الحقوق المعنوية
أن يمتلك أحد اسمًا تجاريًا، أو عنوانًا تجاريًا، أو علامة تجارية، أو حق تأليف أو اختراع أو ابتكار لشيء, ويريد بيعه.
أولًا: اختلف العلماء المعاصرون في بيع حق التأليف على اتجاهين:
الاتجاه الأول: ذهب بعض المعاصرين إلى عدم اعتبار حق المؤلف مالًا، ومن ثم عدم المقابل المالي لهذا الحق.
أهم أدلة هذا الاتجاه:
1/ أن اعتبار هذا الحق قد يؤدي إلى حبس المؤلف لمصنفه العلمي عن الطبع والتداول إلا مقابل ما يحصل عليه، وهذا يعد من قبيل كتمان العلم الذي نهى الشارع عنه في قوله – تعالى -: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) [البقرة:159].
2/ أن العلم يعد قربة وطاعة، والقربة لا يجوز الحصول على أجر مالي في أدائها.
3/ قياس حق المؤلف على حق الشفعة, من حيث كونه حقًا مجردًا، وما كان من هذا القبيل فلا يجوز الاعتياض عنه، ومن ثم فلا يجوز للمؤلف الحصول على مقابل مادي لنتاجه الذهني.
الاتجاه الثاني: ذهب كثير من العلماء المعاصرين إلى اعتبار حق التأليف، ومن ثم جواز أخذ المقابل المالي لهذا الحق, هو رأي المجامع الفقهية وهيئة كبار العلماء في السعودية.
أهم أدلة هذا الاتجاه:
1/ أن المنافع تعد أموالًا عند جمهور الفقهاء المالكية والشافعية والحنابلة، وهي من الأمور المعنوية، ولا ريب أن النتاج الذهني يمثل منفعة من منافع الإنسان، فيعد مالًا تجوز المعاوضة عنه شرعًا.
2/ دليل العرف، فوقوع هذا الأمر وتواطؤ الناس عليه دليل على تعارف الناس على جوازه، ولا يخفى أن للعرف أثره في الحكم الشرعي إذا لم يصادم نصًا.
3/ من ناحية القواعد الفقهية، فإن الإنسان محاسب على ما يصدر عنه من أقوال وأفعال، وبناء على ذلك يكون له الحق فيما أبدعه من خير, عملًا بقاعدة “الغنم بالغرم”([1])، وقاعدة “الخراج بالضمان”.
4/ من ناحية المصالح المرسلة، فالقول بمالية حقوق التأليف يحقق مصلحة عامة، وهي: استمرار مسيرة البحث العلمي وتشجيع العلماء والباحثين، وصيانة مؤلفاتهم وحقوقهم فيها من العبث.
قرارات المجامع الفقهية والهيئات الشرعية والفتاوى العلمية.
أولاً: قرارات المجامع الفقهية:
قرر مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1-6 جمادى الأولى 1409 الموافق 10 – 15 كانون الأول (ديسمبر) 1988م،بعد اطلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوع الحقوق المعنوية، واستماعه للمناقشات التي دارت حوله، قرر ما يلي:
أولًا: الاسم التجاري، والعنوان التجاري، والعلامة التجارية، والتأليف والاختراع أو الابتكار، هي حقوق خاصة لأصحابها، أصبح لها في العرف المعاصر قيمة مالية معتبرة, لتمول الناس لها. وهذه الحقوق يعتد بها شرعًا، فلا يجوز الاعتداء عليها.
ثانيًا: يجوز التصرف في الاسم التجاري أو العنوان التجاري أو العلامة التجارية, ونقل أي منها بعوض مالي، إذا انتفى الغرر والتدليس والغش، باعتبار أن ذلك أصبح حقًّا ماليًّا.
ثالثًا: حقوق التأليف والاختراع أو الابتكار مصونة شرعًا، ولأصحابها حق التصرف فيها، ولا يجوز الاعتداء عليها.
ثانيًا: قرارات وفتاوى الهيئات الشرعية:
1/ فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عن موضوع بيع الحقوق المعنوية([2]).
فأجابت بما يلي:
لا يجوز نسخ البرامج التي يمنع أصحابها نسخها إلا بإذنهم؛ لقوله ﷺ : (المسلمون على شروطهم) [أخرجه البخاري تعليقًا, قبل حديث (رقم 2154) والترمذي (رقم 1352) وقال: هذا حديث حسن صحيح]، ولقوله ﷺ : ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه) [أخرجه البيهقي في الكبرى (رقم 11325) والدارقطني (رقم 91) وأبو يعلى (رقم 1570) وأحمد (5/72) وصححه الألباني في إرواء الغليل (6/180)].، وقوله ﷺ : (من سبق إلى مباح فهو أحق به) [أخرجه أبو داود (رقم (3071) ولفظه: (من سبق إلى ما لم يسبقه إليه مسلم فهو له) وضعفه الألباني في إرواء الغليل (6/9-11)], سواء كان صاحب هذه البرامج مسلمًا أو كافرًا غير حربي؛ لأن حق الكافر غير الحربي محترم كحق المسلم.
2/ فتاوى هيئة الفتاوى والرقابة الشرعية لبنك دبي الإسلامي.
سئلت الهيئة عن موضوع بيع الحقوق المعنوية([3]).
فأجابت بما يلي:
شهرة المحلات التجارية تعد عنصرًا معنويا متقومًا بقيمة مادية في العرف التجاري, ولا يوجد شرعًا ما يمنع العمل بهذا العرف, لأن الشهرة لا تتوافر إلا بعدة عوامل مادية: كنفقات الدعاية والإعلان, وجودة السلع, وحسن التعامل, مما يولد ثقة في نفوس الجمهور, و يؤدي إلى ازدياد النشاط وتحقيق الأرباح.
3/ الهيئة الشرعية لبيت التمويل الكويتي.
سئلت الهيئة عن موضوع بيع الحقوق المعنوية([4]).
فأجابت بما يلي:
أولا: إذا كانت الدولة تمنع القيام بهذا العمل, فيصبح غير جائز شرعًا.
ثانيا: أما إذا سمحت الدولة بمثل هذا العمل, فيرى البعض أنه جائز شرعًا, بشرط أن يكون شراء ترخيص المشروع الصناعي في مقابل خبرة وسمعة الشركة الحسنة, وليس في مقابل ترخيصها فقط, بمعنى أن تكون قد قامت بأعمال إيجابية, يمكن أن تعوض عنها وعن سمعتها, بينما يرى البعض الآخر أن هذا من قبيل بيع الحقوق المجردة, وفيه خلاف كبير, ولكن إذا كان عن طريق إدخال الجدد في الترخيص كشركاء, فهو جائز بالمبلغ المتفق عليه.
وفي فتوى أخرى رقم (529):
يجوز شراء ترخيص شركة منهجها ربوي, لتصحيح مسارها, بجعل جميع معاملات الشركة مشروعة, وخالية من المعاملات المحرمة كالربا وغيره, سواء أعلن عن ذلك بالنظام الأساسي أو لم يعلن, والهيئة تؤيد مثل هذه الفكرة وتشكر العازمين على القيام بها, كلما أمكن ذلك.
4/ قرارات وتوصيات ندوة البركة الحادية والعشرين للاقتصاد الإسلامي, بشأن التعويض عن التعدي على الحقوق المعنوية والسمعة التجارية:
أ- يقتضي ما جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي رقم 43( 5/5) بشأن الحقوق المعنوية من أنها لا يجوز الاعتداء عليها – ثبوت الحماية لتلك الحقوق, لمنع التعدي عليها واستحقاق التعويض، استنادا إلى قواعد إزالة الضرر المادي, وضمان الإتلاف: حقيقيًّا كان أو حكميًّا, بفقدان الجدوى من المنتج.
ب- يشترط لتوفير الحماية للمنتج الفكري ثبوت الحق فيه، ومشروعيته، واتسامه بقدر من الابتكار والإبداع، وبروزه بشكل محسوس بحسب طبيعته، سواء نص صاحب الحق على حفظ حقه بالعبارات أو الرموز المتعارف عليها، أو كان هناك عرف مستقر بحفظ الحق لصاحبه, ولو لم يصرح بذلك.
ج- التعدي على المنتجات الفكرية, يقع على كل من الحق المعنوي، وهو الاختصاص المستوجب نسبة المنتج إلى مبتكره, واحتفاظه بحقه في تطويره، والحق المالي المتمثل في الاختصاص بما ينشأ عن المنتج من ريع وربح.
د- التحقق من وقوع التعدي مرجعه العرف, تبعا لطبيعة الحق، ويستعان بالاتفاقيات الدولية الصادرة في هذا الشأن, فيما لا تخالف فيه أحكام الشريعة الإسلامية.
هـ- لا بد لاستحقاق التعويض عن التعدي من المطالبة به، وهي لا تتقيد بزمن بعد العلم بالتعدي، لكن يمتنع سماع الدعوى بالتقادم (مرور الزمان ), حسب المدد المتعارف عليها في كل حق.
و- تقتضي حماية الحق المعنوي إزالة مظهر التعدي عليه بإعلان حقيقة الأمر، وإتلاف ما نشأ عن التعدي من استخدامات مادية, لأنها غير مشروعة فلا تكون مصونة.
ز- يستحق صاحب الحق التعويض عما وقع عليه من ضرر بالاعتداء على حقه، بالإضافة لما فاته من كسب فعلي مؤكد بتعثر تسويق ما أنتجه, أو ما شرع في إنتاجه. أما ما أصابه من ضرر معنوي فإنه تترتب عليه العقوبة, لما فيها فرض الغرامة على سبيل التعزيز بالمال, حسب مقررات بعض الفقهاء.
ح- الاستئثار أو المغالاة في استغلال الحق، أو الإخلال بتقديم الميزات المعتادة، لا يعد مسوغا للتعدي على الحق، للمنع شرعا من مقابلة الضرر بالضرر (لا ضرر ولا ضرار) [أخرجه مالك في الموطأ (رقم 1429 والدراقطني (رقم 83) والبيهقي (رقم 11658) وابن ماجه (رقم 2341) والحاكم (رقم 2354) وأحمد (1/313) قال ابن الملقن في خلاصته البدر المنير (2/438): وقد رواه مالك عن عمرو بن يحي المازني مرسلًا وابن ماجه مسندًا…. والحاكم من رواية أبي سعيد الخدري وقال: صحيح على شرط مسلم. وقال ابن الصلاح: حسن. وقال أبو داود: وهو أحد الأحاديث التي يدور عليها الفقه, وصححه إمامنا. وصححه الألباني في إرواء الغليل (3/408) ] وللجهة المتضررة مطالبة الجهة المستغلة برفع الضرر وإزالته، والرجوع لتحقيق ذلك إلى الطرق المتاحة عن طريق القضاء أو التحكيم.
[1]) ينظر : الهداية شرح البداية (3/27) والوسيط (3/139) حاشية السندي (7/255) .
[2]) ينظر : نص السؤال في فتوى رقم : (18453) .
[3]) ينظر : نص السؤال في فتوى رقم ( 81 ) .
[4]) ينظر : نص السؤال في فتوى رقم ( 282 ) .
1/ قرارات مجمع الفقه الإسلامي الدولي, قرار رقم: 43 (5/5).
2/ فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ,(الفتوى رقم:18453 جزء: 13 صفحة: (188).
3/ فتاوى هيئة الفتاوى والرقابة الشرعية لبنك دبي الإسلامي, فتوى رقم (81 ).
4/ كتاب الفتاوى الشرعية في المسائل الاقتصادية بيت التمويل الكويتي, فتوى رقم (282 ), وفتوى رقم (529 ).
5/ قرارات وتوصيات ندوة البركة الحادية والعشرين للاقتصاد الإسلامي, قرار رقم (1/21).
6/ التعويض عن الضرر المالي والمعنوي وتطبيقاته القضائية (رسالة دكتوراه)، د. خالد بن عبدالعزيز الجريد, جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية كلية الشريعة – الرياض.
7/ حقوق الاختراع والتأليف في الفقه الإسلامي (رسالة ماجستير), حسين بن معلوي الشهراني, جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية, كلية الشريعة, الرياض.
8/ الحقوق المعنوية للدكتور بكر أبو زيد رحمه الله، ضمن فقه النوازل.