قسم العباداتباب الجهاد

الإجارة على الجهاد واستخدام المرتزقة

مسألة رقم 198

صورة المسألة

استخدمت في العصر الحديث كثير من الوسائل الحربية, منها ما يسمى باستئجار المرتزقة.
وهم أشخاص يستفاد منهم في المعارك والحروب نظير إعطائهم أجرة، فماحكم استخدام هؤلاءالمرتزقة في الجهاد في سبيل الله؟

حكم المسألة

لا خلاف بين العلماء في عدم جواز أخذ الأجرة على الجهاد في سبيل الله إذا تعين على المجاهد؛ لأنه إذا تعين عليه الفرض لم يجز أن يفعله عن غيره، كالحج.

واختلفوا فيما إذا كان الجهاد فرض كفاية إلى قولين([1]):

القول الأول: لا يجوز أخذ الأجرة على الجهاد مطلقا، وبهذا قال جمهور الفقهاء.

القول الثاني: يجوز أخذ الأجرة، وهذا قول عند الحنابلة, وقول ابن حزم.

أما ما يعطى المجاهد من بيت مال المسلمين إذا كان في ديوان الجند، سواء كان العطاء سنويًا أم شهريا، فإن ذلك إعانة له على الجهاد، وترغيب له فيه، وكفاية له ولمن يعوله؛ لأنه حبس نفسه على الجهاد، وليس ذلك أجرا على الجهاد في سبيل الله، وإنما أجره على الجهاد إذا أخلص النية يناله من الله عز وجل، وهو أعظم من أن يقاس بعطاء دنيوي، وهذا كله في حق المسلم.

وأما غير المسلم من الأجانب سواء كانوا مستأمنين أو من أهل الذمة أو معاهدين, فمن العلماء من قال: يجوز استخدامهم مطلقا بصفتهم متعاقدين أو مستخدمين أو مرتزقة لمصلحة الجيش الإسلامي، ويعطون ما يستحقونه من أجور ومكافآت على ما يقومون به من أعمال.

وذهب آخرون إلى أنه يجوز الاستعانة بهم عند الضرورة، وهذا ماأقره مجلس هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: – الاستعانة بغير المسلمين فهذا حكمه معروف عند أهل العلم والأدلة فيه كثيرة، والصواب ما تضمنه قرار هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية أنه يجوز الاستعانة بغير المسلمين للضرورة إذا دعت إلى ذلك لرد العدو الغاشم والقضاء عليه وحماية البلاد من شره إذا كانت القوة المسلمة لا تكفي لردعه جاز الاستعانة، ممن يظن فيهم أنهم يعينون ويساعدون على كف شره وردع عدوانه، سواء كان المستعان به يهوديا أو نصرانيا أو وثنيا أو غير ذلك إذا رأت الدولة الإسلامية أن عنده نجدة ومساعدة لصد عدوان العدو المشترك. وقد وقع من النبي ﷺ هذا في مكة، فقد استعان بمطعم بن عدي لما رجع من الطائف وخاف من أهل مكة بعد موت عمه أبي طالب، فاستجار بغيره فلم يستجيبوا، فاستجار بالمطعم وهو من كبارهم في الكفر وحماه لما دعت الضرورة إلى ذلك، وكان يعرض نفسه عليه الصلاة والسلام على المشركين في منازلهم في منى يطلب منهم أن يجيروه حتى يبلغ رسالة ربه عليه الصلاة والسلام على تنوع كفرهم، واستعان بعبد الله بن أريقط في سفره وهجرته إلى المدينة -وهو كافر- لما عرف أنه صالح لهذا الشيء، وأن لا خطر منه في الدلالة، وقال يوم بدر: «لا أستعين بمشرك» [مسلم (1817)]، ولم يقل: “لا تستعينوا” بل قال: « لا أستعين » لأنه ذلك الوقت غير محتاج لهم والحمد لله معه جماعة مسلمون، وكان ذلك من أسباب هداية الذي رده حتى أسلم. وفي يوم الفتح استعان بدروع من صفوان بن أمية، وكان على دين قومه، فقال: (أغصبا يا محمد) فقال: (لا ولكن عارية مضمونة)، [أبوداود في سننه (3562)]، واستعان باليهود في خيبر لما شغل المسلمون عن الحرث بالجهاد وتعاقد معهم على النصف في خيبر حتى يقوموا على نخيلها وزروعها بالنصف للمسلمين والنصف لهم، وهم يهود، لما رأى المصلحة في ذلك. فاستعان بهم لذلك، وأقرهم في خيبر، حتى تفرغ المسلمون لأموالهم في خيبر في عهد عمر فأجلاهم عمر رضي الله عنه ثم القاعدة المعروفة يقول الله جل وعلا: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) ، [الأنعام: 119]، فالاستعانة العارضة بطوائف من المشركين لصد عدوان العدو الأشر والأخبث لدفع عدوانه والقضاء عليه وحماية المسلمين من شره أمر جائز شرعا حسب الأدلة والقواعد الشرعية).


([1]) بدائع الصنائع (4/44) المدونة (2/44), وروضة الطالبين (10/240)، المنهاج مع مغني المحتاج (4/222)، المغني (13/164)، المحلى بالآثار (7/15).

المراجع

1. الجهاد والقتال في السياسة الشرعية د. محمد خير هيكل (2/1052).
2. مجلة البحوث الإسلامية (43/13-16).
3. مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز (18/239).

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى