التسويق الهرمي.
يعتمد التسويق الشبكي على بيع المنتج من المصنع إلى المستهلك مباشرة، موفرًا بذلك مصروفات كثيرة للوسطاء، حيث تعتمد على مشاركة المستهلك لها في التسويق عن طريق ترويج المنتج لآخرين، وعليه يأخذ المستهلك من شركة التسويق عمولة مالية عن كل عدد تحدده الشركة بنظام معين.
اختلف العلماء المعاصرون في حكم هذا النوع من التسويق على اتجاهين:
الاتجاه الأول: تحريم هذه المعاملة، وممن ذهب إلى ذلك اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية، ولجنة الإفتاء العام الأردنية, ومجمع الفقه الإسلامي بالسودان, و مركز الفتوى بموقع إسلام ويب.
أهم أدلة هذا الاتجاه:
1/ أنها تضمنت الربا بنوعيه: ربا الفضل وربا النسيئة، فالمشترك يدفع مبلغًا قليلًا من المال ليحصل على مبلغ كبير منه، فهي نقود بنقود مع التفاضل والتأخير، وهذا هو الربا المحرَّم بالنص والإجماع، والمنتج الذي تبيعه الشركة للعميل ما هو إلا ستار للمبادلة، فهو غير مقصود للمشترك، فلا تأثير له في الحكم.
2/ أنها من الغرر المحرَّم شرعًا.
3/ ما اشتملت عليه هذه المعاملة من أكل الشركات لأموال الناس بالباطل.
الاتجاه الثاني:
جواز التسويق الشبكي، وهو ما أفتت به دار الإفتاء المصرية وعدد من المعاصرين.
أهم أدلة هذا القول:
1/ الأصل في المعاملات المالية الحل، كما هو مقرر في قواعد الشريعة، قال تعالى: ( وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ) [البقرة: 275]، ولا يعدو التسويق الشبكي أن يكون نوعًا من البيوع الجديدة, التي لم يأتِ نصٌّ من كتاب ولا سنة بالمنع منها، فتُرد إلى أصلها من الإباحة.
2/ أنه من قبيل السمسرة المشروعة، فالشركة تعطي هذه العمولات مقابل الدلالة على منتجاتها وشرائها، شأنها شأن أصحاب العقار, الذين يخصصون جزءًا من مبلغ الأرض المبيعة للوسيط, الذي قام بدلالة المشتري عليها.
3/ أن العمولات في التسويق الشبكي يمكن جعلها أيضًا من باب الجعالة الجائزة، والتي يستحقها المشترك عند إتيانه بعملاء جدد للشركة.
قرارات المجامع الفقهية والهيئات الشرعية والفتاوى العلمية.
أولًا: قرارات المجامع الفقهية: ـ
أصدر مجمع الفقه الإسلامي السوداني فتوى حول التسويق الشبكي بالسودان:
قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) [المائدة: 90].
بعد دراسة متأنية ومقابلات قامت بها دائرة الشؤون الاقتصادية والمالية بالمجمع مع المعنيين بالتسويق الشبكي والخبراء فيه من داخل وخارج السودان، سبق أن أصدر المجمع فتوى الحكم الشرعي في الاشتراك في شركة بزناس المحدودة, وما يشابهها من شركات التسويق الشبكي بتاريخ 25 ربيع الآخر 1424هـ يوافقه 25 يونيو 2003م. وقد تأكد للمجمع حينها أن مقصود الشركة هو بناء شبكة من الأفراد (في شكل متوالية هندسية أساسها اثنان), تتسع قاعدتها في شكل هرم، صاحب الحظ فيه هو قمة الهرم, الذي تتكون تحته ثلاث طبقات، وتدفع فيه قاعدة الهرم مجموع عمولات الذين فوقهم.
إن المنتج في شركات التسويق الشبكي ليس مقصودًا للمشتركين؛ وإنما المقصود الأول والدافع المباشر للاشتراك هو الدخل الذي يحصل عليه المشترك من خلال هذا النظام. وعليه فإن التسويق الشبكي ليس سوى تجميع اشتراكات من أفراد تديرها شركة، ويدفع فيه الأشخاص الذين في أسفل الهرم حوافز من سبقهم في أعلى الهرم بالإضافة لعمولة الشركة، وقد اتضح أن الأغلبية الساحقة من المشتركين في أسفل الهرم مخاطِرة أبدًا للدفع لمن فوقهم، وهم لا يدرون أتتكون تحتهم ثلاث طبقات, فيكسبون أم لا تتكون فيخسرون ما دفعوه للذين فوقهم. وهذا النوع من المخاطرة قمار لا شك فيه، فأصل القمار, كما يقول ابن تيمية (أن يؤخذ مال إنسان وهو على مخاطرة هل يحصل على عوضه أم لا) ([1]).
ومال القمار في التسويق الشبكي مضمن في السلعة ومدسوس في ثمنها. وحلبات المقامرة في التسويق الشبكي متداخلة في حلقات قمار غير منتهية، الرابح فيها هو السابق والمخاطر هو اللاحق في الشبكة.
ولذلك أكدت فتوى المجمع على الآتي:
1/ أن الاشتراك في شركة بزناس وما يشابهها من شركات التسويق الشبكي, لا يجوز شرعًا, لأنه قمار.
2/ أن نظام شركة بزناس وما يشابهها من شركات التسويق الشبكي لا صلة له بعقد السمسرة, كما تزعم الشركة، وكما حاولت أن توحِي بذلك لأهل العلم من خارج السودان، الذين أفتوا بالجواز على أنه سمسرة من خلال الأسئلة التي وُجِّهت لهم، والتي صوَّرتْ لهم الأمر على غير حقيقته.
بعد اجتماعات, وتقصي الدائرة الاقتصادية صدرت فتوى المجمع في نظام التسويق الشبكي، وأوصدت الجهات المختصة بالسودان الباب أمام شركات التسويق الشبكي ومقامراتها، التزمت بعض شركات التسويق الشبكي, ومنها شركة كويست نت بتعديل قوانينها بما يتماشى والشريعة الإسلامية للعمل بالسودان، وقد استجاب المجمع لذلك؛ ودخلت شركة كويست نت عبر وكيلها بالسودان، في حوارٍ طويلٍ مع المجمع, ممثلًا في دائرة الشئون الاقتصادية والمالية، ومن ضمن اجتماعاتها التقت الدائرة بالسيد (تي جي) عضو مجلس إدارة شركة كويست نت، الذي حمل معه ملاحظات الدائرة على خطة عمل الشركة، وبعد مكاتبات ـ عبر وكيلها بالسودان ـ أكدت من خلالها شركة كويست نت استعدادها لقبول التعديلات المطلوبة على خطة عملها، في السودان في مشروعٍ يعرف بخطة السودان، أصدر المجمع الفتوى رقم 6/د/2/1427هـ بتاريخ 21 شعبان 1427هـ، التي أجاز فيها لشركة كويست نت للتسويق الشبكي العمل بالسودان, وفقًا للشروط الآتية:
1/ عدم اشتراط شراء المنتج لاعتماد مسوّقي منتجات الشركة.
2/ لا مانع من فرض رسوم لاعتماد مسوّقي الشركة, على ألّا تتعدى التكلفة الحقيقية لأجرة الموقع بالشبكة الدولية، والخدمات الأخرى التي تتكفلها الشركة.
3/ يحقّ لأي مسوِّق الحصول على عمولة مباشرة عن كل مبيعٍ تم بوساطته.
4/ لا مانع من أن تدفع الشركة للمسوِّق بالإضافة للعمولات المباشرة, مكافأة النظام الشبكي, الذي يعتمد على النظام الثنائي وتحقيق التوازن في حساب العمولات.
5/ تتعهد الشركة بعدم إجراء أي تعديل في النظام الخاص بالسودان, خاصةً قيمة الحافز (العمولة) إلاّ بعد الرجوع لمجمع الفقه الإسلامي بالسودان.
أكدت شركة كويست نت التزامها بما ورد بالفتوى جملةً وتفصيلا، وذلك من خلال مكاتباتها للمجمع، ومن خلال إعلاناتها التي نُشِرت بالصحف بالرغم من ورود استفتاءات جديدة للمجمع، وأخبار تفيد بمخالفة شركة كويست نت لفتوى المجمع التي تحصَّلت بموجبها على جواز العمل بالسودان بعد تعديل أنظمتها وفقًا لمقتضيات الشريعة الإسلامية.
ولما وردت للمجمع مؤخرًا استفتاءات جديدة تؤكد مخالفة شركة كويست نت لشروط فتوى المجمع الصادرة بخصوصها، خاصة البنديْن(1،4) الوارد ذكرهما بشروط الفتوى رقم 6/د/2/1427هـ، وتأكد للمجمع ذلك، بعد التقصي الدقيق حول هذه الاستفتاءات، وبعد اجتماع دائرة الشئون الاقتصادية والمالية بالمجمع بوكيل الشركة بالسودان، وبكبار مسوِّقيها بالسودان بتاريخ 5/2/2008م, أصدر المجمع الفتوى الآتي نصها، بخصوص حرمة التعامل بنظام شركة كويست نت بالسودان، لكونه قمارًا يُحرِّمه شرعنا الحنيف:
السيد/ وكيل شركة كويست نت بالسودان
حفظه الله وتولاه بإحسان،،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الموضوع: فتوى بشأن عمل شركة كويست نت بالسودان
بدءًا يطيب للمجمع أن يشكر لكم حرصكم الشخصي على تقنين عمل شركة كويست نت بالسودان, وفقًا للشريعة الإسلامية وضوابطها في المعاملات، الذي استمر لمدة طويلة بذلتم فيها جهدًا أثمر الفتوى رقم 6/د/2/1427هـ؛ التي وضع فيها المجمع شروطًا وضوابط محددة لجواز عمل الشركة بالسودان.
وإشارة إلى الموضوع أعلاه، وما ورد إلى المجمع من استفتاءات من عدد من المواطنين تفيد بأن شركة كويست نت تفرِّق في حافزها الشبكي بين المسوِّق الذي يشتري المنتج وبين المسوِّق الذي لا يشتري المنتج. وقد سبق أن اجتمعت بكم الأمانة العامة للمجمع بذات الخصوص بتاريخ 1/9/2007م، حيث تمخض عن الاجتماع نشركم لإعلانٍ بالصحف اليومية, تؤكدون فيه التزام شركتكم بشروط فتوى المجمع الخاصة بعملها بالسودان.
وبعد دراسة الدائرة الاقتصادية للاستفتاءات، واجتماعها بكم بتاريخ 14 محرم 1429هـ يوافقه 22/1/2008م واجتماعها بكم وبكبار مسوقي الشركة بتاريخ 28 محرم 1429هـ يوافقه 5/2/2008م؛ بمقر المجمع، الذين أقرُّوا جميعًا بأن شركة كويست نت في خطتها الجديدة الخاصة بالسودان قد فرَّقت في حافزها بين المسوِّقين, كما أشير إليه أعلاه, وبذلك يكونون قد اعترفوا بما جاء في استفتاءات المواطنين المذكورة أعلاه.
وبما أن العلة الشرعية التي بُنِيَتْ عليها فتوى حظر شركات التسويق الشبكي الصادرة من المجمع قبل خمس سنوات تتمثل في كونه قمارًا (فتوى الحكم الشرعي للاشتراك في شركة بزناس, وما يشابهها من شركات التسويق الشبكي بتاريخ 25 ربيع 1424هـ يوافقه 25 يونيو 2003م), كما أن جميع حوارات الدائرة الاقتصادية مع مندوبي شركات التسويق الشبكي هدفت لتطهير نظام التسويق الشبكي من صفة القمار.
والتسويق الشبكي في حقيقته, وكما جاء في حيثيات فتوى المجمع يتكون من حلقات قمار متداخلة، مال القمار فيه مضمن في السلعة مدسوس في ثمنها، الرابح فيه هو السابق في الشبكة، والمخاطر فيه دومًا قاعدة الهرم المتعلقة بالأمل في الصعود. ومن ثمَّ كان إلغاء شرط شراء المنتج للاستفادة من حوافز التسويق الشبكي أمرًا جوهريًّا وأساسيًّا, لنفي صفة القمار عند المعاملة للرابحين، بحيث لا تترتب أي خسارة على المسوِّقين في حال فشلهم لبلوغ القمة.
ومما يؤسف له فقد تَبَيَّن للدائرة الاقتصادية بالمجمع بعد أن استمعت لكم ولكبار المسوِّقين، وبعد أن اطلعت على المستندات التي قدمتموها؛ أن شركة كويست نت لم تلتزم بشرط إلغاء شرط شراء المنتج لاعتماد مسوِّقي الشركة، وهو كما سبق شرط جوهري لتخليص التسويق الشبكي من صفة القمار. بل قامت الشركة بالالتفاف حوله في خطتها الجديدة؛ وذلك بتفريقها في الحافز الشبكي بين المسوِّق الذي اشترى المنتج وبين المسوِّق الذي لم يشتره، بأن جعلت حافز المسوِّق الذي يشتري خمسة أضعاف حافز المسوِّق الذي لم يشترِ.
لذلك أصبح التزام الشركة بالشرط التزامًا صوريًا يستبقي جوهر القمار في الخطة الجديدة لشركتكم؛ وعليه لا يجوز العمل بهذه الخطة لكونها قمارًا, يُحرِّمُهُ الشرع الحنيف.
وتجدر الإشارة إلى أن اعتماد حافز مباشر لكل من سوَّق منتجًا لا ينفي صفة القمار عن خطة الشركة؛ لأن المأخذ الأساسي على شركات التسويق الشبكي هو الحافز الشبكي المتضمن للمخاطرة المفضية للقمار, وليس الحافز المباشر.
الفتوى: بناءً على ما سبق, فإن المجمع يرى أن عمل شركة كويست نت بالسودان في خطتيها القديمة والجديدة لا يجوز العمل به, لكونه قمارًا حرَّمه الشرع، وبسبب مخالفتهم الصريحة لفتوى المجمع في ذلك. والله الموفق
أ.د.أحمد خالد بابكر/ الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي.
ثانيًا: قرارات وفتاوى الهيئات الشرعية:
1/ فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
سئلت اللجنة عن موضوع التسويق الشبكي ([2]).
فأجابت بما يلي:
إن هذا النوع من المعاملات محرَّم، وذلك أن مقصود المعاملة هو العمولات وليس المنتج، فالعمولات تصل إلى عشرات الآلاف، في حين لا يتجاوز ثمن المنتج بضع مئات، وكل عاقل إذا عرض عليه الأمران فسيختار العمولات، ولهذا كان اعتماد هذه الشركات في التسويق والدعاية لمنتجاتها هو إبراز حجم العمولات الكبيرة, التي يمكن أن يحصل عليها المشترك، وإغراءه بالربح الفاحش مقابل مبلغ يسير هو ثمن المنتج، فالمنتج الذي تسوقه هذه الشركات مجرد ستار, وذريعة للحصول على العمولات والأرباح، لما كانت هذه هي حقيقة هذه المعاملة، فهي محرَّمة شرعًا لأمور:
أولًا: أنها تضمنت الربا بنوعيه: ربا الفضل وربا النسيئة، فالمشترك يدفع مبلغًا قليلًا من المال ليحصل على مبلغ كبير منه، فهي نقود بنقود مع التفاضل والتأخير، وهذا هو الربا المحرَّم بالنص والإجماع، والمنتج الذي تبيعه الشركة للعميل ما هو إلا ستار للمبادلة، فهو غير مقصود للمشترك، فلا تأثير له في الحكم.
ثانيًا: أنها من الغرر المحرَّم شرعًا ؛ لأن المشترك لا يدري هل ينجح في تحصيل العدد المطلوب من المشتركين أو لا ؟ والتسويق الشبكي أو الهرمي مهما استمر, فإنه لابد أن يصل إلى نهاية يتوقف عندها، ولا يدري المشترك حين انضمامه إلى الهرم, هل سيكون في الطبقات العليا منه فيكون رابحًا، أو في الطبقات الدنيا فيكون خاسرًا؟ والواقع أن معظم أعضاء الهرم خاسرون إلا القلة القليلة في أعلاه، فالغالب إذن هو الخسارة، وهذه حقيقة الغرر، وهي التردد بين أمرين أغلبهما أخوفهما، وقد نهى النبي ﷺ عن الغرر، كما رواه مسلم في صحيحه.
ثالثًا: ما اشتملت عليه هذه المعاملة من أكل الشركات لأموال الناس بالباطل ؛ حيث لا يستفيد من هذا العقد إلا الشركة, ومن ترغب إعطاءه من المشتركين بقصد خداع الآخرين، وهذا الذي جاء النص بتحريمه في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ) [النساء: 29].
رابعًا: ما في هذه المعاملة من الغش والتدليس والتلبيس على الناس، من جهة إغرائهم بالعمولات الكبيرة, التي لا تتحقق غالبًا، وهذا من الغش المحرَّم شرعًا، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من غش فليس مني) رواه مسلم في صحيحه [صحيح مسلم (ح 102)]. وقال أيضًا: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبيَّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما) [أخرجه البخاري (ح 1973) مسلم (ح 1532) ].
وأما القول: إن هذا التعامل من السمسرة، فهذا غير صحيح، إذ السمسرة عقد يحصل السمسار بموجبه على أجر لقاء بيع السلعة، أما التسويق الشبكي فإن المشترك هو الذي يدفع الأجر لتسويق المنتج، كما أن السمسرة مقصودها السلعة حقيقة، بخلاف التسويق الشبكي فإن المقصود الحقيقي منه هو تسويق العملات وليس المنتج، ولهذا فإن المشترك يُسوّق لمن يُسوِّق، هكذا بخلاف السمسرة التي يُسوق فيها السمسار, لمن يريد السلعة حقيقة، فالفرق بين الأمرين ظاهر
وأما القول: إن العمولات من باب الهبة فليس بصحيح، ولو سلم فليس كل هبة جائزة شرعًا، فالهبة على القرض ربا، ولذلك قال عبد الله بن سلام لأبي بردة ¶: (إنك في أرضٍ الربا فيها فاش، فإذا كان لك على رجل حق فأهدى إليك حمل تبن أو حمل شعير أو حمل قت فإنه ربا). رواه البخاري في الصحيح، والهبة تأخذ حكم السبب الذي وجدت لأجله، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (أفلا جلست في بيت أبيك وأمك, فتنظر أيهدى إليك أم لا؟) متفق عليه [البخاري (6260) ومسلم (1832)].
وهذه العمولات إنما وجدت لأجل الاشتراك في التسويق الشبكي، فمهما أعطيت من الأسماء, سواء هدية أو هبة أو غير ذلك، فلا يغيِّر ذلك من حقيقتها وحكمها شيئًا.
ومما هو جدير بالذكر أن هناك شركات ظهرت في السوق, سلكت في تعاملها مسلك التسويق الشبكي أو الهرمي، وحكمها لا يختلف عن الشركات السابق ذكرها، وإن اختلف عن بعضها فيما تعرضه من منتجات، وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
2/ لجنة الإفتاء العام الأردنية (سماحة المفتي العام السابق الدكتور نوح علي سلمان).
سئلت اللجنة عن موضوع التسويق الشبكي ([3]).
فأجابت بما يلي:
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
أسلوب التسويق الشبكي وأخذ العمولات عليه ليس من باب السمسرة الشرعية، بل هو من باب الميسر والمقامرة المحرمة؛ لأن المشتركين عادة لا يشتركون إلا بغرض تحصيل المكافآت على إحضار زبائن آخرين، فإذا جلب المشترك عددًا من الزبائن، وحقق شروط الشركة: أخذ عمولته التي قد تزيد أو قد تنقص عن المبلغ الذي دفعه ابتداء، وإذا فشل خسر المبلغ كله، وهذا الاحتمال يُدخِلُ المعاملة في أبواب الغرر والميسر.
وأما إدخال (الساعة) أو أي بضاعة أخرى, فلا يقلب المعاملة إلى الحِل؛ لأن الغرض منها هو التوصل إلى المال، وليست مقصودة لذاتها، بدليل أن ثمنها المعروض في الشركة أغلى من قيمتها الحقيقية في السوق، وبدليل أن المساهم في هذه الشركة إنما يطمع في المبالغ المتحصلة من عمولات الزبائن, التي قد تفوق قيمة تلك البضاعة.
وحتى لو قصد أحد الأفراد تحصيل البضاعة المباعة لذاتها، فإن الوضع العام للشركة لا يقوم على أساس المتاجرة بها، بل على أساس تجميع أكبر قدر من المشتركين، وإطماع الطبقة العليا من الشبكة الهرمية بالمكافآت، على حساب الطبقة الدنيا التي هي الأكثرية من الناس, الذين لا يحصلون على شيء، وهذا يعنى وجود قلة غانمة من الناس على حساب أكثرية غارمة. وكفى بهذا فسادًا وإفسادًا.
وقد سبق لكثير من اللجان الشرعية والباحثين المتخصصين دراسة هذا النوع من المعاملات الحادثة، وبيان وجود الكثير من الأخطار والمحاذير الشرعية. والله تعالى أعلم.
[1]) فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (19/283) .
[2]) ينظر : نص السؤال في فتوى رقم (22935) .
[3]) ينظر : نص السؤال في فتوى رقم (644) .
1/ التسويق التجاري وأحكامه (رسالة دكتوراه), د. حسين بن علوي الشهراني, جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية, كلية الشريعة, الرياض.
2/ التسويق الشبكي: تكييفه وأحكامه الفقهية (رسالة ماجستير), بندر بن صقر الذيابي, جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية, المعهد العالي للقضاء, الرياض.
3/ فتوى مجمع الفقه الإسلامي 10/ ربيع أول 1429هـ الموافق له 18/ مارس 2008م.
4/ لجنة الإفتاء العام الأردنية (سماحة المفتي العام السابق الدكتور نوح علي سلمان) , فتوى رقم (644).
5/ اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء, فتوى رقم (22935)
6/ موقع الإسلام سؤال وجواب، فتوى رقم (42579).