قسم الجنايات والقضاء والعلاقات الدوليةباب العقوبات

جريمة التهريب الجمركي

مسألة رقم 291

العناوين المرادفة

1. المخالفات الجمركية.
2. التهرب من الضرائب الحكومية.
3. الضرائب المأخوذة على البضائع.
4. التهرب من دفع الجمارك والضرائب.

صورة المسألة

التهريب الجمركي: هو إدخال البضائع أو إخراجها من البلاد بصورة مخالفة للتشريعات المنظمة لنظام الضرائب الجمركية كلياً أو جزئياً، أو خلافاً لأحكام المنع أو التقييد الواردة في هذا النظام.
ويظهر بعد بيان مفهومه أنه يقع على صورتين؛ لأنه إما أن يكون باستيراد أو تصدير السلع الممنوعة من الجهات الحكومية المختصة، أو بتهريب السلع المستوردة دون أداء الضريبية الجمركية كليا أو جزئيا.
وسوف يُخَص الحديث في هذه المسألة عن الصورة الثانية من التهريب، وهي تهريب البضائع دون دفع الضرائب الجمركية المفروضة على السلع المستوردة، ويكون الحديث في الصورة الثانية في المسألة التالية.
وتسعى الكثير من الدول إلى سن الضرائب على الطبقة الغنية أو بعض الشرائح … مقابل تأمين بعض الخدمات العامة من الأمن والتعليم والصحة … أو صرفها للفئات المعوزة من أبناء المجتمع لتحقيق التوازن بين أفراده…
ويمكن تلخيص الأهداف العامة لأخذ الضرائب من بعض الشرائح فيما يلي:
1. المساهمة في تأمين بعض الخدمات للطبقات ذوي الدخل المحدود من أفراد المجتمع لتحقيق التوازن بين الفئات المختلفة بتلبية الحاجات والرغبات الأساسية للفرد.
2. سد عجز الموازنة العامة للدولة بفرض الضرائب على بعض الفئات والخدمات العامة.
3. دعم الاقتصاد الوطني بتوفير السيولة اللازمة لتحقيق مشاريع الدولة واستثماراتها…
والسؤال المطروح: هل يجوز للدولة أخذ الضرائب من التجار في السلع المستوردة بحيث يجب عليهم السمع والطاعة وتجوز معاقبة المخالفين بالعقوبات التعزيرية المشروعة؟

حكم المسألة

اختلف المعاصرون في حكم دفع الضرائب الجمركية التي تفرضها الجهات الحكومية المختصة، والخلاف في ذلك على اتجاهين:

الاتجاه الأول: يجوز لولي الأمر أن يفرض الضرائب على السلع المستوردة، ويلزم دفعها لجهات الاختصاص، ويستحق من يخالف في ذلك العقوبة التعزيرية، وهذا ما أفتي به الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف بالإمارات المتحدة، ودار الإفتاء المصرية: إلا أنهم قيدوه بعجز الموازنة العامة، وأن يفرض على القادرين من الأثرياء ورجال الأعمال.

الاتجاه الثاني: لا يجوز لولي الأمر أن يفرض الضرائب على البضائع المستوردة، وأنها من قبيل المكوس، وهذا ما أفتى به دار الإفتاء بالمملكة العربية السعودية، وناصر الدين الألباني، ومحمد بن صالح العثيمين، إلا أنهم قالوا: بوجوب طاعة ولي الأمر إذا ألزم بدفعها.

استدل أصحاب الاتجاه الأول (القائلون بجواز سن الضرائب على البضائع) بجملة من الأدلة، من أبرزها:

  1. قوله تعالى (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ) ]البقرة: 177[ فدلت الآية على أن في المال حقا سوى الزكاة يصرف في وجوه البر، والضرائب المأخوذة من الأفراد أو المؤسسات تصرفها الدولة في المصالح العامة.
  2. أن عمر بن الخطاب – رضي الله تعالى عنه – كان يأخذ الخراج ممن بيده الأراضي الخراجية سواء كان مسلما أو كافرا صغيرا أو كبيرا؛ فدل ذلك على مشروعية أخذ الضرائب من الطبقات المنتجة.
  3. اتفاق الفقهاء – رحمهم الله تعالى – على أن للسلطان أن يوظف على الأغنياء ما يرعى المصلحة العامة إذا خلا بيت المال عن الوفاء به، كما في التوظيف على الأغنياء مقدار كفاية الجند، والضرائب المأخوذة من الأغنياء في معناه.
  4. أن تأمين مصلحة الجماعة عسكريا واقتصاديا واجتماعيا… واجب على الدولة، وأداء هذا الواجب يتطلب ما لا يتسع للخزانة العامة، فيكون فرضها على القادرين من الأغنياء ضرورة أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
  5. أن أخذ الضرائب من الأغنياء لسد الحاجات العامة للدولة من قبيل تحمل الضرر الخاص لتحقيق المصلحة العامة، ومن ثم فهو يتأيد بالقاعدة الفقهية المقررة: “أن الضرر الخاص يتحمل لدفع ضرر عام”
  6. أن مسؤوليات الدولة قد تشعبت، وكثرت مهامها واتسعت … وترتب على ذلك كله عجز الإيرادات في كثير من البلاد عن الوفاء بالموازنة العامة؛ فأصبح لزاما على الدولة توفيرها من طبقة المستثمرين ورجال الأعمال.
  7. أن هذه الضرائب في مقابلة خدمات والتزامات تقوم به الدولة لصالح الجميع لتحقيق التوازن بين الطبقات الاجتماعية رعاية للمصلحة العامة، وهذا معتبر في الشريعة من حيث الجملة.

استدل أصحاب الاتجاه الثاني (القائلون بمنع الضرائب الجمركية) بجملة من الأدلة، من أبرزها:

  1. قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ) [النساء: 29[.

وجه الدلالة: أن أخذ الضرائب من الرعايا يعد نوعا من أكل أموال الناس بالباطل باعتبار أنه أخذٌ بغير وجه حق، ودون رضا صاحبه؛ فيكون داخلا في عموم الآية.

  1. قول النبي –ﷺ– في الغامدية: (لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له) ]أخرجه مسلم برقم: (1688) 3/1316[.
  2. وقوله -ﷺ-: (لا يدخل الجنة صاحب مكس) ]أخرجه أبو داود برقم: (2937) 3/132[.

وجه الدلالة من الحديثين: أن المكس هو الضريبة التي يأخذها الماكس (العشّار)، ومن ثم فهو يصدق على الضرائب المفروضة من الدول على رعاياها؛ فيشمله الوعيد الوارد في الحديثين.

  1. قوله -ﷺ-: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ….) ]أخرجه البخاري برقم: ( 1739) 2/176، ومسلم برقم:( 1679) 3/1306[.

وجه الدلالة: أن الحديث يدل على تحريم الأموال، وأخذٌها على سبيل الضريبة من المسلمين أخذ بغير وجه حق؛ فكان ذلك اعتداء على حرمة مال المسلم.

  1. قوله-ﷺ-: (لا ضرر ولا ضرار) [أخرجه مالك برقم: (31) 2/745، وابن ماجه برقم: (2341) 2/784، والحاكم برقم: (2345) 2/66، وصححه على شرط مسلم].

وجه الدلالة: أن في أخذ الضرائب من الرعايا إضرارٌ بأصحاب الأموال، واعتداء على حرمتها بغير وجه حق؛ والضرر منفي في الشريعة سواء كان ابتداء أو مقابلة.

  1. ولأن الوالي منصوب لحماية الدين، ورعاية مصالح المسلمين، وتصرفه في الرعية منوط بالمصلحة، وأخذ الضرائب من الرعايا أخذ للمال بغير وجه حق، ومن ثم يكون من قبيل الاعتداء المحرم.
  2. ولأن أخذ الضرائب قد يكون ذريعة لاستغلال الرعية، فكان محرما حسما للمادة.

ونكتة المسألة: أن الضرائب هل هي من قبيل المكوس باعتبار أنها أخذت على جهة الجباية بغير وجه حق؛ فيصدق عليها مسمى المكوس، والاعتداء على الأموال، وأكلها بالباطل… أم أنها أخِذت من الحاكم بحقٍّ بناء على وجوب مساندته في رعاية المصالح العامة؛ ومن ثم فهي من باب التعاون على البر والتقوى، والتوظيف على الأغنياء لدفع ضرر عام إلى آخر ما ذكروه من التعليلات؟

المراجع

1. دار الإفتاء المصرية (www.dar-alifta.org) فتوى رقم: (3645).
2. الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، (www.alifta.net) فتوى رقم: (4012) وفتوى: (42563).
3. النظم الضريبية ليونس أحمد البطريق، الدار الجامعية، الإسكندرية 2001 م.
4. نوازل الجرائم المالية- دراسة فقهية، لأحمد بن محمد المهيزع، رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه في قسم الفقه، كلية الشريعة، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
5. الهيئة العامة للشؤون الإسلامية (www.awqaf.gov.ae) فتوى رقم: (89042).

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى