1. التحكم بجنس الجنين.
2. اختيار جنس الجنين.
تحديد جنس الجنين والتحكم به يعني تدخل الطبيب لأن يكون المولود ذكراً أو أنثى، تحقيقاً لرغبة الزوجين، وذلك تبعاً لاكتشاف الاختلاف بين الحيوان المنوي المفضي للذكورة والحيوان المنوي المفضي للأنوثة في طائفة من الصفات كالكتلة، والسرعة، والقدرة على اختراق المخاط اللزج في عنق الرحم، والاستجابة للتفاعل الكيميائي لمخاط عنق الرحم وغير ذلك.
فهل يجوز التدخل لمعرفة جنس الجنين والتحكم فيه؟!
اختلف الفقهاء المعاصرون في حكم اختيار جنس الجنين على قولين، فمنهم من حرم اختيار جنس الجنين، ومنهم من أجازه.
فالذين حرموا هذه المسألة قالوا: إن هذه القضية تتعلق بالعقيدة، فهبة الله من الإناث والذكور من جملة تصرفه في ملكه، ولأنها تغيير لخلق الله بمعنى أننا نتدخل في الخلق الإلهي فنصرفه عن وجهته، وإذا كان الإسلام قد منع المرأة من أن تغير خلق الله، بإزالة الحواجب ونمصها، فمنعها من اختيار جنس الجنين أولى.
ولما يترتب عليه تفضيل جنس على جنس، والله سبحانه وتعالى يقول: ” لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً “([1])
ولاشك أن هذا لحكمة عظيمة جليلة، تحقق التوازن والتعادل الذي جعله الله في كل شيء حتى في الجماد، والله تبارك وتعالى قد أوجد هذا التوازن وهو مراد له لأن فيه الحكمة الإلهية، واختيار جنس الجنين سوف يغير التركيبة البشرية، ويخل بهذا التوازن، وسوف يكون سبباً في محو المرأة اجتماعياً وكيانياً فيكون مناقضاً لمقاصد الإسلام.
وكذلك فإن الله تبارك وتعالى مضت سنته أن يكون بعض البشر ذريته ذكور، وبعضهم ذريته إناث، وآخرون من ذريتهم الذكور والإناث، وبعض البشر يخلقه الله عقيماً، كما في الآية السابقة.
ومن الفقهاء المعاصرين من أجاز تحديد جنس الجنين وقالوا: إن مسألة اختيار جنس الجنين لا تعارض الأدلة، ولا تمس الناحية العقدية، لأنها لا تعدو أن تكون أخذاً بالأسباب، ونحن مأمورون بالأخذ بالأسباب، فنحن نأخذ بالسبب وندع ما وراءه لمسبب الأسباب، فالمشيئة العليا لله سبحانه وتعالى، كما أنها لا تدخل في باب تغيير خلق الله، لأن الحيوان المنوي هو الحيوان المنوي، والبييضة هي البييضة، وأن التدخل لا يكون إلا في تلقيح البييضة بنوع من الحيوان المنوي وهما خلق الله.
وقد جمعت توصية ندوة الإنجاب في ضوء الإسلام الاتجاهين السابقين فنصت على ما يلي: ” اتفقت وجهة النظر الشرعية على عدم جواز التحكم في جنس الجنين إذا كان ذلك على مستوى الأمة، أما على المستوى الفردي فإن محاولة تحقيق رغبة الزوجين المشروعة في أن يكون الجنين ذكراً أو أنثى بالوسائل الطبية المتاحة لا مانع منه شرعاً عند بعض الفقهاء المشاركين في الندوة، في حين رأى غيرهم عدم جوازه خشية أن يؤدي ذلك إلى طغيان جنس على جنس، مع ملاحظة أن الذين أجازوا اشترطوا أن يأخذ الأطباء بأقصى ما يمكن من الاحتياط.
ولذا رأى المجلس الأوروبي للإفتاء ما يلي:
1- أن عملية اختيار جنس الجنين بواسطة أطفال الأنابيب للقادر على الإنجاب من غير هذه الوسيلة لا تجوز، وفي البنات ما يغني عن البنين.
2- من لا يقدر على الإنجاب إلا من خلال عملية أطفال الأنابيب لا بأس في حقه من عملية اختيار جنس الجنين.
3- وهناك أساليب أخرى لاختيار جنس الجنين تتحدث عنها الأوساط الطبية، ولا تترتب عليها محاذير شرعية، فلا بأس بها، كالنظام الغذائي، والغسول الكيميائي، وتوقيت الجماع، وتناول بعض الأطعمة.
4- اختيار جنس الجنين تفاديًا لأمراض وراثية تصيب الذكور دون الإناث أو العكس، فيجوز عندئذٍ التدخل من أجل الضرورة العلاجية، مع مراعاة الضوابط الشرعية المقررة، وعلى أن يكون ذلك بقرار من لجنة طبية لا يقل عدد أعضائها عن ثلاثة من الأطباء العدول، تقدم تقريرًا طبيًّا بالإجماع، يؤكد أن حالة المريضة تستدعي هذا التدخل الطبي خوفاً على صحة الجنين من المرض الوراثي.” اهـ
وفي الفتوى رقم(931) لمجلس الإفتاء جاء المنع أيضا:
تحديد جنس الجنين بالوسائل الطبية المعاصرة من المسائل النوازل التي اجتهد فيها الفقهاء المعاصرون، وكان لمجلس الإفتاء فيها اجتهاد أيضاً كما في القرار رقم (120)، حيث رأى فيه حرمة هذا النوع من العمليات، “لأن الأصل في المسلم أن يرضى بقضاء الله وقدره، والرضا بما يرزقه الله من ولد، ذكراً كان أو أنثى، ولما فيه من المحاذير الشرعية، كفتح الباب أمام العبث العلمي بالإنسان، واختلال التوازن بين الجنسين، والتعرض لاختلاط الأنساب، وكشف العورات”ـ
وقد قرر مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته التاسعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة في نوفمبر 2007م، منع التدخل الطبي إلا في حال وجود أمراض وراثية، تصيب أحد الجنسين فيُطلب حينئذ إنجاب الجنس الآخر، وإليك نص القرار:
أن الأصل في المسلم التسليمُ بقضاءِ الله وقدره، والرضى بما يرزقه الله، من ولد ذكراً كان أو أنثى، ويحمد الله تعالى على ذلك، فالخيرة فيما يختاره الباري جل وعلا، ولقد جاء في القرآن الكريم ذمُ فعلِ أهلِ الجاهلية من عدم التسليم والرضى بالمولود إذا كان أنثى قال تعالى: ﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ ([2])، ولا بأس أن يرغب المرء في الولد ذكراً كان أو أنثى، بدليل أن القرآنَ الكريم أشار إلى دعاء بعض الأنبياء بأن يرزقهم الولدَ الذكرَ، وعلى ضوء ذلك قرر المجمع ما يلي:
أولاً: يجوز اختيارُ جنس الجنين بالطرق الطبيعية، كالنظام الغذائي، والغسول الكيميائي، وتوقيت الجماع بتحري وقت الإباضة، لكونها أسباباً مباحة لا محذور فيها.
ثانياً: لا يجوز أيُ تدخل طبي لاختيار جنس الجنين، إلا في حال الضرورة العلاجية في الأمراض الوراثية، التي تصيب الذكورَ دون الإناث، أو بالعكس، فيجوز حينئذٍ التدخل، بالضوابط الشرعية المقررة، على أن يكون ذلك بقرار من لجنة طبية مختصة، لا يقل عدد أعضائها عن ثلاثة من الأطباء العدول، تقدم تقريراً طبياً بالإجماع يؤكد أن حالة المريضة تستدعي أن يكون هناك تدخل طبي حتى لا يصاب الجنين بالمرض الوراثي، ومن ثم يُعرض هذا التقريرُ على جهةِ الإفتاء المختصة لإصدار ما تراه في ذلك.
ثالثاً: ضرورة إيجاد جهات للرقابة المباشرة والدقيقة على المستشفياتِ والمراكزِ الطبية، التي تمارس مثلَ هذه العملياتِ في الدول الإسلامية، لتمنعَ أيَ مخالفة لمضمون هذا القرار، وعلى الجهات المختصة في الدول الإسلامية إصدارُ الأنظمةِ والتعليمات في ذلك.”
فالمجمع الفقهي يذهب إلى عدم جواز التدخل الطبي لتحديد نوع الجنين إلا في حال الضرورة العلاجية في الأمراض الوراثية.
1. مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته التاسعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة، نوفمبر 2007م، منع التدخل الطبي إلا في حال وجود أمراض وراثية، تصيب أحد الجنسين فيُطلب حينئذ انتخاب الجنس الآخر.
2. الندوة الأولى للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، عنوانهــا: الإنجاب في ضوء الإسلام، الكويت، شعبان 1403 هـ، مايو 1983م.
3. فتاوى الأزهر (10 / 52) في الهندسة الوراثية، المفتي / عطية صقر، مايو 1997م.
4. أحكام الحمل في الشريعة الإسلامية “دراسة فقهية مقارنة مع قانون الأحوال الشخصية”، دكتور/ خالد محمد صالح، دار الكتب القانونية، القاهرة.
5. المسائل الطبية المستجدة في ضوء الشريعة الإسلامية، للدكتور محمد بن عبد الجواد حجازي النتشة، من إصدارات مجلة الحكمة، ليدز بريطانيا، الطبعة الأولى 1422هـ – 2001م.
6. تحديد جنس الجنين، الباحث / أيوب سعيد زين العطيف، ماجستير أصول الفقه، الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة” بحث مقدم لمؤتمر الفقه الإسلامي الثاني، جامعة الإمام، ربيع ثان 1431 هـ “.
7. حكم تحديد جنس الجنين في الشريعة الإسلامية: أ.د. ناصر عبد الله الميمان، أستاذ الدراسات العليا الشرعية، جامعة أم القرى،” بحث مقدم لمؤتمر الفقه الإسلامي الثاني، جامعة الإمام، ربيع ثان 1431 هـ “.
8. اختيار جنس الجنين ” وسائل التحكم في جنس الجنين ومدى نجاحها وحكمها الشرعي “: د. محمد بن علي البار، (الدورة الثامنة عشر لمجمع الفقه الإسلامي المنعقد بمكة المكرمة 1427هـ.
9. فقه القضايا الطبية المعاصرة ” دراسة فقهية طبية مقارنة “: أ.د. علي محيي الدين القره داغي، أ.د. علي يوسف المحمدي، دار البشائر الإسلامية، بيروت، الطبعة الثانية، 1427هـ.
10. أحكام الجنين في الفقه الإسلامي: عمر بن محمد بن إبراهيم غانم – دار الأندلس الخضراء، جدة، دار ابن حزم، بيروت – الطبعة الأولى، 1421 هـ.
11. اختيار جنس الجنين، دراسة فقهية طبية: عبد الرشيد قاسم – دار البيان الحديثة، الطائف – الطبعة الأولى، 1422 هـ.
12. الإنجاب في ضوء الإسلام (ثبت كامل لأعمال ندوة الإنجاب في ضوء الإسلام المنعقدة بتاريخ 11 شعبان 1403هـ – إشراف و تقديم عبد الرحمن عبد الله العوضي – من مطبوعات منظمة الطب الإسلامي – الطبعة الثانية 1991م.