1. التعزير بأخذ المال.
2. العقوبة بأخذ المال.
العقوبة بالمصادرة – كما عرفتها الموسوعة الفقهية الكويتية -: “هي الاستيلاء على مال المحكوم عليه أخذا أو إتلافا أو إخراجا عن ملكه بالبيع عقوبة”([1])
وبناء على المفهوم السابق للعقوبة بمصادرة المال يرد السؤال: في مدى جوازه في نحو ما إذا اكتسب المال بطرق غير مشروعة أو هرّب سلعا محظورة أو ارتكب بعض الجرائم المالية إذا رأى الحاكم أن هذا النوع من العقوبة أقوى في تحقيق الزجر؟
أولا: لا خلاف بين الفقهاء – رحمهم الله تعالى – على جواز أخذ المال بالقوة إذا استند ذلك إلى سبب شرعي؛ كمن امتنع عن دفع الزكاة وهو في قبضة الإسلام، أو امتنع من قضاء دينه مع القدرة على السداد، تؤخذ منهما الزكاة والدين قهرا بسلطان الشرع.
ثانيا: اختلف الفقهاء في التعزير بمصادرة المال على اتجاهين:
الاتجاه الأول: يجوز للحاكم التعزير بمصادرة المال، وهو قول الشافعي في القديم، وقول أبي يوسف من الحنفية، وابن فرحون من المالكية، وابن تيمية، وابن القيم من الحنابلة، وبه أفتت دار الإفتاء المصرية، ودار الإفتاء بالمملكة العربية السعودية، ودائرة الإفتاء العام الأردنية؛ ولكن قيّدوا هذا الجواز بصرف الأموال المصادَرة لخزانة الدولة العامة أو الجهات المختصة.
الاتجاه الثاني: لا يجوز للحاكم التعزير بمصادرة المال، وهو قول جمهور الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.
استدل أصحاب الاتجاه الأول (القائلون بجواز التعزير بمصادرة المال) بجملة من الأدلة، أبرزها ما يأتي:
- قوله تعالى: (مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَىٰ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ ) ]الحشر: 5 [.
وجه الدلالة: أن الآية تدل على جواز التعزير بمصادرة المال وإتلافه من جهة أن النبي – ﷺ – أمر بقطع نخيل يهود بني النضير عقوبة لهم، وجاء القرآن الكريم مقررا له.
- قوله – ﷺ – في حق مانع الزكاة: (…من أعطاها مؤتجرا فله أجرها، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله، عزمة من عزمات ربنا)] أخرجه أحمد في مسنده برقم: (20016) 33/220[.
وجه الدلالة: أن الحديث دليل على جواز التعزير بالمال لمن يمتنع عن دفع الزكاة؛ فيكون هذا أصلا في مشروعية التعزير بالمال.
- قصة ابن اللتبية لما بعثه النبي – ﷺ – لأخذ صدقات بني سليم وقال: “هذا مالكم وهذا هدية”. وقد صادره النبي – r- وقال له: (أفلا جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقا) [أخرجه البخاري برقم: (6979) 9/28، ومسلم برقم: (1832) 3/1463].
- قوله – ﷺ – في سارق الجرين: ( فيه غرامة مثليه..) [أخرجه النسائي في سننه برقم: (4959) 8/85].
وجه الدلالة: أن الحديث يدل على جواز تغريم سارق الجرين على سبيل العقوبة، ومصادرة المال بسبب جناية توجبه في معناه.
نوقشت الأدلة السابقة: أنها تقرر ما كان في صدر الإسلام، ثم نسخ بالأدلة المتواترة على تأكيد حرمة الأموال؛ فعادت العقوبات التعزيرية بعد ذلك على الأبدان.
- مشروعية الكفارات في بعض المحظورات الشرعية، وهي تدل على التعزير بالمال باعتبار أن التعبد إنما يتعلق بمقدار العقوبة، وأما التشريع على سبيل العقاب والجزاء فهو معقول المعنى.
- إجماع الصحابة – رضي الله عنهم – على جواز التعزير بمصادرة المال، فقد ثبت عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أنه صادر الأموال التي اكتسبها بعض عماله بجاه العمل، ووضع نصفها في بيت مال المسلمين.
نوقش: أن الإجماع لا يستقر على تقدير ما ثبت عن أبي بكر – رضي الله عنه – في عدم التعزير بالمال، ولم ينقل عن الصحابة – رضي الله عنهم – مخالفته في ذلك؛ فكان إجماعا.
- أن المصلحة تقتضي جواز التعزير بمصادرة المال نظرا إلى تعدد الجرائم التعزيرية، وكونه وسيلة مناسبة لتحقيق مقصود الشارع في الزجر والاستصلاح في بعض الجرائم التعزيرية.
استدل أصحاب الاتجاه الثاني (القائلون بالمنع من التعزير بمصادرة المال) بجملة من الأدلة، أبرزها:
- قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ) ]النساء: 29 [ .
- ما ورد عن ابن عباس – رضي الله عنهما – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا”. ]أخرجه البخاري برقم: (1739) 2/176، ومسلم برقم: (1679) 3/1306[.
- وحديث: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه) ] أخرجه أحمد في مسنده برقم: ( 20695) 34/299[.
وجه الدلالة: أن الأدلة السابقة تؤكد حرمة المال، ومصادرته بقوة السلطة دون رضا صاحبه اعتداء عليه بغير حق، وأكل له بالباطل؛ فيكون داخلا في عموم النهي.
نوقشت الأدلة السابقة: أنها أدلة عامة ورد تخصيصها بما ثبت من الأدلة الخاصة الدالة على جواز التعزير بالمال كما تقرر في دلالة الاتجاه الأول، والخاص مقدم على العام.
- إجماع الصحابة – رضي الله عنهم – على عدم العمل بالتعزير بالمال، فإن أبا بكر – رضي الله عنه – قاتل مانعي الزكاة، ولم يثبت عنه أنه أخذ أموالهم عقوبة لهم، ولم يخالَف في ذلك من الصحابة رضي الله عنهم، فدل ذلك على إجماعهم على حرمة التعزير بالمال.
نوقش: أن الإجماع لا يستقر على تقدير ما ثبت عن عمر – رضي الله عنه – في التعزير بالمال.
- “ولأن الشرع لم يشرع المصادرة في الأموال عقوبة على جناية مع كثرة الجنايات والعقوبات”([1])
نوقش: أن ما تقرر من الأدلة في الاتجاه الأول يدل على وقوعه في الشرع، والواقع لا يمكن إنكاره.
- ولأن التعزير بمصادرة المال يفتح الباب للحكام للعبث بأموال المسلمين تحت ذريعة التعزير، وفي هذا ظلم ومفسدة؛ فيجب منعه سدا للذرائع.
وسبب الخلاف: أن الأدلة العامة التي تواترت في إثبات حرمة المال ومنع الاعتداء عليه بغير حق هل تقوى على معارضة الأدلة الخاصة الواردة في التعزير بالمال وتخصيصها؟
وأما مجالات التعزير بمصادرة المال، فقد ذكروا من جملتها:
- الأموال المحظورة كالخمور والخنازير إذا ضبطت بأيدي المسلمين تجوز مصادرتها وإتلافها، وهذا لا إشكال فيه نظرا إلى انتفاء المالية فيهما، وبهذا صدرت فتاوى عدد من الدور؛ وذلك لدليلين:
الأول: حديث أنس- رضي الله عنه-قال : ( كنت أسقي أبا عبيدة وأبا طلحة وأبي بن كعب من فضيخ زهو وتمر فجاءهم آت فقال إن الخمر قد حرمت فقال أبو طلحة قم يا أنس فأهرقها، فأهرقتها) [أخرجه البخاري برقم: (5260) 5/2121، ومسلم برقم: (1980) 3/1572].
الثاني: حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- : أن رسول الله- صلى الله عليه و سلم- قال: (والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد) [أخرجه الترمذي برقم: (2233) 4/506، وصححه الألباني].
- الأموال المكتسبة بطرق غير مشروعة، كجرائم غسيل الأموال والربا والزنا…يجب على الحاكم الإنكار، وهل له التأديب بما يحقق الزجر؟ اختلفوا في ذلك على اتجاهين:
الأول: يجوز التأديب عليه، وصدر فتوى دار الإفتاء المصرية، ودائرة الإفتاء العام الأردنية بجواز مصادرته تعزيرا للجاني؛ وذلك لأن هذه الأموال حاصلة بطرق محرمة، وفي نقل يده عنها، وتحويلها لبيت المال لصرفها في وجوه البر: إنكارُ المنكر، وتأديب الفاعل، وتحقيق الزجر … وهذا كلُّه يفضي إلى القضاء على طرق الكسب المحرم، ويسدّ ذرائع الفساد.
الثاني: لا يجوز التأديب عليه، فيكون صاحبه مسؤولا عنه في التوبة إلى الله ومجانبة الحرام.
يقول الماوردي: “وأما المعاملات المنكرة كالزنا والبيوع الفاسدة وما منع الشرع منه مع تراضي المتعاقدين به إذا كان متفقا على حظره فعلى ولي الحسبة إنكاره والمنع والزجر عليه، وأمره في التأديب مختلف فيه”([2])
- الأموال المهربة: وبهذا صدر فتوى دار الإفتاء المصرية؛ حيث قالوا: إن الحاكم يجوز له مصادرة البضائع المهربة على جهة التعزير للمخالف لنظام الجمارك.
- مخالفة الأسعار المعتمدة من جهات الاختصاص أو الغش في السلع بالتقليد ونحوه.. يوجب مصادرة السلع، وهو الذي عليه العمل في المملكة العربية السعودية.
- احتكار الأقوات وقت الشدة، فإن جمهور الفقهاء على تحريمه، ويجب على الحاكم مصادرتها جبرا إذا أبى أن يبيعها للناس؛ ثم يبيع ما زاد عن حاجته بثمن المثل دفعا للضرر العام، وهذا ما أفتى به دار الإفتاء المصرية، وكثير من المعاصرين.
1. الأحكام السلطانية لأبي الحسن علي بن محمد البغداء الماوردي الشافعي (ت 450 هـ)
2. أحكام المصادرة – دراسة مقارنة بين الفقه الإسلامي والقانون الوضعي، د. محمد مطلق محمد العساف، دكتوراه بكلية الدراسات العليا، الجامعة الأردنية، عام : 2000 م.
3. إعلام الموقعين لمحمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية (ت 751 هـ)
4. البحر الرائق لزين الدين ابن نجيم الحنفي (ت 970ه)ـ
5. بدائع الصنائع لعلاء الدين أبو بكر بن مسعود الكاساني الحنفي
(ت 587هـ)
6. تبصرة الحكام لإبراهيم بن علي بن محمد بن فرحون المالكي (ت 799 هـ).
7. دار الإفتاء المصرية (www.dar-alifta.org)، فتوى رقم: (3969) ورقم: (3645).
8. دائرة الإفتاء العام الأردنية (www.aliftaa.jo)، فتوى رقم: (3222).
9. الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء (www.alifta.net) فتوى رقم: (8361).
10. شفاء الغليل لمحمد بن محمد الغزالي الشافعي (ت 505 هـ).
11. عقوبة المصادرة في الشريعة والنظام وتطبيقاتها في المملكة العربية السعودية، لعبد الرزاق بن محمد سليمان البدر، ماجستير بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، تخصص التشريع الجنائي عام: 1421 ه الموافق: 2001 م.
12. العقوبة بمصادرة الأموال، للدكتور مازن هنية.
13. كشاف القناع لمنصور بن يونس البهوتي الحنبلي (ت 1051 ه)
14. مصادرة الأموال في الفقه الإسلامي، لخليل محمد قنن، ماجستير بكلية الشريعة، قسم الفقه المقارن، الجامعة الإسلامية بغزة.
15. الموسوعة الفقهية الكويتية، إصدار: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.
16. الموقع الرسمي لابن باز (https;//binbaz.org.sa).