1. الجناية بالمفرقعات.
2. إصابات الألعاب النارية.
3. الاعتداء بالألعاب النارية.
4. التسبب في القتل بعيارات الأفراح النارية.
إذا قام شخص باستعمال الألعاب النارية لغرض الجناية على معصوم، وأدى ذلك إلى فوات نفس أو منفعة …يرد السؤال: في الوصف الشرعي لهذه الجناية والآثار المترتبة عليها؟
الألعاب النارية: عبارة عن مواد كيماوية سريعة الاشتعال، وتتكون من بارود ونترات البوتاسيوم، ويُحدِث غالبُها – إذا أطلقت على الهواء – أصواتا قوية وأنوارا مضيئة.
ونظرا لاشتمالها على المواد الكيماوية سريعة الاشتعال قد تتسبب في إتلاف النفوس والممتلكات إذا أسيء استعمالها، ويمكن بيانها إجمالا فيما يلي:
أولا: الأضرار الصحية.
وتتنوع الأضرار الصحية الناتجة عن استخدام الألعاب النارية إلى أربعة أقسام:
1. الأضرار على العين باعتبار أنها أكثر الأعضاء حساسية من الأجسام الغريبةـ، وتتسبب الألعاب النارية في إحداث حروق في الجفن، والتهابات حادة، وانفصال الشبكية، تصل في بعض الحالات إلى العمى الكلي.
2. الحروق والتشوهات واستنشاق الأدخنة السامة: وقد صدرت إحصائيات عدد من البلاد عن مناسبات احتفالات رأس السنة أكّدوا فيها: أن الألعاب النارية أدت إلى وفاة بعض الأفراد من جمهور المتفرجين، وإصابة المئات بحروق وجروح متفاوتة.
3. الأضرار على السمع: ويحصل ذلك بما يتأثر به من جراء سماع دوي الألعاب النارية، وهي أصوات مؤثرة لجهاز السمع خاصة لمن يعانون من أمراض مزمنة تتعلق بهذا الجهاز.
4. الضرر النفسي: بما تحدثه من أصوات مرعبة تسبب الهلع والخوف مما يؤدي إلى الحالة النفسية لدى الأطفال على وجه الخصوص.
ثانيا: إتلاف الممتلكات.
تتسبب هذه الألعاب في إتلاف المنازل والسيارات والمرافق العامة وسواها بما تحدثه من حرائق تؤدي إلى إتلافها.
أولا: تعتبر الجناية الواقعة بالألعاب النارية في مناسبات الأفراح من قبيل الخطأ من حيث الجملة لانتفاء القصد؛ ومن ثم إذا أدت إلى تلف نفس أو مال أو منفعة أوجبت الضمان والكفارة على الجناة، وللقاضي تعزيرهم بما يراه، وهذا ما أفتت به دائرة الإفتاء العام الأردنية.
ثانيا: إذا قصد الجاني بهذه الألعاب الاعتداء على شخص بعينه، فلا يخلو من إحدى حالتين:
الحالة الأولى: أن يؤدي إلى فوات النفس فيكون القتل في هذه الحالة – باعتبار أن الألعاب النارية موادٌ كيماوية قابلة للاشتعال – مخرّجا على القتل بالخنق أو النار أو السم تبعا لظروف الجناية وما يحيط بها من الأوصاف المؤثرة في تكييف الحكم.
وفيما يلي بيان خلاف الفقهاء في موجب القتل إذا ثبت بالخنق أو النار أو السم:
أولا: بيان موجب القتل بالخنق.
اختلف الفقهاء في موجَب القتل بالخنق على اتجاهين:
الاتجاه الأول: أن القتل بالخنق يوجب القصاص، وهو مذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة، وقول الصاحبين أبي يوسف، ومحمد بن الحسن الشيباني، ومقتضى ذلك: أن الجناية بالألعاب النارية توجب القود بشرطه.
الاتجاه الثاني: أن القتل بالخنق يوجب الدية على العاقلة، وهو مذهب أبي حنيفة، ومقتضاه: أن الجناية بالألعاب النارية لا توجب القصاص، وإنما تترتب عليها الدية على العاقلة.
استدل أصحاب الاتجاه الأول– القائلون بثبوت القصاص به – بجملة من الأدلة، أبرزها:
- قوله تعالى:(وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا ) [الإسراء:33].
وجه الدلالة: أن المقتول بالخنق قد قُتِل مظلوما، فوجب أن يكون لوليه القود؛ بدليل أنه أعقبه بالنهي عن الإسراف في القتل في قوله: (فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ) [الإسراء: ٣٣].
- ما رواه أنس – رضي الله عنه – أن النبي – ﷺ– رضّ رأس اليهودي الذي رض رأس الجارية. [أخرجه البخاري برقم: (2413) 3/121، ومسلم برقم: (1672) 3/1299].
وجه الدلالة: أن القتل بالخنق في معناه؛ فوجب أن يكون موجبا للقود بشرطه.
ونوقش: أن قتل اليهودي كان بسبب نقض العهد، وليس ذلك راجعا إلى القود.
- أن القتل بالخنق قتلٌ عمدٌ عدوان؛ فوجب أن يكون فيه القصاص كالقتل بالمحدد.
- ولأن القود مشروع لحراسة النفوس بدليل قوله تعالى:(وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ) [البقرة:179] والقتل بالخنق اعتداء عليها فلزم أن يكون موجبا للقصاص؛ وإلا أدى إلى تعطيله.
- ولأن الخنق عامل في إزهاق الروح بنفسه، والجارح مزهق بطريق الجراحة؛ فكان أولى.
استدل أصحاب الاتجاه الثاني – القائلون بثبوت الدية دون القصاص – بأدلة من أبرزها:
- قوله – عليه الصلاة والسلام – : (لا قود إلا بالسيف). [أخرجه ابن ماجه برقم: (2667) 2/889، والدارقطني برقم: (3109) 4/69، وضعفه كثير من أهل العلم].
- وقوله: (لا قود إلا بحديدة). [أخرجه الدارقطني برقم: (3110) 4/70، وضعفه كثير من أهل العلم].
- وقوله: (كل شيء خطأ إلا السيف). [أخرجه الدارقطني برقم: (3176) 4/105، وضعفه كثير من أهل النقل].
وجه الدلالة: أن “لا” النافية للجنس تدل على العموم؛ وبالتالي فإن القصاص يختص بالقتل الواقع بالسيف، وهذا ما فهمه الصحابة – رضي الله عنهم – كما روي ذلك عن علي وابن مسعود -رضي الله عنهما – أنهما قالا: “العمد السلاح” [أخرجه عبدالرزاق في مصنفه برقم: (17174) 9/271، وابن أبي شيبة برقم: (27675) 5/427].
ونوقش من وجهين:
الأول: أن الأحاديث المتقدمة ضعيفة لا تثبت عند أئمة النقل، ومن ثم فلا تنهض لإثبات الحكم المدعى في صورة النزاع.
الثاني: أن المراد بالحديثين الأولين حال الاستيفاء؛ وذلك يختلف عن آلة الجناية، والقاعدة: “أن الكلام إذا سيق لمعنى لا يحتج به في معنى غيره”.
- ما رواه المغيرة بن شعبة – رضي الله عنه – (أن امرأة ضربت ضرتها بعمود فسطاط، وهي حبلى؛ فقتلتها، فقضى رسول الله – ﷺ– بديتها على عصبتها). [أخرجه البخاري برقم: (6910) 9/11، ومسلم برقم: (1682) 3/1311].
وجه الدلالة: أن الحديث دليلٌ على سقوط القود بالقتل بالمثقل، والقتل بالخنق من جملة صوره فيدخل في عموم الحديث.
نوقش: أن الحكم الوارد في الحديث يتعلق بقضية عين، وقضايا الأعيان لا يتمسك بعمومها في إثبات الأحكام نظرا إلى خصوصيتها المانعة من الإلحاق.
- أنه لا فرق بين صغير المحدد وكبيره في إيجاب القود؛ فيجب أن يكون كبير المثقل لا يوجب القود كصغيره.
ونوقش: أن هذا القياس فاسد الاعتبار؛ لأنه على خلاف ما تواتر من النصوص في إثبات حكم القصاص بحصول الجناية على النفس على وجه العمد العدوان إذا توافر سائر شروطه.
ثانيا: بيان موجَب القتل بالنار.
أولا: تحرير محل النزاع.
اتفق الفقهاء على أن الجاني إذا أضرم النار على معصوم أو ألقاه فيها بحيث لا يمكنه التخلص منها لقوتها أو ضعفه…أن القتل في هذه الحالة من قبيل العمد؛ لأنه يقتل غالبا، ومقتضاه: أنه لو جنى عليه بالألعاب النارية بما لا يمكنه الخلاص كان عمدا باتفاق.
ثانيا: اختلفوا في حال أمكن المجنيُّ عليه التخلص منها فبقي حتى مات على ثلاثة اتجاهات:
الاتجاه الأول: يثبت القصاص على الجاني، وهذا وجه عند الشافعية، ومقتضاه: أن الجناية بالألعاب النارية عمدٌ يوجب القود بشرطه.
وعللوا ذلك: أن النار بقوتها قد تشنج الأعضاء فتحول دون حركته مما يمنع المجني عليه من الخلاص.
ونوقش: أن هذه الحالة تعد من قبيل العمد الخارج عن محل النزاع؛ لانتفاء القدرة على الانفكاك؛ وذلك يوجب أن يكون عمدا محضا.
الاتجاه الثاني: لا يثبت القصاص عليه، وإنما تجب الدية، وهو مذهب الحنفية والمالكية، وقول عند الشافعية، ووجه عند الحنابلة، ومقتضى ذلك: أن الجناية بالألعاب النارية توجب الدية دون القصاص.
واستدلوا على ذلك بما يلي:
- أن الجاني جنى بما يفضي إلى الهلاك، ومن ثم لا يمكن اعتبار الجناية هدرا لمجرد استدامة الجناية من المجني عليه؛ قياسا على ترك المداواة من المريض بما أدى إلى الهلاك في لزوم الدية به دون القصاص.
نوقش: أن بقاءه في النار جزء من الجناية، بخلاف ترك المداواة فلا يسبب زيادة في الجناية.
- أن للنار قوة في الحرارة تذهل عن محاولة التخلص منها، ولو ظهر خلافه.
ونوقش: أن النار إذا أذهلت عن محاولة الخلاص كان ذلك مما جرى الاتفاق على كونه موجبا للقصاص.
الاتجاه الثالث: لا يثبت فيه القصاص، ولا تلزمه الدية، وإنما يلزمه الأرش، وهو قول عند الشافعية، ووجه عند الحنابلة، ومقتضى ذلك: أن الجناية بالألعاب النارية توجب الأرش حصرا.
واستدلوا على ذلك بدليلين:
الأول: أن التلف حاصل بالاستدامة دون أصل الجناية، فأشبه ما جرحه فوسّع الجرح حتى مات.
نوقش: أن التلف حاصل بالجناية والاستدامة؛ بدليل: أنه لو لم تقع الجناية لم تتأت استدامتها.
الثاني: أن استدامة البقاء مع إمكان الخلاص منها يشبه ما إذا ألقاه في ماء يسير يمكنه الخروج منه فلم يفعل حتى مات، والجامع: إمكان إنقاذ النفس عند وجود سبب الهلاك في الحالتين.
ونوقش: أن الماء لا يُهلك بذاته بدليل أن الناس يدخلونه للسباحة، بخلاف النار فهي مهلكة بذاتها؛ فافترقا.
ثالثا: موجب القتل بالسم.
اختلفوا في موجب القتل بالسم إذا قصد الجاني قتل المجني عليه – وهو جاهل بالأمر – على اتجاهين:
الاتجاه الأول: أنه يوجب القود بشرطه، وهو قول عند الحنفية، ومذهب المالكية، والحنابلة، والظاهر عند الشافعية، ومقتضاه: أن الجناية بالألعاب النارية عمدٌ يوجب القصاص.
الاتجاه الثاني: أنه لا يوجب القود؛ وإنما يوجب التعزير وحده عند جمهور الحنفية، ويوجب الدية والكفارة في الأظهر عند الشافعية بناء على أنه شبه عمد، ومقتضاه: أن الجناية بالألعاب النارية شبه عمد فلا يوجب القصاص.
استدل أصحاب الاتجاه الأول – القائلون بأنه يوجب القود – بجملة من الأدلة، أبرزها:
- قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى) [بقرة:178].
- قوله تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) [البقرة:179].
- وقوله تعالى:(وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا)[الإسراء:33].
وجه الدلالة: أن هذه الأدلة عامة في أن القتل العمد يوجب القصاص، والقتل بالسم عمدٌ عدوان فدخل في هذا العموم.
ونوقش: أن هذه الأدلة عامة، وثبت في الصحيحين: (أن يهودية أتت النبي – ﷺ- بشاة مسمومة، فأكل منها، فجيء بها فقيل: ألا نقتلها، قال: لا). [أخرجه البخاري برقم: (2617) 3/163، ومسلم برقم: (2190) 4/1721].
- قصة الشاة المسمومة لما توفي بشر بن البراء بن معرور بعد أكلها أرسل النبي – ﷺ- إلى اليهودية: (ما حملك على الذي صنعت؟…) وفيه: (فأُمر بها فقتلت). [أخرجه أبو داود برقم: (4511) 4/174، وحسنه الألباني].
وجه الدلالة: أن بشرا مات بسبب السم، فقتلها النبي – ﷺ– قصاصا؛ فدل ذلك على أن القتل بالسم يوجب القود.
ونوقش: أنه على فرض ثبوت الخبر لا يحمل على القصاص، لأنه محض حق الأولياء لا يتم إلا بطلب استيفائه منهم.
- أنه سبب يؤدي إلى القتل غالبا، وفاعله عالم به قاصد للجناية فكان موجبا للقصاص كسائر ما يقتل غالبا.
استدل أصحاب الاتجاه الثاني – القائلون بأنه لا يوجب القود – بأدلة، من أبرزها:
- ما رواه الشيخان من حديث أنس – رضي الله عنه – : (أن يهودية أتت النبي – ﷺ – بشاة مسمومة، فأكل منها، فجيء بها فقيل: ألا نقتلها، قال: لا) [أخرجه البخاري برقم: (2617) 3/163، ومسلم برقم: (2190) 4/1721].
ونوقش: أن ما ورد عند أبي داود من قتلها بعد وفاة بشر بن معرور يدل على أن القتل بالسم يوجب القود إذا أدى إلى إتلاف النفس، فيكون أنس ناقلا لصدر الحديث، وبذلك يتم التوفيق بينهما.
- ولأن آكل السم أكله باختياره، فأشبه ما لو قدّم له سكينا، فقتل بها نفسه.
ونوقش: أن هذا القياس يرد عليه الفرق؛ لأن السكين معلوم النفع، وصاحبه عالم بنفعه وضرره، بخلاف السم فإنه قاتل خفي، وآكله غير عالم به؛ فافترقا.
الحالة الثانية: أن تؤدي الجناية بالألعاب النارية إلى فوات عضو أو منفعة، فيترتب عليه الضمان إذا كان مما ورد الشرع بتحديده؛ وذلك لتعذر الاستيفاء، والتعزير بما يراه القاضي مناسبا للجناية إذا كانت توجب التأديب.
1. الأحكام الفقهية المتعلقة بالأدخنة والأبخرة والغازات، إعداد: فاطمة بنت عبدالله الرشيد، ماجستير بقسم الفقه – كلية الشريعة – جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
2. حكم تنفيذ القصاص والإعدام بالوسائل الحديثة في الفقه الإسلامي لحمزة بن عبدالكريم الحماد (ط: دار المنظومة).
3. دائرة الإفتاء العام الأردنية (www.aliftaa.jo) فتوى رقم: (3041).
4. موقع: (ar.m.wikipedia.org) بعنوان: الألعاب النارية.