قسم الأسرةباب النكاح

تحديد جنس الجنين بالتقنيات الصناعية

المسألة رقم 51

العناوين المرادفة

اختيار جنس الجنين بالتقنيات الصناعية.

صورة المسألة

أصبح بإمكان الوسائل الطبية الحديثة اختيار جنس الجنين عن طريق فصل الحيوانات المنوية المذكرة عن الحيوانات المنوية المؤنثة، وتلقيح البييضة بالحيوان المختار، كما ظهرت تقنية التشخيص الوراثي للقيحة من أجل زراعتها في الرحم إذا كانت من الجنس المرغوب، وأخيراً ادعى البعض التوصل إلى إمكانية تغيير جنس الجنين في المراحل الأول من الحمل عن طريق الحقن بالهرمونات، أو التحكم في الجين الوراثي، وإضافة إلى مخاطر التشوه فقد ثبت علمياً أن هذه التقنية لا تغير التكوين الداخلي للجنين، وإنما يقتصر تأثيرها على المظهر الخارجي فقط.

حكم المسألة

يختلف الحكم الشرعي لتحديد (اختيار) جنس الجنين بالتقنيات الصناعية تبعا لاختلاف الأسباب التي أدت إلى التحديد، على النحو الآتي:

أولا – التحديد الطبي:

إذا كان سبب اختيار جنس المولود (الجنين) هو تفادي بعض الأمراض الوراثية، فهذا النوع من التحديد والاختيار المعروف بالتحديد الطبي يُعدُّ من الضروريات، ويندرج في إطار التداوي المأمور به شرعاً.

ومن هذا المنطلق فقد اتفق القائلون بجواز التلقيح الصناعي في الجملة على جواز هذا النوع من العلاج، عند تحقق الضرورة أو الحاجة الداعية إليه.

جاء في قرار المجمع الفقهي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي أنه: “لا يجوز أي تدخل طبي لاختيار جنس الجنين، إلا في حال الضرورة العلاجية في الأمراض الوراثية، التي تصيب الذكور دون الإناث، أو بالعكس، فيجوز حينئذٍ التدخل، بالضوابط الشرعية المقررة”.

ومن أدلة الجواز ما يأتي:

الدليل الأول: تخريج هذه العملية على عملية التلقيح الصناعي بهدف الإنجاب، والذي ذهب أكثر المعاصرين إلى جوازه، وفق الضوابط والشروط المقررة، لأن الحاجة إلى سلامة الذرية من التشوهات والأمراض الوراثية لا تقل عن الحاجة إلى الإنجاب.

الدليل الثاني: أن من الأصول العامة للشريعة جلب المصالح ودرء المفاسد، وكذلك من القواعد الفقهية الكلية (المشقة تجلب التيسير)، وإنجاب مولود مشوه أو مصاب بأمراض وراثية مزمنة يدخل الأسرة في مشقة عظيمة، فيكون ذلك سبباً للتخفيف بجواز اختيار جنس الجنين.

شروط الجواز:

وقد اشترط الفقهاء المعاصرون شروطاً لجواز اختيار جنس الجنين تفادياً لمخاطر التشوهات والأمراض الوراثية المرتبطة بجنس معين (ذكور أو إناث)، ومن تلك الشروط التي وردت الإشارة إليها في قرار المجمع الفقهي ما يلي:

  1. الأمن من اختلاط الأنساب.
  2. خطورة التشوه أو المرض الوراثي المتوقع.
  3. أن يقرر المختصون أن اختيار جنس الجنين هو الوسيلة الوحيدة لتجنب الإصابة.

 

ثانياً – تحديد الجنس الاجتماعي:

إذا كان تحديد جنس الجنين ليس بدافع طبي، وإنما هو لمجرد اختيار الجنس المرغوب فيه (ذكور أو إناث) وهو ما يعرف بـ (تحديد الجنس الاجتماعي) فلا يخلو من أن يكون على مستوى المجتمعات أو على مستوى الأفراد:

أ – فإذا كان التحديد على مستوى المجتمعات (الأمة) فإن الفقهاء والباحثين المعاصرين الذين تناولوا الموضوع متفقون على تحريم إصدار قرار شامل يلزم الأمة باختيار جنس معين من الأولاد، لما في ذلك من محاولة الإخلال بالنواميس الكونية التي ورد النهي عن الإخلال بها في قول الله تعالى: ﴿ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) ﴾ ([1])

جاء في توصيات ندوة (الإنجاب في ضوء الإسلام) ما يلي:

“اتفقت وجهة النظر الشرعية على عدم جواز التحكم في جنس الجنين إذا كان ذلك على مستوى الأمة”.

ب – وإذا كان التحديد على مستوى الأفراد فلا يخلو من أحد الاحتمالات الآتية:

  1. أن يكون بعد حدوث الحمل ويقود إلى التخلص من الجنس غير المرغوب، (طريقة الإجهاض المنتخب) فهذا حكمه حكم الإجهاض.
  2. أن يكون عن طريق محاولة تغيير جنس الجنين في أطوار الحمل الأولى – على فرض إمكانيته، فهو محرم لدخوله في تغيير خلق الله، قال تعالى: ﴿ إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَّرِيدًا (117) لَّعَنَهُ اللَّهُ ۘ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا﴾ ([2]) .
  3. أن يكون قبل التخصيب وعن طريق التدخل الطبي، فقد اختلف الفقهاء والباحثون المعاصرون في حكمه على ثلاثة أقوال:

القول الأول: حرمة تحديد جنس الجنين بالتقنيات الصناعية لمجرد الرغبة في إنجاب جنس معين من البنين أو البنات، وهو قول أكثر المعاصرين، وبه صدر قرار المجمع الفقهي المنبثق عن الرابطة، وهو مقتضى اشتراط الضرورة أو الحاجة لجواز التلقيح الصناعي من حيث الأصل.

وقد نبه بعض الباحثين إلى أن هذا الحكم منصبٌّ على عمليات التلقيح الصناعي من أجل اختيار جنس الجنين، أما إذا كان التلقيح من أجل الإنجاب، وجاء الاختيار تبعاً، فإن الاختيار يكون جائزاً في هذه الحالة، انطلاقاً من القاعدة الفقهية: (يجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً).

القول الثاني: جواز تحديد جنس الجنين بالتقنيات الصناعية لمجرد الرغبة في إنجاب جنس معين من البنين أو البنات، وهو قول بعض المعاصرين.

القول الثالث: التوقف، وهو قول بعض المعاصرين، بناءً على أن هذا النوع من العمليات لا يزال بحاجة إلى مزيد من الدراسة والنظر والاجتهاد.

أولاً: أدلة القول الأول القائل بالتحريم.

الدليل الأول: قول الله تعالى: ﴿ لِّلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ۖ وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ﴾ ([3])، وفي التحكم في جنس الجنين تطاول على مشيئة الله وإرادته.

الدليل الثاني: قول الله تعالى: ﴿ اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ ۖ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ ﴾([4])، وقوله سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ ([5]) فالآيتان تدلان على أن الله استأثر بعلم ما في الأرحام، فلا تجوز معرفة جنس الجنين فضلاً عن التحكم فيه.

الدليل الثالث: أن التحكم في جنس الجنين فيه تغيير لخلق الله، وإذا كانت الواشمة أو الواصلة أو المتفلجة مغيرة للخلق، فكيف بمن يحاول صرفه عن وجهته، فهو أولى بالتحريم.

الدليل الرابع: القياس على وأد البنات الذي كان معروفاً في الجاهلية وحرمه الإسلام.

 

ثانيا: أدلة القول الثاني القائل بالجواز.

الدليل الأول: قول الله تعالى حكاية عن نبيه زكريا عليه السلام: ﴿ وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا﴾ ([6]) فقد دلت هاتان الآيتان على أن الدعاء بطلب الولد (الذكر) جائز، وما جاز طلبه جاز فعله، فيكون اختيار جنس الجنين جائزاً شرعاً.

الدليل الثاني: أن اختيار جنس الجنين من باب الأخذ بالأسباب، والأخذ بالأسباب مشروع.

الدليل الثالث: التخريج على اختيار جنس الجنين بالسلوكيات الطبيعية.

الدليل الرابع: القياس على العزل، فكما جاز العزل وهو منع للإنجاب من أصله، فمن باب أولى منع إنجاب جنس معين.

الدليل الخامس: أن الأصل في الأشياء الإباحة، وما سكت الشرع عنه فهو عفو، ومن ذلك اختيار جنس الجنين.


([1])سورة الرحمن: الآيات ( 7 – 8).

([2])سورة النساء: الآيات ( 117 – 119 ).

([3])سورة الشورى: الآيات ( 49 – 50 ).

([4])سورة الرعد: الآية ( 8 ).

([5])سورة لقمان: الآية ( 34 ).

([6])سورة مريم: الآيات ( 5 – 6 ).

المراجع

1. المسائل الطبية المستجدة في ضوء الشريعة الإسلامية، للدكتور/ محمد بن عبد الجواد حجازي النتشة، من إصدارات مجلة الحكمة، ليدز بريطانيا، الطبعة الأولى 1422هـ – 2001م.
2. أحكام النوازل في الإنجاب، الدكتور محمد بن هائل بن غيلان المدحجي، دار كنوز إشبيليا، الرياض، ط1، 1432هـ.
3. رؤية شرعية في تحديد جنس الجنين، الدكتور خالد بن عبد الله المصلح، نسخة إلكترونية، www.almosleh.com.
4. المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي، الدورة التاسعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة في الفترة من 22ـ27/شوال/1428هـ التي يوافقها 3ـ8/نوفمبر/2007م http://www.themwl.org/Fatwa/default.aspx?d=1&cidi=168&l=AR&cid=12).
5. حكم اختيار جنس الجنين قبل الحمل في الفقه الإسلامي، إعداد الباحث زياد بن عبد المحسن بن محمد العجيان، القاضي بديوان المظالم بالمنطقة الشرقية” بحث مقدم لمؤتمر الفقه الإسلامي الثاني، جامعة الإمام، ربيع ثان 1431 هـ “، نسخة إلكترونية.
6. تحديد جنس الجنين، إعداد الأستاذة / هيلة بنت عبدالرحمن اليابس، المحاضرة بكلية الشريعة بالرياض” بحث مقدم لمؤتمر الفقه الإسلامي الثاني، جامعة الإمام، ربيع ثان 1431 هـ “، نسخة إلكترونية.
7. تحديد جنس الجنين: الباحث / أيوب سعيد زين العطيف، ماجستير أصول الفقه، الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة” بحث مقدم لمؤتمر الفقه الإسلامي الثاني، جامعة الإمام، ربيع ثان 1431 هـ “، نسخة إلكترونية.
8. حكم تحيد جنس الجنين في الشريعة الإسلامية: أ.د. ناصر عبد الله الميمان، أستاذ الدراسات العليا الشرعية جامعة أم القرى بحث مقدم لمؤتمر الفقه الإسلامي الثاني، جامعة الإمام، ربيع ثان 1431 هـ “، نسخة إلكترونية.
9. اختيار جنس الجنين ” وسائل التحكم في جنس الجنين ومدى نجاحها وحكمها الشرعي “: د. محمد بن علي البار، الدورة الثامنة عشر لمجمع الفقه الإسلامي المنعقد بمكة المكرمة 1427هـ.
10. فقه القضايا الطبية المعاصرة ” دراسة فقهية طبية مقارنة “: أ.د. علي محيي الدين القره داغي، أ.د. علي يوسف المحمدي، دار البشائر الإسلامية، بيروت، الطبعة الثانية، 1427هـ.

مسائل ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى