قسم المعاملات الماليةباب المرابحة

المرابحة للآمر بالشراء

المسألة رقم 146

العناوين المرادفة

بيع المرابحة، بيع المواعدة.

صورة المسألة

أن يتقدم العميل إلى المصرف , طالبًا منه شراء السلعة المطلوبة بالوصف الذي يحدده العميل, وعلى أساس الوعد منه بشراء تلك السلعة بالطريقة التي يتفقان عليها, ويدفع الثمن مقسطًا حسب إمكانياته.

حكم المسألة

اختلف العلماء المعاصرون في هذه المسألة على اتجاهين:

الاتجاه الأول: أن بيع المرابحة للآمر عقد بالشراء جائز, مع كون الوعد ملزمًا للمتعاقدين, قال بهذا جماعة من فقهاء العصر.

أهم أدلة هذا الاتجاه:

1/ أن الأصل في المعاملات والعقود الإذن والإباحة, إلا ما جاء نص صحيح الثبوت صريح الدلالة يمنعه ويحرمه فيوقف عنده, ولا نص في المسألة.

 

2/ عموم النصوص من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم, الدالة على حل جميع أنواع البيع, إلا ما استثناه الدليل الخاص، ولا دليل على استثناء هذه المعاملة.

 

3/ ما تضمنته النصوص الواردة عن بعض الفقهاء من إجازة هذا العقد, وأهم هذه النصوص ما يلي:

أ/ ما جاء عن الإمام الشافعي رحمه الله في كتابه الأم, حيث يقول في ذلك: (وإذا أرى الرجلُ الرجلَ السلعة, فقال: اشتر هذه وأربحك فيها كذا. فاشتراها الرجل, فالشراء جائز, والذي قال: أربحك فيها بالخيار إن شاء أحدث فيها بيعًا, وإن شاء تركه, وهكذا إن قال: اشتر لي متاعًا ووصفه له, أو متاعًا أي متاع شئت, وأنا أربحك فيه. فكل هذا سواء, يجوز البيع الأول, ويكون فيما أعطى من نفسه بالخيار, وسواء في هذا ما وصفت إن كان قال: أبتاعه وأشتريه منك بنقد أو دين. يجوز البيع الأول, ويكونان بالخيار في البيع الآخر، فإن جدّداه جاز)([1]).

ب/ قال العلامة ابن القيم: (رجل قال لغيره: اشتر هذه الدار -أو هذه السلعة من فلان – بكذا وكذا, وأنا أربحك فيها كذا وكذا. فخاف إن اشتراها أن يبدو للآمر فلا يريدها, ولا يتمكن من الرد. فالحيلة أن يشتريها على أنه بالخيار ثلاثة أيام أو أكثر, ثم يقول للآمر: قد اشتريتها بما ذكرت. فإن أخذها منه وإلا تمكن من ردها على البائع بالخيار, فإن لم يشترها الآمر إلا بالخيار, فالحيلة أن يشترط له خيارًا أنقص من مدة الخيار, التي اشترطها هو على البائع, ليتسع له زمن الرد إن ردت عليه)([2]).

 

الاتجاه الثاني: إن بيع المرابحة للآمر بالشراء عقد باطل, وقيد آخرون ذلك بما إذا كان الوعد ملزمًا للمتعاقدين, وهو قول بعض الباحثين.

أهم أدلة هذا الاتجاه:

1/ أنه منهي عنه شرعًا, لأنه يعد من باب بيع ما لا يملك, أو بيع ما ليس عندك.

2/ أن بيع المرابحة للآمر بالشراء من باب الحيلة على الإقراض بالربا, وقد أشار إلى هذه العلة المالكية, كقول ابن عبد البر في الكافي: (معناه أنه تحيل في بيع دراهم بدراهم أكثر منها إلى أجل بينهما سلعة محللة, مثال ذلك: أن يطلب رجل من آخر سلعة ليبيعها منه بنسيئة, وهو يعلم أنها ليست عنده, ويقول له: اشترها من مالكها بعشرة, وهي عليّ باثني عشر إلى أجل كذا. فهذا لا يجوز لما ذكرنا”([3]).

3/ أن هذه المعاملة تدخل ضمن بيع الكالئ بالكالئ أي الدين بالدين, وورد النهي عنه شرعًا, لما روي في الحديث عن ابن عمر أن النبي ﷺ (نهى عن بيع الكالئ بالكالئ) [أخرجه الدارقطني ح 269, 270، قال ابن حجر في التلخيص (3/26): وصححه الحاكم على شرط مسلم , فوهم… تفرد به موسى بن عبيدة وقال أحمد بن حنبل: لا تحل عندي الرواية عنه ولا أعرف هذا الحديث عن غيره. وقال أيضًا: ليس في هذا حديث يصح , ولكن إجماع الناس على أنه لا يجوز بيع دين بدين. وقال الشافعي: أهل الحديث يوهنون هذا الحديث , ضعفه الألباني في إرواء الغليل (5/220) وفي ضعيف الجامع (رقم 6061) ].

4/ أن هذه المعاملة تدخل ضمن عقدين في عقد (بيعتين في بيعة), وقد نهى رسول الله ﷺ عن بيعتين في بيعة [أخرجه ابن حبان في صحيحه (رقم 4973) وابن الجارود في المنتقى (رقم 600) والنسائي في الكبرى (رقم 6228) والبيهقي في الكبرى (رقم 10660) والترمذي (رقم 1231), وقال: هذا حديث حسن صحيح. وحسنه الألباني في إرواء الغليل (5/149) ].

 

قرارات المجامع الفقهية والهيئات الشرعية والفتاوى العلمية.

أولًا: قرارات المجامع الفقهية: ـ

1/ قرر مجلس مجمع الفقه الإسلامي في المرابحة للآمر بالشراء المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1-6جمادى الأولى1409 الموافق10-15كانون الأول (ديسمبر)1988م، بعد اطلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوعي الوفاء بالوعد، والمرابحة للآمر بالشراء، واستماعه للمناقشات التي دارت حولهما, قرر ما يلي:

أولًا: إن بيع المرابحة للآمر بالشراء إذا وقع على سلعة بعد دخولها في ملك المأمور، وحصول القبض المطلوب شرعًا، هو بيع جائز، طالما كانت تقع على المأمور مسؤولية التلف قبل التسليم، وتبعة الرد بالعيب الخفي, ونحوه من موجبات الرد بعد التسليم، وتوافرت شروط البيع وانتفت موانعه.

ثانيًا: الوعد – وهو الذي يصدر من الآمر أو المأمور على وجه الانفراد – يكون ملزمًا للواعد ديانة إلا لعذر، وهو ملزم قضاء إذا كان معلقًا على سبب, ودخل الموعود في كلفة نتيجة الوعد. ويتحدد أثر الإلزام في هذه الحالة إما بتنفيذ الوعد، وإما بالتعويض عن الضرر الواقع فعلًا بسبب عدم الوفاء بالوعد بلا عذر.

ثالثًا: المواعدة – وهي التي تصدر من الطرفين – تجوز في بيع المرابحة بشرط الخيار للمتواعدين، كليهما أو أحدهما، فإذا لم يكن هناك خيار فإنها لا تجوز، لأن المواعدة الملزمة في بيع المرابحة تشبه البيع نفسه، حيث يشترط عندئذ أن يكون البائع مالكًا للمبيع حتى لا تكون هناك مخالفة, لنهي النبي ﷺ عن بيع الإنسان ما ليس عنده فعن حكيم بن حزام ؓ قال: يارسول الله يأتيني الرجل فيريد مني البيع ليس عندي, أفأبتاعه له من السوق؟ فقال: ( لاتبع ما ليس عندك). [أخرجه النسائي في الكبرى (رقم 6206) وأبو داود (رقم 3503) والترمذي (رقم 1232) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود وفي صحيح سنن الترمذي وفي إرواء الغليل (5/132) ].

ويوصي بما يلي:

في ضوء ما لوحظ من أن أكثر المصارف الإسلامية اتجه في أغلب نشاطاته إلى التمويل عن طريق المرابحة للآمر بالشراء.

أولًا: أن يتوسع نشاط جميع المصارف الإسلامية في شتى أساليب تنمية الاقتصاد, ولا سيما إنشاء المشاريع الصناعية أو التجارية، بجهود خاصة، أو عن طريق المشاركة والمضاربة، مع أطراف أخرى.

ثانيًا: أن تُدرس الحالات العلمية لتطبيق المرابحة للآمر بالشراء لدى المصارف الإسلامية، لوضع أصول تعصم من وقوع الخلل في التطبيق، وتعين على مراعاة الأحكام الشرعية العامة أو الخاصة ببيع المرابحة للآمر بالشراء.

 

2/ قرر مجمع الفقه الإسلامي بالهند في الندوة الفقهية الثالثة في دار العلوم سبيل الرشاد بمدينة بنغلور في 13-16 من ذي القعدة 1410 الموافق 8-11 يونيو 1990م، وشارك فيها صفوة من العلماء البارزين والفقهاء الممتازين الممثلين عن مدارس فكرية وفقهية مختلفة، كما حضر هذه الندوة سماحة الشيخ أبو الحسن علي الندوي وشارك فضيلة الدكتور محروس المدرس الأعظمي من العراق مشاركة فعَّالة, بشأن المرابحة قرَّرت الندوة بهذا الخصوص ما يلي:

أولًا: للمرابحة معنىً محدد عند الفقهاء، وهو: بيع السلعة بما اشتراها به وزيادة ربح معلوم.

ثانيًا: إن صور المرابحة السائدة اليوم في البنوك الإسلامية هي التي ناقشتها الندوة.

ثالثًا: انطلاقًا من القاعدة الفقهية التي تقول: العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني، فإن المعاملات التي راجت اليوم في البنوك باسم المرابحة تعد فيها حقيقة المرابحة لا أسماؤها.

رابعًا: إن صور المرابحة السائدة اليوم في البنوك الإسلامية إنما تجوز بشروطها المعروفة إذا كان:

(أ) البنك قد أوضح في استمارته الخاصة (Quotation) صفات البضائع التي يقوم البنك ببيعها من نوعها وكيفيتها (Quality) و ما إلى ذلك من الصفات التي لابد من ذكرها, لكي لا يبقى في العقد إبهام أو جهالة, تؤدي إلى التنازع بين المتعاقدين، كما أنه لابد من ذكر قدر النفع الحاصل للبنك على قيمة الشراء أو السعر، وتحديد مدة الأداء والأقساط.

(ب) لا يصح أن يقال عند العقد: إن الثمن في البيع الحالّ كذا، وفي النسيئة كذا، أو يربط ثمن بيع النسيئة قِلَّةً وكَثْرَةً بقلة وكثرة مدة الأجل، بل الواجب على البنك أن يقدم نموذجًا من البضائع, ثم يحدد أداء الثمن في مدة معينة بأقساط معينة، مع إيضاح قدر الربح الحاصل للبنك على تكلفته, (وذلك يكون ثمن الشراء من البنك).

 

ثانيًا: قرارات وفتاوى الهيئات الشرعية:

1/فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.

سئلت لجنة الفتوى عن موضوع المرابحة للآمر بالشراء ([4]).

فأجابت بما يلي:…

أولًا: المصارف والبنوك التي لا تتعامل بالربا يجوز التعامل معها، وإذا كانت تتعامل بالربا فلا يجوز التعامل معها، وليست بنوكًا إسلامية.

ثانيًا: الصورة التي ذكرت من التعامل بين التاجر والمصرف، تحت اسم بيع المرابحة لا تجوز؛ لأن شراء البنك للبضاعة من التاجر شراء صوري، لا حقيقي، وليس له حاجة في البضاعة، وإنما قصده النسبة 10%، وقد نبهنا عليها غير مرة لمن سأل عن ذلك. رد في ثنايا القسم الشرعي

وبالله التوفيق, وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

 

2/ فتاوى مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا.

سئلت لجنة الفتوى بمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا عن موضوع المرابحة للآمر بالشراء.

فأجابت بما يلي:…

بيع المرابحة للآمر بالشراء هو وعد بالبيع من البداية حتى لا يبيع ما لا يملك، وبيع في النهاية عندما يملك السلعة وتصبح في ضمانه، فلكي تصح هذه المعاملة فلابد من شراء هذه الجهة الممولة للسلعة, أو للمبيع وتملكها له بالقبض, ثم بيعها بما شاءت بعد ذلك للمشتري ولو بالتقسيط, طالما كان محددا معلوما لدى الطرفين. والله تعالى أعلى وأعلم.


[1]) ينظر: الأم (3/39) .

[2]) ينظر : إعلام الموقعين عن رب العالمين (4/30) .

[3]) ينظر : الكافي (ص 325) .

[4]) نص السؤال في فتوى (8265) من فتاوى اللجنة الدائمة، مجموعة 1 (13/ 310) هو:


س: سمعنا كثيرا بقول: أن الشيخ عبد العزيز بن باز يقول: إن البنوك والمصارف الإسلامية جائزة، ومالها حلال لا غبار عليها، فهل هذا صحيح، والله أعلم. والسؤال الثاني بشأن: البنوك الإسلامية، فهي الحقيقة وللأسف الشديد تحايل على الشرع تحت ما تسمى بيع المرابحة، وهي تختلف عن بيع المرابحة كثيرا، فالبنوك الإسلامية تعمل نفس عمل البنوك الربوية، فالبنوك الربوية تقرض التجار الذين لا يملكون نقودا حاضرة (السيولة) في مقابل فائدة ثابتة، فهذا خطأ، وبعبارة أصح: هو الربا بعينه، أما المصارف فتحت اسم بيع المرابحة تتم هذه الصورة: فالتاجر الذي يأتي البنك، ولا يملك نقودا حاضرة بمعنى (سيولة) يقول له البنك: نحن لا نقرضك مالا على أساس أنها بنك إسلامي، ولكن نسألك عن البضاعة ونوعها، ونحن نشتريها ثم نبيعها لك، بشرط أن تتكفل أنت بجميع مصاريفك، الشحن والتأمين وجميع الالتزامات الأخرى التي تترتب على نقل هذه البضاعة، ونأخذ منك عشرة في المائة. هذه هي صورة معاملة البنك الإسلامي مع التاجر الذي لجأ إليه يريد المال الحاضر (السيولة) ، أرجو الجواب على هذا. وجزاكم الله خيرا..

المراجع

1/مجلة مجمع الفقه الإسلامي قرار رقم: (1 / 80).
2/مجمع الفقه الإسلامي بالهند الندوة الفقهية الثالثة قرار رقم: 9(2/3).
3/فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء, فتوى رقم:8265 جزء: 13 صفحة: 311 ).
4/ موقع مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا www.amjaonline.com.
5/المرابحة بين الفقه الإسلامي والتطبيق المصرفي المعاصر ـ دراسة مقارنة (رسالة ماجستير) ـ مسلم خير الله سالم الشمري- جامعة الملك سعود – كلية التربية–قسم الثقافة الإسلامية.

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى