعود البغوي 12/ 171، وفتح الباري 10/160.
([10]) المصدرين السابقين، وشرح السنة، للحسين بن مسعود البغوي 12/ 169.
1. قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في المؤتمر التاسع بأبي ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، من 1- 6 ذي القعدة 1415هـ الموافق 1- 6 نيسان (أبريل) 1995م،(ع 8، ج3 ص 9) (ع 9، ج1 ص 65 القرار رقم 82 (13/8).
2. المؤتمر العالمي الثامن الذي تعقده المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالقاهرة تحت عنوان: ” الدستور الإسلامي للأخلاقيات الطبية والصحية ” 14ديسمبر 2004م – في الفترة من 28شوال – 2ذي القعدة 1425هـ.
3. أثر الأمراض الوراثية على الحياة الزوجية (دراسة فقهية مقارنة) إعداد / منال محمد رمضان هاشم العشي – إشراف فضيلة الدكتور مازن إسماعيل هنية، وقدمت هذه الرسالة استكمالاً لمتطلبات الحصول على درجة الماجستير في الفقه المقارن من كلية الشريعة والقانون في الجامعة الإسلامية غزة 1429 – 2008م.
4. فقه القضايا الطبية المعاصرة ” دراسة فقهية طبية مقارنة “: أ.د. علي محيي الدين القره داغي، أ.د. علي يوسف المحمدي، دار البشائر الإسلامية، بيروت، الطبعة الثانية، 1427هـ.