• تصرفات ناقص الإدراك.
• تصرفات ناقص الأهلية.
• آثار الأمراض النفسية.
المرض النفسي: اضطراب يظهر بشكل أعراض انفعالية ومعرفية وجسدية مختلفة، مجتمعة أو متفرقة، ينتج عنه تدهور في جوانب متعددة في حياة الإنسان، بسبب تداخل عوامل عضوية ووراثية واجتماعية وأسرية، مع تفاوت تأثير كل عامل منها بين مريض وآخر.
والتصرفات: كل ما يصدر عن الإنسان من أقوال وأفعال مما يترتب عليه حكم، ولا يخلو واحد من هذه التصرفات من الاندراج تحت أحد الأنواع التالية:
– تصرفات مالية، كالبيع والشراء.
– الجنايات والإتلافات، ويدخل تحتها كل اعتداء على بدن الغير أو حقه.
– موجبات الحدود والتعزير، كالسرقة والزنا، وشرب الخمر.
– وأخيراً ما يترتب عليه أثر من الألفاظ، كالإقرار والشهادة والطلاق.
إن جميع التصرفات التي تصدر من الإنسان تنقسم إلى قسمين من حيث ترتب الأثر عليها:
القسم الأول: أفعال لا يشترط في فاعلها العقل، بل يرتبط فيها الأثر بمجرد الفعل، كالإتلافات والجنايات، فلو أتلف المجنون أو الصغير مالاً للغير فإنه يضمن.
القسم الثاني: أفعال يشترط في فاعلها العقل والإدراك لترتب آثارها عليها، ومنها جميع العقود والتصرفات المالية.
فالقسم الأول: يكتفى فيه بأهلية الوجوب لضمان نتائجها، وهذه الأهلية تثبت للإنسان بمجرد وجوده في هذه الحياة.
والقسم الثاني: يشترط في الفاعل أهلية الأداء، وتحصل هذه الأهلية للإنسان بالتكليف -العقل والبلوغ- مع قصد التصرف وإرادته.
وجميع الأمراض النفسية إذا نظرنا إليها بقصد ملاحظة الأثر الشرعي لتصرفات المصابين بها فيمكننا أن نجعلها في ثلاثة أقسام:
الأول: الاختلالات المزيلة للإدراك، أو المؤثرة فيه، وتشمل كل مرض يؤدي إلى إنعدام الإدراك والتمييز لدى المصاب كلياً أو جزئياً.
فهذه الأمراض التي تؤدي إلى زوال أو ضعف الإدراك حكم المصاب بها حكم المجنون، وكذلك لو كان إدراكه يزول أو يضعف في حال دون حال، فيعامل في حال زوال الإدراك أو ضعفه معاملة المجنون، ومعاملة الصاحي في حال وجود الإدراك.
الثاني: الاختلالات المؤثرة في الإرادة مع سلامة الإدراك والتمييز، وهذا شأن كثير من الأمراض النفسية، فالمريض لا يستطيع التحكم في سلوكه وأفكاره رغم علمه بأن ما يقوم به من قول أو عمل مغاير للمنطق وسخيف في مدلوله.
ومتى ثبت تأثر الإرادة بالمرض حتى يتعسر عليه التفكير فإن تصرفه القولي لا يقع موجبه إذا كان في وقت نقص إرادته.
الثالث: الاختلالات المؤثرة في السلوك والتصرفات دون العقل والإرادة، كاضطراب الشخصية، والانحرافات الجنسية.
فالمصاب بها سليم الإدراك والتمييز، ويتحكم في إرادته، إلا أنه يستمتع بممارسات خاطئة يحتاج إلى تكرارها، ويصعب عليه الانفكاك عنها، فحكمه أنه مؤاخذ بتصرفاته؛ لكمال أهليته.
قال ابن تيمية – رحمه الله –: “وأمَّا كون الإنسان مريداً لما أمر به أو كارها فهذا لا تلتفت إليه الشرائع، بل الإنسان مأمور بمخالفة هواه”.
وقال في مملوك قتل نفسه: “لم يكن له أن يقتل نفسه وإن كان سيده قد ظلمه واعتدى عليه، بل كان عليه إذا لم يمكنه رفع الظلم عن نفسه أن يصبر إلى أن يفرج الله”.
أثر تصرفات المريض النفسي:
أولاً: أثر ألفاظ المريض النفسي:
العقل والإرادة هما أساس التكليف، فإذا تحقق وجودهما في الشخص ترتب أثر تصرفاته عليه، وألزم بموجبه.
وفي المقابل من فات عليه عقله أو إرادته بحيث لم يكن عنده عقل يميز به الأمور الحسنة والقبيحة، ويتمكن من الاستدلال والفهم، أو لم تكن له إرادة يتمكن بها من الفعل والترك، فإن ألفاظه لا يؤاخذ بها ولا يلزم بموجبها؛ لفوات أهليته.
ويستدل لذلك بما يلي:
- حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال: «لا طلاق ولا عتاق في إغلاق». [أحمد في مسنده، رقم 6/276، وأبو داود، رقم (2193) ، وابن ماجه، رقم (2046) قال عنه الحاكم في مستدركه 2/216: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وحسنه الألباني في الإرواء 7/113].
والإغلاق: بمعنى الحبس والإقفال والتضييق، والمراد به: انسداد باب القصد فيضيق صدره، ويتعسر عليه تفكيره، ويقفل عنه باب الإرادة، لذا هو غير مؤاخذ بما تلفظ به.
- قول النبي ﷺ: «رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يفيق أو يعقل». [أبو داود، رقم (4398) والترمذي، رقم (14239 وقال عنه: حسن غريب من هذا الوجه، والنسائي، رقم (3462) ،].
فدلالة الحديث ظاهرة في عدم مؤاخذة المجنون فيما يقول؛ لرفع القلم عنه، والمريض النفسي الذي أغلق المرض عليه عقله وإدراكه في معنى المجنون؛ فلا يؤاخذ بأقواله.
ثانياً: أثر إتلافه وجنايته:
كل من اتصف بالعقل والإدراك لزمه موجب إتلافه وجنايته، فيضمن ما أتلفه مالياً، ويلزمه القصاص في جنايته الموجبة له، أمَّا من كان لديه نقص في إدراكه فإنه يضمن مالياً ولا يلزمه القصاص بل تكون جنايته من قبيل الخطأ.
والدليل على ذلك ما يلي:
1- حديث: «رفع القلم عن ثلاثة: …. وعن المجنون حتى يفيق أو يعقل».
فلا معنى لرفع القلم عنه إلا عدم مؤاخذته، وإذا كان المجنون لا يؤاخذ؛ لعدم أهليته للعقوبة، فكذلك المريض النفسي فاقد الإدراك؛ لأنه في معناه.
2- ولأن القصاص عقوبة مغلظة، والعقوبات يشترط لوجوب استيفائها تكليف مرتكبها، والمريض النفسي إذا كان فاقد الإدراك فهو في حكم المجنون، والمجنون لا يقتص منه، بخلاف الضمان فيجب؛ لتعلقه بالمال لا بالبدن.
ثالثاً: أثر تصرفاته المالية:
من كان زائل الإدراك والعقل فإنه لا ينفذ تصرفه المالي ويجب إقامة ولي له يتولى شؤونه المالية.
ومن نقص إدراكه أو ضعفت إرادته فهو كالسفيه يحجر عليه ويمنع من التصرف في ماله، ولا ينفذ تصرفه المالي إلا ما كان فيه صلاح له فقط.
والدليل على ذلك ما يلي:
1- قول الله تعالى: ﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا ﴾ [النساء:5]، وقوله: ﴿ وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ﴾[النساء:6]
2- حديث: رفع القلم عن ثلاثة وذكر منهم «المجنون حتى يفيق».
فرفع القلم عن المجنون دليل على عدم الاعتداد بتصرفاته، والمريض النفسي إذا زال إدراكه أو ضعف في معنى المجنون فلا ينفذ تصرفه.
3- أن أهلية المتصرف شرط لانعقاد التصرف، والمريض النفسي زائل الإدراك، فاقد الأهلية فلا ينفذ تصرفه.
رابعاً: أثر ارتكابه ما يوجب حدا أو تعزيرا:
بعض المعاصي الموجبة للعقوبة الحدية أو التعزيرية تصنف عند أطباء النفس ضمن الاضطرابات النفسية؛ كالمثلية الجنسية والبصبصة والتعري…، فبعض الأطباء النفسيين ينظرون إلى من يرتكب هذه الانحرافات الجنسية على أنه مريض يستحق العطف والشفقة لا العقوبة وإقامة الحد؛ لأنها مصنفة عندهم على أنها أمراض، والمريض يعالج ولا يعاقب.
فما حكم الشرع فيمن ارتكب شيئاً من هذه الانحرافات؟
تطبق في حقه العقوبة سواء أكانت عقوبة حدية أم تعزيرية شريطة أن يكون أهلاً لإقامة الحد والتعزير عليه، بأن لا تؤثر هذه الاضطرابات النفسية على إدراكه، وكونه مكلفاً عالماً بالتحريم مختاراً غير مكره.
والدليل على ذلك:
- أن الله – سبحانه – أخذ قوم لوط بالعذاب بما أقدموا عليه من فسق جنسي شاذ ولم ينف أهليتهم للعذاب تسلط غلمتهم على إرادتهم.
- قول النبي عليه الصلاة والسلام فيمن عمل عمل قوم لوط ﷺ : «اقتلوا الفاعل والمفعول فيه» [أحمد في مسنده، رقم (2732) وأبو داود، برقم (4462)، والترمذي، برقم (1456) ، وابن ماجه، برقم (2561) قال عنه الحاكم في مستدركه 4/455: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وضعفه الألباني في الإرواء 8/22].
- وقوله عليه الصلاة والسلام فيمن أتى ذات محرم منه: «من وقع على ذات محرم فاقتلوه» [الترمذي، رقم (1462) ، وابن ماجه في سننه رقم (2524)] وجاء في رواية ابن ماجه «…. ومن وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة».
فهذه الأخبار مجتمعة دلت على تغليظ العقوبة على من أتى سلوكاً جنسياً شاذاً.
– آثار تصرفات المرضى النفسيين، هاني عبد الله الجبير، على موقع الإسلام اليوم. www.islamtoday.net
– أحكام المريض النفسي في الفقه الإسلامي، د. خلود عبد الرحمن المهيزع، دار الصميعي، ط1، 1434هـ.
– النفس أسرارها وأمراضها، د. محمود حمودة، ط3، 1990م.
– أثر المرض النفسي في العقوبة، دراسة فقهية مقارنة، د. عواطف ناصر الخريصي 1423هـ. رسالة ماجستير غير مطبوعة.
– الإثبات بالخبرة، عبد الناصر شينور، دار النفائس، ط1، 1425هـ.
– التشريع الجنائي الإسلامي، عبد القادر عودة، مؤسسة الرسالة، ط14، 1421هـ.
– الطب النفسي المعاصر، د. أحمد عكاشة، مكتبة الأنجلو المصرية.
– عوارض الأهلية، حسين خلف الجبوري، جامعة أم القرى، ط1، 1408هـ.
– موقع الإسلام سؤال وجواب، فتوى رقم [132519] بعنوان: حقيقة مرض الفصام وهل يرفع التكليف عن صاحبه.
– موقع إسلام ويب، مركز الفتوى، فتوى رقم [267889] بعنوان: المريض النفسي بين أهلية التكليف وعدمها. fatw.islamweb.net