قسم الأسرةباب النكاح

حق الزوجة في مقدار المعاشرة الجنسية

المسألة رقم 62

العناوين المرادفة

مقدار الوطء الواجب للزوجة.

صورة المسألة

قال الله عز وجل: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ ، ومن أهم مقاصد النكاح استمتاع الزوجين ببعضهما، ومن حُسن العشرة إعفاف الزوج لزوجته، ومن أجل هذا تكلم الفقهاء عن مسائل من هذا الباب كالإيلاء، ومسألة العنّين، وغيبة الزوج عن أهله وغيرها، حتى إنهم لم يدعوا بحث مسألة حكم المعاشرة الجنسية (الوطء) من قبل الزوج ومقدار ما يلزم منه.
وهذه مسألة ليست من مسائل العصر، ولكن لأهميتها وكثرة المغريات التي تستدعي بيان حكمها، وما ظنه البعض من شح ما يسمونه (الثقافة الجنسية) لدى المسلمين كما يزعمون رأينا تناولها ولو بإيجاز.

حكم المسألة

ذهب أكثر الفقهاء إلى وجوب المعاشرة الجنسية على الزوج، لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رَضِيَ الله عَنْهُما: ” إن لزوجك عليك حقاً ” متفق عليه: البخاري (1974)، مسلم (1159)، ولغيره من الأدلة.

فقد ذهب الحنفية والحنابلة إلى أن وطء الرجل زوجته واجب، وهو وجه عند الشافعية.

وأما المالكية فإن الوطء يجب إذا ترك مضارة، وهو رواية عند الحنابلة.

وأما الشافعية ففي المذهب عندهم أن الوطء غير واجب([1]).

 

ثم اختلف الجمهور في مقدار ما يجب من الوطء على أربعة أقوال ([2]):

القول الأول: مقدار الوطء الواجب إنما هو بالمعروف بقدر حاجة المرأة وبحسب قدرة الرجل من غير تقدير بمدة.

وهو قول عند الحنابلة ([3]) اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ([4]).

القول الثاني: مقدار الوطء الواجب كل أربعة أشهر مرة.

وهو مذهب الحنابلة ([5]).

القول الثالث: الواجب مرة كل أربعة أشهر ديانة وأما قضاء فلا يجب إلا مرة واحدة.

وهو مذهب الحنفية ([6]).

القول الرابع: الواجب مرة واحدة ديانةً وقضاءً.

وهو وجه عند الشافعية ([7]).

 

دليل القائلين بأن الواجب ديانةً وقضاءً مرة واحدة:

أن أصل الوطء غير واجب لأنه حق للزوج إن شاء استوفاه وإن شاء تركه، وإنما يجب مرة في العمر من أجل أن يستقر بذلك صداق المرأة ([8]).

 

دليل من قال بالوجوب مرة واحدة قضاء ومرة كل أربعة أشهر ديانة:

أن الغرض من إلزام الزوج بالوطء مرة واحدة هو التأكد من قدرة الزوج على الوطء وانتفاء العنة عنه فلا يفسخ العقد، وبهذا لا يجب قضاءً إلا مرة واحدة وأما ديانة فيجب إعفاف المرأة ويكفي من ذلك مرة كل أربعة أشهر قياساً على الإيلاء ([9]).

دليل القائلين بأن الواجب مرة كل أربعة أشهر:

قوله تعالى: ﴿ لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ۖ فَإِن فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ ([10]).

وجه الاستدلال: أن الوطء لو كان واجباً على الزوج أكثر من مرة في الأربعة الأشهر لم يكن للمولي تركه في تلك المدة ([11]).

 

أدلة القائلين بأن الوطء بالمعروف من غير تقدير:

[ 1 ] قوله تعالى: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ ([12]).

وجه الاستدلال: أن الله تعالى أمر بالمعاشرة بالمعروف من غير تحديد، والوطء داخل في المعاشرة، بل هو من أعظم مقاصدها ([13]).

[ 2 ] قوله تعالى: ﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ ([14]).

وجه الاستدلال: أن الكسوة والنفقة قد وجبت على الزوج بالمعروف من غير تقدير، فيقاس عليها الوطء أن يكون الواجب منه بالمعروف بحسب حاجة المرأة وقدرة الرجل ([15]).

ومما ينبغي التنبيه عليه في العصر الحاضر أن الفقهاء وإن اختلفوا في أصل وجوب تلك المعاشرة لكنهم نصّوا على الوطء، وليس مغنى من لم يوجب أنه يتساهل في إعفاف الزوج لزوجته، إذ الإعفاف لا يقتصر على الوطء فقط، مع أننا نؤكد في هذا العصر الذي طغت فيه المغريات وشاعت فيه الفتن أن الزوج لا يغفل عن هذا الجانب، فكم تهدمت من بيوت بسبب هذه الغفلة والإهمال.


([1]) بدائع الصنائع (3/1545)، فتح القدير (3/435)، الإنصاف (8/354)، منتهـى الإرادات (2/228)، روضة الطالبين (7/196)، فتح الباري (9/210)، الكافي لابن عبد البر ص (282)، البهجة شرح التحفة (1/327).

([2]) كلام الفقهاء في الوجوب ومقدار الواجب من أجل الحكم القضائي الذي تملك الزوجة المطالبة به.

([3] ) الفروع (5/321)، الإنصاف (8/354).

([4]) الفتاوى (29/174)، (32/271)، الإنصاف (8/354)، روضة المحبين ص (217).

([5] ) المغني (10/240)، الإنصاف (8/354)، منتهى الإرادات (2/228).

([6]) فتح القدير (3/435)، حاشية ابن عابدين (3/213، 214). ومعنى ( ديانة ) : أي فيما بينه وبين الله تعالى، بحيث يأثم لو لم يجامعها، ومعنى ( قضاء ) : أي يُلزمه الحاكم بذلك.

([7]) روضة الطالبين (5/528).

([8] ) روضة الطالبين (5/528).

([9] ) حاشية ابن عابدين (3/214).

([10] ) سورة البقرة: آية (226).

([11] ) المغني (10/240)، كشاف القناع (5/192).

([12] ) سورة النساء: آية (19).

([13] ) الفتاوى (29/174)، (34/86)، روضة المحبين ص (216).

([14] ) سورة البقرة: آية (233).

([15] ) الفتاوى (34/85).

المراجع

1. اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية، من كتاب العارية إلى نهاية كتاب النكاح – دراسة مقارنة، أ.د فهد بن عبد الرحمن اليحيى، الناشر: دار كنوز إشبيليا، وقد استقينا صياغة المسألة منه.
2. أثر العرف في كتاب النكاح: بحث تكميلي مقدم لنيل درجة الماجستير في الفقه المقارن للطالب عبد الله بن عبد الرحمن الحمدان جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية المعهد العالي للقضاء.
3. المفصل في أحكام المرأة للدكتور عبد الكريم زيدان.

مسائل ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى