الانصهار في المجتمع.
التعايش.
الذوبان في المجتمع.
ينشأ عن إقامة المسلم في البلاد غير الإسلامية تعرضه للاندماج أو الانصهار في المجتمع الذي يعيش فيه، وقد يترتب على ذلك التخلي عن الخصوصيات الدينية والثقافية، فما موقف المسلم من الاندماج وهل يمكن تحقيقه مع المحافظة على هذه الخصوصيات؟.
سياسات الاندماج المتبعة في بلاد الأقليات المسلمة تتراوح بين اتجاهين:
اتجاه يغلب جانب الانصهار في المجتمع، ولو أدى ذلك إلى التخلي عن الخصوصيات الدينية والثقافية للفئات المندمجة.
واتجاه آخر يرى ضرورة الموازنة بين مقتضيات الاندماج ومقتضيات الحفاظ على الخصوصيات الثقافية والدينية، والاتجاه الثاني هو الذي يعبر عن الاندماج الإيجابي، وهو مسؤولية مشتركة بين المسلمين وبقية المجتمع من غير المسلمين.
وهذا ما يراه المجلس الأوروبي للإفتاء([1])، ورأى المجلس أن من أهم مقتضيات الاندماج الإيجابي التي لا حرج فيها بل يحث عليها الإسلام:
ضرورة معرفة لغة المجتمع الذي يعيش فيه المسلم، وأعرافه ونظمه، والالتزام تبعا لذلك بالقوانين العامة لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (المائدة 1).
المشاركة في شؤون المجتمع، والحرص على خدمة الصالح العام، عملا بقوله تعالى: (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الحج 77).
العمل على الخروج من وضع البطالة، ليكون المسلم فاعلا منتجا عملا بالهدي النبوي الشريف: ” اليد العليا خير من اليد السفلى، فاليد العليا هي المنفقة واليد السفلى هي السائلة ” متفق عليه.
وإن من أهم مقتضيات الاندماج التي يرجى أن يحققها المجتمع:
العمل على إقامة العدل وتحقيق المساواة بين جميع المواطنين في سائر الحقوق والواجبات، وبالخصوص حماية حرية التعبير والممارسة الدينية، وكفالة الحقوق الاجتماعية.
مقاومة مظاهر العنصرية والحد من العوامل المغذية لمعاداة الإسلام.
تشجيع مبادرات التعارف الديني والثقافي بين المسلمين وغيرهم بما يحقق التفاعل بين أبناء المجتمع الواحد.
ولتحقيق الاندماج الإيجابي المتوازن: يدعو المجلس المسلمين إلى العمل على حفظ شخصيتهم الإسلامية دون انغلاق وانعزال أو تحلل وذوبان في المجتمع، وإلى إقامة المؤسسات الدعوية والتربوية والاجتماعية اللازمة لذلك.
ويدعو المجتمعات غير الإسلامية، وخصوصا الهيئات المعنية بقضية الاندماج إلى الانفتاح على المسلمين والتواصل مع المؤسسات الإسلامية، لدراسة مقتضيات الاندماج وتيسير سبله بما يفيد المجتمع وبما يمكن المسلمين من الحفاظ على هويتهم الإسلامية.
وجاء في بيان الدورة التاسعة عشرة للمجلس الأوروبي للإفتاء ما نصه: ” كذلك يوصي المجلس المسلمين المقيمين في أوروبا بما اعتاد أن يوصي به ويؤكد عليه:
1 – أن يراعوا الحقوق كلها، وأن يعطوا الصورة الطيبة والقدوة الحسنة من خلال أقوالهم وتصرفاتهم وسلوكهم.
2 – أن يقوموا بدورهم بالإبداع والابتكار، وتشجيع ذلك على كافة المستويات.
3 – أن يبذلوا أقصى الوسع في تنشئة أبنائهم وبناتهم تنشئة إسلامية معاصرة، وذلك بتأسيس المدارس والمراكز التربوية والترفيهية لحمايتهم من الانحراف.
4 – أن يسعوا جادين لإنشاء شركات ومؤسسات مالية تخلو من المخالفات الشرعية.
5 – أن يعملوا على تشكيل هيئات شرعية تتولى تنظيم أحوالهم الشخصية وفق أحكام الشريعة الإسلامية، مع مراعاة الالتزام بالقوانين السائدة.
6 – أن يبذلوا وسعهم للحصول على اعتراف الدولة التي ينتمون إليها أو يقيمون فيها بالإسلام ديناً، وبالمسلمين مواطنين كغيرهم في التمتع بحقوقهم كاملة، وفي تنظيم أحوالهم الشخصية كالزواج والطلاق وفقاً لأحكام دينهم.
7 – أن يلتزموا ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وأجمع عليه فقهاء الإسلام، من وجوب الوفاء بمقتضيات المواطنة أو عقد الإقامة، والالتزام بالقانون والنظام العام في البلاد التي يعيشون فيها.
8 – أن يتجنبوا العنف بكل صوره ومظاهره، وأن يكون أسلوبهم الرفق والرحمة والحكمة في التعامل مع الناس جميعاً كما يأمرهم الإسلام، وأن ينكروا على كل من حاد عن هذا الطريق الإسلامي السوي.
كما يوصي المجلس المسلمين عامة والمقيمين في أوروبا خاصة بالاعتصام بحبل الله، والأخوّة، والسماحة، والوسطية، والتعاون على البر والتقوى، والتزام الحوار الهادئ والأساليب السلمية في معالجة قضايا الخلاف، بعيداً عن مناهج التشدد ومسالك التطرف التي تشوه صورة الإسلام، وتسيء أبلغ الإساءة إلى المسلمين، فيتلقفها خصوم الإسلام والجاهلون به للتشنيع عليه والتخويف منه ومن أهله واستعداء الأمم عليهم، وقد قال الله تعالى: ( ادعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحسَن ) [النحل 125].
• قرارات المجلس الأوروبي للإفتاء.
• فقه الأقليات المسلمة بين فقه الاندماج والمواطنة وفقه العزلة تأليف د. نادية محمود مصطفى.