قسم المعاملات الماليةباب الذهب

تأجير حلي الذهب

المسألة رقم 188

صورة المسألة

أن يستأجر حلي الذهب للبسه أو إعارته مدة معينة بأجر محدد ثم يرجعه، ومثل ذلك إجارة حلي الفضة.

حكم المسألة

اختلف أهل العلم في حكم إجارة حلي الذهب بالنقود على ثلاثة أقوال:

القول الأول: تحريم استئجار حلي الذهب، وهذ وجه للشافعية، وقول للحنابلة، وبه قال أبو عبد الله الزبيري من الشافعية، وأبو الخطاب الكلوذاني من الحنابلة([1]).

واستدلوا بما يلي:

  • أن كراء الحلي ليس من أخلاق الناس، وفيه خروج عن عرف السلف من إعارة ما يحتاج إليه، فالحلي والثياب بمثابة الفأس وسائرِ الماعون الذي يَسْتخدمُهُ الناسُ ويمتهنونه؛ وجرت العادة بإعارته لا بإجارته، والشيء إذا عدل به عما وضع له كان محظورا.

ومن نظائر ذلك في النصوص:

  • قوله تعالى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 7]، وأن ذلك في مثل الدلو، والفأس، وسائر ماعون البيت.
  • عن ابن عباس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لأن يمنح الرجل أخاه أرضه، خير له من أن يأخذ عليها خرجا معلوما» [أخرجه البخاري (رقم 2330)، ومسلم (رقم 1550)].
  • أن السلف الصالح كانوا يرون أن إعارته لمن يتزين به زكاته، وإذا كان كذلك صارت منفعته معدة للإعارة، فلا يكرى.
  • أن حلي الذهب تحتك بالاستعمال، فيذهب منه أجزاء وإن كانت يسيرة، فينقص حلي الذهب، فيحصل الأجر في مقابل الجزء المحتك، فيفضي إلى بيع ذهب بذهب وشيء آخر.
  • أن المقصود من إجارة الحلي هو الزينة والجمال، وليس ذلك من المقاصد الأصلية، فأشبه ذلك استئجار التفاح لشمه ونحو ذلك، وهذا غير جائز([2]) .

 

القول الثاني: كراهية إجارة حلي الذهب بالنقود، وهذا مذهب المالكية([3])، والمتأخرون من الحنابلة، واختاره القاضي أبو يعلى، وروي عن أحمد أنه لا يدري ما هو، وقال مرة: إنه لا يعجبه([4]).

استدلوا بأدلة القائلين التحريم، وإنما قالوا بالكراهة لأنه ليس بالحرام البين، ولأن فيه خروجا من الخلاف([5]) .

 

القول الثالث: جواز إجارة حلي الذهب بالنقود، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية، والشافعية، والحنابلة، وقول للإمام مالك، واختاره ابن القاسم من أصحابه، وبه قال الحسن البصري والثوري وإسحاق وأبو ثور، واختاره ابن المنذر، وبه صدرت فتوى اللجنة الدائمة([6]).

واستدلوا بما يلي:

  • الأصل إباحة إجارة كل عين يمكن أن ينتفع بها منفعة مباحة مع بقائها، وفي حلي الذهب منفعة مباحة مقصودة، فأشبهت سائر ما تجوز إجارته، والزينة من المقاصد الأصلية، فإن الله تعالى امتن بها علينا بقوله تعالى: {لتركبوها وزينة} [النحل: 8] وقال تعالى: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده}، وأباح الله تعالى من التحلي واللباس للنساء ما حرمه على الرجال، لحاجتهن إلى التزين للأزواج، وأسقط الزكاة عن حليهن معونة لهن على اقتنائه.
  • عقد الإجارة لا يدخله الربا، قال الماوردي: (عقد الإجارة لا يدخله الربا، ولو جاز أن يمنع من إجارة حلي الذهب بالذهب خوف الربا لمنع من إجارته بدراهم مؤجلة خوف الربا، وقد أجمعوا على جوازه فدل على فساد هذا الاعتبار)([7]).
  • لا ربا بين الذهب ومنافع الذهب، فإن الأجرة بمقابلة منفعة الحلي دون العين.
  • ما ذكروه من نقصها بالاحتكاك لا يصح، فلو قدر نقص الحلي بالاحتكاك فهو شيء يسير وتابع لا يقابل بعوض، وليس مقصودا في العقد، ولا يكاد يظهر في وزن، ولو ظهر فالأجرة في مقابلة الانتفاع، ولو كان في مقابلة الجزء الذاهب لما جاز إجارة أحد النقدين بالآخر لإفضائه إلى التفرق قبل القبض.
  • متى أمكن حمل العقد على الصحة، كان أولى من إفساده، وقد أمكن حمله على إجارتها للجهة التي تجوز إجارتها فيها([8]).

 

الملاحق:

فتاوى اللجنة الدائمة: (الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد: فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام، من فضيلة القاضي بالمحكمة المستعجلة بالجوف عبد الرحمن بن محمد السحيباني والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء، برقم (3563) وتاريخ 28 \ 6 \ 1417هـ، وقد سأل فضيلته سؤالا هذا نصه: تقدم إلينا بعض بائعي الذهب في منطقتنا، وطلبوا منا إفتاءهم حول تأجير الذهب، حيث ذكروا بأنهم يبيعون الذهب يدا بيد كامل القيمة، إلا أنهم يشترطون أن يكون هذا البيع أجارا، وعند إرجاع الذهب إليهم يسلمون المشترين كامل المبلغ الذي اشتروه به، ويخصمون منه قيمة أجار الذهب، بحجة أن أغلب المنطقة يشترون الذهب بقيمة عالية الثمن، ويرجعونها قريبا، ويبيعونها بخسارة كبيرة، وزعموا أن التأجير عليهم مع قبض القيمة كاملة حين البيع ييسر على الناس، ويكون قيمة الأجار أقل بكثير من خسارة البيع، وحيث طلبوا منا إفتاءهم بذلك؛ حيث إنهم ذكروا أن بعض أصحاب المحلات يعملون هذا العمل. آمل تفضل سماحتكم وإفتاءنا بذلك لتعم الفائدة الجميع. وبالاستفسار من فضيلته عن الذهب المؤجر هل هو حلي أم سبائك؟ أفاد بما يلي: نفيدكم حفظكم الله: أن الذهب المؤجر هو حلي، والغرض من الاستئجار هو: دفع قيمة قليلة من المال مقابل الإجار، بدلا من دفع مبلغ كبير في شرائه وملكه، حيث إن أكثر أهل البادية يدفعون مبالغ كبيرة في شراء الذهب، ويقول أحدهم: بدلا من أن أشتري هذا الذهب والذي لا يستخدم سوى أيام الزواج، ويكلفني مالا كثيرا فإني أستأجره -وهو حلي- لمدة أسبوعين مثلا، وأعيده إلى صاحب محل الذهب بعد أن دفعت له ثمن الذهب كاملا، وإذا أعدته له، أي: لصاحب الذهب، يعطيني الثمن الذي أعطيته إياه، ويخصم قيمة الأجار التي اتفقنا عليها من قبل، ولا أتورط في مبالغ كبيرة.

ج: وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت: بأن الأصل جواز تأجير الحلي من الذهب والفضة بأحد النقدين أو غيرهما بأجرة ومدة معلومتين، يرد المستأجر الحلي بعد انتهاء مدة الإجارة، ولا بأس بأخذ رهن في ذلك. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عضو … عضو … نائب الرئيس … الرئيس بكر بن عبد الله أبو زيد … صالح بن فوزان الفوزان … عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ … عبد العزيز بن عبد الله بن باز)([9]).


([1]) الحاوي الكبير (3/ 279)، االإنصاف (14/ 294).

([2]) الحاوي الكبير (3/ 279)، المغني لابن قدامة (5/ 404)، المبدع في شرح المقنع (4/ 412)، كشاف القناع (3/ 556)، المعاملات المالية أصالة ومعاصرة (9/ 396).

([3]) قال ابن القاسم: (قد أجازه مالك مرة، واستثقله مرة أخرى، وقال: لست أراه بالحرام البين، وليس كراء الحلي من أخلاق الناس، ولا أرى به بأسًا) مناهج التحصيل (7/ 290).

([4]) شرح مختصر خليل للخرشي (7/ 18)، مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه (6/ 3062)، كشاف القناع (3/556).

([5]) شرح مختصر خليل للخرشي (7/ 18)، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (4/ 17)كشاف القناع (3/ 556).

([6]) الأصل للشيباني (3/521)، الإشراف لابن المنذر (6/ 317)، الجامع لمسائل المدونة (15/ 422)، التبصرة للخمي (10/ 4952)، البيان للعمراني (7/ 327)، المجموع للنووي (6/ 46)، مسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبد الله (ص: 304)، المغني لابن قدامة (5/ 403)، الإنصاف للمرداوي (14/ 294)، فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الأولى (15/ 78 رقم 19570).

([7]) الحاوي الكبير (3/ 279).

([8]) بحر المذهب للروياني (7/ 181)، المجموع شرح المهذب (6/ 46)، المغني لابن قدامة (5/ 403).

([9]) فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الأولى (15/ 78 رقم 19570).

المراجع

1) فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الأولى، جمع وترتيب: أحمد بن عبد الرزاق الدويش، نشر: رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء – الإدارة العامة للطبع – الرياض.
2) المعاملات المالية أصالة ومعاصرة، دبيان الدبيان، مكتبة الملك فهد الوطنية، الرياض- المملكة العربية السعودية، الطبعة: الثانية، 1432هـ.

مسائل ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى