الاستعانة برحم امرأة أجنبية.
يبدأ التلقيح الصناعي بتلقيح بويضة الزوجة بماء الزوج داخل الرحم في التلقيح الداخلي أو خارجي في التلقيح الخارجي، والأصل أن تلك البييضة الملقحة (اللقيحة) تعاد لتغرس في رحم صاحبتها.
لكنّ صاحبة اللقيحة قد تقوم بها أسباب مرضية أو اجتماعية تمنعها من الحمل والولادة، فهل يجوز للزوجين عند قيام تلك الأسباب اللجوء إلى الاستعانة برحم امرأة أخرى تعرف بالأم البديلة أو الأم الحاضنة؟
لا تخلو الأم الحاضنة من أن تكون أجنبية أو زوجة أخرى للزوج، مما يقتضي بيان حكم هذه المسألة من خلال الفرعين الآتيين:
الفرع الأول: مشاركة الأجنبية بمقر اللقيحة.
لا تخلو الأم البديلة التي لا تربطها علاقة زوجية مع صاحب الحيوان المنوي من أن تكون متبرعة أو مستأجرة، والفقهاء المعاصرون الذين تناولوا هذه المسألة: – وإن كانوا لم يفرقوا بين الحالتين في الحكم – نصوا على تحريم استئجار الرحم لأسباب غير مرضية، وأما في حالة وجود أسباب مرضية فقد اختلفوا على قولين:
القول الأول: تحريم مشاركة المرأة الأجنبية بمقر للبويضة الملقحة (اللقيحة) لتزرع في رحمها وتتولى الحمل والولادة. وإلى هذا ذهب أكثر المعاصرين، حتى إن البعض جعله محل اتفاق.
القول الثاني: جواز مشاركة المرأة الأجنبية بمقر اللقيحة، وقد وضع أصحاب هذا القول شروطاً للجواز، منها:
- ألا تكون الحاضن بكراً.
- أن تُستبرأ بحيضتين على الأقل.
- موافقة الزوج أو الولي.
- امتناع زوجها عن جماعها مدة الاحتضان.
أدلة القول الأول القائل بالتحريم
الدليل الأول: قول الله تعالى (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7 ) ) ([1]).
فما كان خارجاً عن نطاق الزوجية فهو محرم، وزرع اللقيحة المتكونة من الزوجين في رحم أجنبية خارج عن هذا النطاق، فيكون محرماً.
الدليل الثاني: أن الشرع ربط بين حق الإنجاب وبين جواز الاستمتاع الجنسي، فمن لا يجوز له الاستمتاع بامرأة لا يجوز له شغل رحمها بالحمل منه، مما يدل على تحريم هذه العملية.
الدليل الثالث: أن الرحم غير قابل للبذل أو الإباحة، فقد حرم البُضع على غير الزوج محافظة على صحة الأنساب وحذرا من اختلاطها. وهذه العملية تؤدي إلى خلط الأنساب، فتكون محرمة.
الدليل الرابع: لو جاز استخدام رحم أجنبية لعلة في رحم الزوجة لجاز استخدام مني رجل أجنبي لعلة في مني الزوج، وهذا الأخير محرم قطعا، فكذلك الأول.
الدليل الخامس: أن هذه العملية تترتب عليها مفاسد وإشكالات كثيرة تستلزم تحريمها، ومن ذلك أنها تفسد معنى الأمومة، وعرضة لاحتمال امتناع الزوجين عن استلام المولود أو امتناع الحاضن عن تسليمه، كما قد يصعب التمييز بينه وبين المولود الناشئ من علاقتها مع زوجها، وتثور الإشكالات عندما تكون الأم البديلة أما أو أختا لصاحبة اللقيحة، وكذلك عندما يرغب أبناء هذه العمليات في التزاوج.
أدلة القول الثاني القائل بالجواز.
الدليل الأول: أن هذه العملية ليست زنا لعدم وجود الوطء المحرم، وليست فيها شبهة الزنا لأن ما زرع في رحم الأم البديلة ليس منيا وحده.
الدليل الثاني: أن هذه العملية لا تؤدي إلى اختلاط الأنساب، لأن الرحم لا ينقل الصفات الوراثية.
الدليل الثالث: القياس على الرضاع، فكما يجوز استئجار الظئر للإرضاع كذلك يجوز استئجار الرحم للحمل والولادة.
الدليل الرابع: الأصل في الأشياء الإباحة، ولا دليل هنا على التحريم.
الفرع الثاني: مشاركة الزوجة الثانية بمقر اللقيحة.
من الواضح أن القائلين بجواز الاستعانة برحم الأجنبية يجيزون هذه العملية، أما القائلون بالتحريم فقد اختلفوا في جواز الاستعانة برحم زوجة أخرى لصاحب النطفة، على أربعة أقوال:
القول الأول: تحريم الانتفاع برحم الزوجة الأخرى للقيام بالحمل. وإلى هذا القول رجع المجمع الفقهي المنبثق عن الرابطة في قراره الثاني لدورته الثامنة، وأكده في قراره الثالث لدورته الثانية عشرة، وبه قال بعض المعاصرين.
القول الثاني: الجواز المطلق، وهو القول المرجوع عنه من لدن المجمع، وكان قد ذهب إليه في دورته السابعة.
القول الثالث: الجواز في حالة كون الزوجة المشاركة بمقر اللقيحة غير قادرة على الإنجاب لمرض في مبيضها. وإليه ذهب بعض الباحثين.
القول الرابع: التوقف. وقد نسب إلى بعض أعضاء المجمع.
أدلة القول الأول القائل بالتحريم.
إضافة إلى أدلة التحريم الواردة في الفرع الأول، فقد استدل أصحاب هذا القول بما يأتي:
الدليل الأول: أن المأذون في دخوله إلى رحم المرأة هو ماء زوجها، واللقيحة تجمع بين ماء الزوج وماء الزوجة الأخرى، وبالتالي فإنها قد جمعت بين محظور ومأذون فيه، والقاعدة الشرعية تقضي بتقديم الحظر عند اجتماعه مع الإباحة.
الدليل الثاني: أن الزوج قد ملك الاستمتاع بكل من الزوجتين بعقد مستقل، فيجب أن يبقى رحم كل منهما منفصلا في علاقته مع الزوج عن رحم الأخرى.
الدليل الثالث: أن هذه العملية يترتب عليها الكثير من النزاع والشقاق وتضييع حقوق الأمومة بين الزوجتين.
أدلة القول الثاني القائل بالجواز المطلق.
استدل أصحاب هذا القول بأن المرأتين زوجتان لرجل واحد، فليس هناك شبهة الزنا لعدم دخول مني أجنبي على رحم المرأة، ولا اختلاط في الأنساب لأن المولد المتكون ينسب إلى زوج المرأتين.
أدلة القول الثالث القائل بالجواز في حالة كون الزوجة المشاركة بمقر اللقيحة غير قادرة على الإنجاب.
الدليل الأول: عدم وجود اختلاط في الأنساب في هذه الحالة.
الدليل الثاني: عدم وجود أي حكمة من حِكَم تحريم الزنا.
وقد اختارت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في ندوتها الأولى سنة 1983م، الاتجاه الأول الذي ذهب إليه الأكثرون، وهو تحريم الرحم الظئر مطلقا، فجاء في توصياتها تحت عنوان: الرحم الظئر ما يلي: ” اتفق على أن ذلك يكون حراماً إذا كان في الأمر طرف ثالث غير الزوجين سواء أكان منياً، أم بويضةً، أم جنيناً، أم رحماً.
كما أكدت المنظمة اختيارها الأول في تحريم الرحم الظئر، وذلك في ندوتها العاشرة بالدار البيضاء 1997م، فجاء في توصياتها بشأن الاستنساخ ما يلي:
أولا: تحريم كل الحالات التي يقحم فيها طرف ثالث على العلاقة الزوجية سواء أكان رحما، أم بويضة، أم حيوانا منويا، أم خلية جسدية للاستنساخ.
1. المسائل الطبية المستجدة في ضوء الشريعة الإسلامية، الدكتور/ محمد بن عبدالجواد حجازي النتشة، 1/182 – 191.
2. البنوك الطبية البشرية وأحكامها الفقهية، الدكتور إسماعيل مرحبا، ص: 428 – 430.
3. أحكام النوازل في الإنجاب، الدكتور محمد بن هائل بن غيلان المدحجي، دار كنوز إشبيليا، الرياض، ط1، 1432هـ، 2/780 – 810.
4. أثر قاعدتي ” المشقة تجلب التيسير” و” لا ضرر ولا ضرار” في المسائل الطبية المستجدة – إعداد د. محمد بن عبد العزيز بن سعد، بحوث ندوة ” تطبيق القواعد الفقهية على المسائل الطبية” والتي أقامتها إدارة التوعية الدينية بالشؤون الصحية بمنطقة الرياض، الفترة من 5-7 محرم عام 1429هـ، الموافق 14-16 يناير 2008م، نسخة إلكترونية.
5. فقه القضايا الطبية المعاصرة ” دراسة فقهية طبية مقارنة “: أ.د. علي محيي الدين القره داغي، أ.د. علي يوسف المحمدي، دار البشائر الإسلامية، بيروت، الطبعة الثانية، 1427هـ.