قسم الأطعمة واللباس والزينة والآدابباب الآداب العامة و الاحتفالات

الاحتفال بالألفية الميلادية

مسألة رقم 65

صورة المسألة

يحتفل البعض في نهاية الألف سنة الميلادية لميلاد المسيح عيسى عليه السلام, ويتكرر الاحتفال على رأس كل ألف سنة ميلادية تالية.

حكم المسألة

حرم الفقهاء المعاصرون الاحتفال بالألفية, لما يأتي:

أولاً: أن اليهود والنصارى يعلقون على هذه الألفية أحداثًا وآلامًا وآمالاً يجزمون بتحققها أو يكادون؛ لأنها ناتجة عن بحوث ودراسات كما زعموا، كما يربطون بعضًا من قضايا عقائدهم بهذه الألفية، زاعمين أنها مما جاءت في كتبهم المحرفة، والواجب على المسلم ألا يلتفت إليها، ولا يركن إليها، بل يستغني بكتاب ربه سبحانه، وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- عما سواهما، وأما النظريات والآراء المخالفة لهما فلا تعدو كونها وهمًا.

 

ثانيًا: لا تخلو هذه المناسبة وأشباهها من لبس الحق بالباطل، والدعوة إلى الكفر والضلال والإباحية والإلحاد، وظهور ما هو منكر شرعًا، ومن ذلك: الدعوة إلى وحدة الأديان، وتسوية الإسلام بغيره من الملل والنحل الباطلة، والتـبرك بالصليب، وإظهار شعائر الكفر النصرانية واليهودية، ونحو ذلك من الأفعال والأقوال التي تتضمن: إما كون الشريعة النصرانية واليهودية المبدلتين المنسوختين موصلة إلى الله، وإما استحسان بعض ما فيهما مما يخالف دين الإسلام، أو غير ذلك مما هو كفر بالله وبرسوله وبالإسلام بإجماع الأمة. هذا فضلاً عن كونه وسيلة من وسائل تغريب المسلمين عن دينهم.

 

ثالثًا: استفاضت الأدلة من الكتاب والسنة والآثار الصحيحة في النهي عن مشابهة الكفار فيما هو من خصائصهم، ومن ذلك مشابهتهم في أعيادهم واحتفالاتهم بها، والعيد: اسم جنس، يدخل فيه كلُّ يوم يعود ويتكرر يعظمه الكفار، أو مكـانٍ للكفار لهـم فيه اجتماع ديني، وكل عمل يحدثونه في هذه الأمكنة والأزمنة فهو من أعيادهم، فليس النهي عن خصوص أعيادهم، بل كـل ما يعظمونه من الأوقات والأمكنة التي لا أصل لها في دين الإسلام، وما يحدثونه فيها من الأعمال يدخل في ذلـك، وكـذلك ما قبله وما بعده من الأيام التي هي كالحريم له، كما نبه على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى. ومما جـاء في النهي عن خصوص المشابهة في الأعيـاد قوله تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) [الفرقان: ٧٢] في ذكر صفات عباد الله المؤمنين، فقد فسرها جماعة من السلف، كـابن سـيرين ومجاهد والربيع بن أنس بأن الزور هو: أعياد الكفار، وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: (قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة، ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن الله قد أبدلكم بهما خيرًا منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر) [أبو داود (1134)].

وصح عن ثابت بن الضحاك -رضي الله عنه- أنه قال: (نذر رجل على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ينحر إبلاً ببوانة، فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني نذرت أن أنحر إبلاً ببوانة، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا: لا، قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ قالوا: لا، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أوفِ بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم) [أبو داود (3113)].

وقـال عمـر بـن الخطاب -رضي الله عنـه-: (لا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم، فإن السخطة تنزل عليهم) [البيهقي (9/432)].

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: (من بنى ببلاد الأعاجم، فصنع نيروزهم ومهرجانهم، وتشبه بهـم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة) [البيهقي (9/234)].

 

رابعًا: ويُنهى أيضًا عن أعياد الكفار لاعتبارات كثيرة منها:

  • أن مشابهتهم في بعـض أعيادهم يوجب سرور قلوبهم وانشراح صدورهم بما هم عليه من الباطل.
  • المشابهة والمشاكلة في الأمور الظاهرة توجب مشابهةً ومشاكلةً في الأمور الباطنة، من العقائد الفاسدة على وجه المسارقة والتدرج الخفي.
  • ومـن أعظم المفاسـد أيضًا الحاصلة من ذلـك: أن مشابهة الكفار في الظاهر تورث نوع مودة ومحبة وموالاة في الباطن، والمحبة والموالاة لهم تنافي الإيمان، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) [المائدة:51]، وقـال سبحانه: (لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) [المجادلة:22] الآية.

 

خامسًا: بناء على ما تقدم فلا يجوز لمسلم يؤمن بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم-نبيًّا ورسولاً أن يقيم احتفالاتٍ لأعياد لا أصل لها في دين الإسلام، ومنها الألفية المزعومة، ولا يجوز أيضًا حضورها ولا المشاركة فيها، ولا الإعانة عليها بأي شيء كـان؛ لأنها إثم ومجاوزة لحدود الله، والله تعالى يقول: (وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [المائدة:2].

 

سادسًا: لا يجوز لمسلم التعاون مع الكفار بأي وجه من وجوه التعاون في أعيادهم، ومن ذلك إشهار أعيادهم وإعلانها، ومنها الألفية المذكورة، ولا الدعوة إليها بأية وسيلة، سواء كانت الدعوة عن طريق وسائل الإعلام، أو نصب الساعات واللوحات الرقمية، أو صناعة الملابس والأغراض التذكارية، أو طبع البطاقات أو الكراسات المدرسية، أو عمل التخفيضات التجارية والجوائز المادية من أجلها، أو الأنشطة الرياضية، أو نشر شعار خاص بها.

 

سابعًا: لا يجـوز لمسلم اعتبـار أعيـاد الكفـار، ومنهـا الألفية المذكورة ونحوها مناسبات سعيدة وأوقاتًا مباركة، فتعطل فيها الأعمال، وتجرى فيها عقود الزواج، أو ابتداء الأعمال التجارية، أو افتتاح المشاريع وغيرها، ولا يجوز أن يعتقد في هذه الأيام ميزة على غيرها؛ لأن هذه الأيام كغيرها من الأيام، ولأن هذا من الاعتقـاد الفاسد الذي لا يغير من حقيقتها شيئًا، بل إن هذا الاعتقاد فيها هو إثم على إثم. نسأل الله العافية والسلامة.

 

ثامنًا: لا يجوز لمسلم التهنئة بأعياد الكفار؛ لأن ذلك نوع رضى بما هم عليه من الباطل، وإدخال للسرور عليهم. قال ابن القيم -رحمه الله-: (وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل: أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنـأ بهذا العيد، ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب،بل ذلك أعظم إثمًا عند الله، وأشد مقتًا من التهنئة بشرب الخمر، وقتل النفس، وارتكـاب الفرج الحرام ونحوه، وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنَّأ عبدًا بمعصية أو بدعة أو كفرٍ فقد تعرض لمقت الله وسخطه)([1]).

 

تاسعًا: شرف للمسلمين التزامهم بتاريخ هجرة نبيهم محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي أجمع عليه الصحابة رضي الله عنهم، وأرَّخوا به بدون احتفال، وتوارثه المسلمون من بعدهم منذ أربعة عشر قرنًا إلى يومنا هذا؛ لذا فلا يجوز لمسلم التولي عن التاريخ الهجري، والأخذ بغيره من تواريخ أمم الأرض، كالتاريخ الميلادي، فإنه من استبدال الذي هو أدنى بالذي هوخير.


([1]) أحكام أهل الذمة لابن القيم 1/441.

المراجع

1. فتاوى اللجنة الدائمة (26/411).
2. مجموع فتاوي ابن باز (6/405).
3. مجموع فتاوي ابن إبراهيم (3/105).
4. مجموع فتاوي ابن عثيمين (3/44).

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى