حضانة الطفل تكون للأبوين إذا كان النكاح قائماً بينهما، فإن افترقا بموت الأب أو الطلاق، فالحضانة لأم الطفل اتفاقاً، ثم تنتقل الحضانة إلى من بعدها على اختلاف بين الفقهاء في ترتيب مستحقي الحضانة بعد الأم.
وقد نص الفقهاء – رحمهم الله – على حالات تسقط فيها الحضانة، وتنتقل من درجة إلى درجة تليها، وذلك عند زواج الأم أو سفر الحاضن أو مرضه أو نحو ذلك.
وفي ظل الحياة المعاصرة والتطور المذهل في مجال المواصلات والاتصالات هل يسع الفقيه أن يوسع دائرة الأسباب المسقطة للحضانة؟
وهل يمكن تغيير بعض هذه الأحكام بتغير الزمان؟ فعلى سبيل المثال ذكر الفقهاء السفر سبباً لانتقال الحضانة لما فيه من المخاطرة، واليوم بات السفر حاجة ونزهة ومتعة، وأصبح التنقل بين الدول المتباعدة ممكناً خلال ساعات معدودة، فهل يمكن حينئذ عدم اعتبار المسافات المذكورة سابقاً في حد السفر؟ أو عدم اعتباره مسقطاً أصلاً؟
عد الفقهاء – رحمهم الله – حالات تسقط فيها الحضانة وتنتقل لمن يلي الحاضن في الدرجة ومنها:
– زواج الأم.
– سفر الحاضن.
– إصابة الحاضن بمرض معدٍ أو بمرض يعجزه عن القيام بمهام الحضانة([1]).
وفصلوا في سفر الحاضن:
أ/ فإن كان لغرض الانتقال والاستقرار – بشرط عدم التحايل – فإن حق الأم يسقط، ويكون المحضون مع والده، فالأب يحفظ نسبه ويصونه من الضياع.
ب/ وإن كان السفر عارضاً قصيراً لغرض وحاجة، فإن المحضون يبقى مع المقيم منهما سواء كان الحاضن أو غيره.
واختلفوا في تحديد مسافة السفر المسقط للحضانة، إلا أن منهم من نص على أن السفر إذا كان لمنطقة قريبة يمكن لأبيه رؤيته والعودة في نهاره فإن للحاضن حينئذ حق الانتقال به ولا يسقط حقه في الحضانة([2]).
والملاحظ في جُل الحالات المذكورة وتفاصيل أحكامها عدم وجود النصوص الشرعية الخاصة بها، ولكن النظر المقاصدي هو الدافع عند الفقهاء لعد هذه الصور وتوضيح أحكامها، إذ به تتحقق مصلحة المحضون ويتم الحفاظ على دينه ونفسه وعرضه.
والذي عليه المعاصرون مراعاة متغيرات الحال في العصر الحاضر في الحضانة، والسعي لمصلحة المحضون في بدنه وروحه، ومتى خشي الشر والفساد على بدن أو نفس المحضون سقط حق من يخشى منه ذلك من الحاضنين.
صدرت بهذا فتوى دار الإفتاء المصرية، وقرار المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، وتوصيات ندوة (أثر متغيرات العصر في أحكام الحضانة) التي نضمها المجمع الفقهي الإسلامي، ونص عليه كثير من الباحثين.
وعليه فمحور أحكام الحضانة هو مصلحة المحضون.
فإذا تعذر تحقيق ذلك عند حاضن، انتقلت الحضانة إلى من يتلوه في الدرجة.
ومما ذكره بعض الباحثين من أمثلة لمتغيرات العصر المؤثرة في انتقال الحضانة:
1- عدم توفر الرعاية الصحية التي يحتاجها المحضون في مكان إقامة الحاضن، وتوفرها في بلد من يليه.
2- عدم توفر المدارس والمحاضن التربوية المناسبة في بلد الحاضن.
3- عدم توفر التعليم غير المختلط في بلد الحاضن، وتوفره في بلد من يليه.
4- إقامة الحاضن في بلاد الكفار أو ابتعاثه لها مع انشغاله طوال اليوم عن المحضون وإيوائه في حاضنات الكنائس ونحوها.
5- خروج الأم للعمل أغلب اليوم، وربما سفرها اليومي لمكان عملها، وعدم قدرتها على القيام بحق ولدها.
6- إصابة الحاضن بالمرض النفسي.
7- حبس أحد الوالدين، وعدم مناسبة السجن لرعاية المحضون إذا كان النظام يسمح ببقائه مع والده في السجن.
8- كثرة الصوارف والملهيات المحرمة في بيئة أحد الوالدين.
الملاحق:
المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث.
جاء في قرارات المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث:
“ثالثاً: الأصل في أحكام الحضانة رعاية الأصلح للمحضون، وعليه فكل أمر يعود بالفساد على المحضون في دينه وعرضه وبدنه ونفسه وغير ذلك ينبغي أن يمنع؛ لأنه مخالف لمقاصد الشريعة العامة، ولمقصد أحكام الحضانة خاصة.
سادساً: شروط الحضانة: ذكر الفقهاء – رحمهم الله – شروطاً كثيرة يجب توافرها فيمن تثبت له الحضانة، وكلها تدور على مقصد واحد، وهو توفير البيئة الصالحة لرعاية المحضون، والذي يراه المجلس وجوب اعتماد الشرطين التاليين:
1- استقامة السلوك.
فلا حضانة في حالة الانحراف السلوكي الظاهر المؤثر في رعاية المحضون، أما اختلاف الدين بين الوالدين فليس مؤثراً على القول الصحيح.
2- القدرة على أداء مهام الحضانة.
فإذا كان اشتغال الحاضن خارج البيت بعمل ونحوه مضيعاً للمحضون، فهذا سبب كاف لإسقاط حق الحضانة عنه…”.
([1]) بدائع الصنائع 4/44، حاشية ابن عابدين 26/634، 642، التاج والإكليل 6/319، منح الجليل 9/304، الأم 5/99، المجموع 18/311، الفروع 5/467، كشاف القناع 5/499.
([2]) ينظر: بدائع الصنائع 4/44، حاشية ابن عابدين 2/642، حاشية الدسوقي 2/527 – 531، مغني المحتاج 3/458، المغني 7/618، كشاف القناع 5/500.
– بحوث حلقة البحث التي أقامها مركز التميز البحثي في فقه القضايا المعاصرة تحت عنوان (انتقال حق الحضانة في ضوء متغيرات العصر). rej.org.sa
– بحوث ندوة (أثر متغيرات العصر في أحكام الحضانة) التي نظمها المجمع الفقهي الإسلامي بالرابطة بالتعاون مع كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى عام 1436هـ.
– انتقال حق الحضانة في ضوء متغيرات العصر، أسبابه وآثاره، د. هشام بن عبدالملك آل الشيخ، مجلة الجمعية الفقهية السعودية، العدد 18، عام 1435هـ، ص387 – 440.
– أثر المتغيرات المعاصرة في الأحق بالحضانة، موقع وفاء لحقوق المرأة . www.wafa.com
– فتاوى دار الإفتاء المصرية 2/174 (المكتبة الشاملة).
– قرارات المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث، قرارات الدورة الخامسة عشرة، إستانبول – تركيا، 22 – 26 جمادى الأولى 1426هـ الموافق 29 يونيو – 3 يوليو 2005م، قرار 66 (15/5) موقع المجلس الأوربي: www.e-cfr.org