قسم الأسرةباب الوقف

الأمانة الوقفية المستمرة للأحياء

المسألة رقم 112

العناوين المرادفة

1. ضمان دخل الشيخوخة.
2. المحافظة على أكبر قدر من التركة للورثة.

صورة المسألة

تقوم فكرة الأمانة الوقفية المستمرة للأحياء على إنشاء وقف ذري يكون الأمين فيه هو الواقف نفسه، يخلفه ورثته من بعد موته، ثم يحول الواقف ما يشاء من أملاكه، أو أملاكه كلها، إلى هذا الوقف.
وبذلك تتحول أملاك الواقف من كونها في يده ملكا إلى كونها في يده أمانة، فلا تركة تورث عنه، ولا ضريبة تركات. وفي نفس الوقت لا يفقد شيئا من المنافع الاستعمالية أو الاستغلالية التي يحصل عليها من تلك الأملاك، لأنه هو أول الموقوف عليهم. كما أنه يحتفظ بالسيطرة على الأملاك نفسها وبحق اتخاذ القرار المتعلق بها.

حكم المسألة

يتوقف الحكم في هذه المسألة على أمرين:

الأمر الأول: حكم وقف الشخص على نفسه.

الرأي الأول: صحة الوقف على النفس.

قال بهذا القول أبو يوسف من الحنفية وهو المعتمد عندهم([1]) وهو وجه عند الشافعية([2])، ورواية عند الحنابلة([3]) ذهب إليها شيخ الإسلام ابن تيمية([4])، وإليه ذهب أهل الظاهر([5]).

 

الرأي الثاني: عدم صحة الوقف على النفس.

وإليه ذهب المالكية([6]) والشافعية([7])

والحنابلة في المشهور من المذهب([8])، وبه قال محمد بن الحسن من الحنفية([9]).

أدلة القائلين بالمنع:

  1. عن ابن عمر رَضِيَ الله عَنْهُما في قصة وقف عمر رَضِيَ الله عَنْهُ، وفيه قال النبي ﷺ : ” حبّس الأصل وسبّل الثمرة ” أخرجه الإمام أحمد (2/114)، والنسائي (6/232)، وأصله في الصحيحين، وصححه الألباني في الإرواء (6/31).

وجه الاستدلال: أن تسبيل الثمرة تمليكها للغير، ولا يتصور أن يملك الشخص من نفسه لنفسه، وحقيقة الوقف على النفس تمليك للنفس على النفس([10]).

  1. أن التقرب بإزالة الملك واشتراط كامل الانتفاع أو بعضه لنفسه يمنع زوال ملكه فيبطل الوقف([11]).

 

أدلة القائلين بالصحة:

  1. عن جابر رَضِيَ الله عَنْهُ أن النبي ﷺ قال لرجل ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء فلأهلك فـإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا أخرجه مسلم (997)، وثم أحاديث بنفس المعنى كثيرة، انظر: نصب الراية (3 / 479)، الدراية في تخريج أحاديث الهداية (2/ 146).

وجه الاستدلال: أن النبي ﷺ جعل الصدقة على النفس هي المقدمة، والوقف نوع من الصدقة، فإذا جازت الصدقة على النفس فكذلك الوقف عليها.

  1. عن عثمان رَضِيَ الله تعالى عَنْهُ أن النبي ﷺ قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة فقال: ” من يشتري بئر رومة فيجعل فيها دلوه مع دلاء المسلمين يخير له منها في الجنة ” فاشتريتها من صلب مالي أخرجه الترمذي وحسنه (2/296) رقم (3699)، والنسائي (2/124) رقم (3182)، وذكره البخاري بنحوه في ثلاثة مواضع من كتابه تعليقاً، وحسنه الألباني، انظر الإرواء (6/38).

وجه الاستدلال: أن عثمان رَضِيَ الله عَنْهُ وقف بئر رومة، وجعل لنفسه حق الانتفاع منها.

  1. عن أبي هريرة رَضِيَ الله عَنْهُ أن النبي ﷺ رأى رجلاً يسوق بدنة، فقال: “اركبها”، قال: يا رسول الله، إنها بدنة، قال: “اركبها ويلك” في الثالثة أو في الثانية متفق عليه: البخاري (1689)، مسلم (1322).

وجه الاستدلال: أن البدنة المهداة قد خرجت عن ملك صاحبها، ومع ذلك أجاز النبي ﷺ لصاحبها الانتفاع بها، فكذلك الوقف على النفس.

  1. أن المقصود من الوقف القربة، وهي حاصلة بالوقف على النفس([12]).

 

صورة جائزة عند المانعين:

ثم صورة جائزة لدى بعض من منع الوقف على النفس وهي ما إذا وقف على جهة معينة واستثنى منفعته مدة حياته، حيث قد نصّ الحنابلة على جوازها حتى على القول المشهور عندهم بعدم صحة الوقف على النفس، ويمكن أن يدل عليها حديث عمر رَضِيَ الله عَنْهُ في وقفه حيث قال: “لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف…” متفق عليه: البخاري (2737)، مسلم (1633).

وحديث عثمان رَضِيَ الله عَنْهُ حيث أوقف بئر رومة وكان ينتفع بها إذ اشترط أن يكون دلوه فيها مع دلاء المسلمين أخرجه الترمذي والنسائي وتقدم قريباً في الصفحة السابقة..

ومثال صيغة الوقف في هذه الصورة أن يقول: وقفت هذا المنـزل على المحتاجين من قرابتي أو ذريتي، واستثنيت سكناه مدة حياتي.

أو يقول: وقفت هذه المكتبة على طلبة العلم واستثنيت منفعتها مدة حياتي.

تليها صورة بين هذه وبين الوقف على النفس استقلالاً وهي الوقف على النفس مع ذكر مآل بعده بأن يقول: وقفت هذا المنـزل على نفسي حال حياتي، ثم على المساكين أو على المحتاجين من ذريتي ونحو ذلك.

وأما الوقف على النفس استقلالاً فأن يقول: وقفت هذا المنـزل على نفسي، ولا يذكر مآلاً.

 

الأمر الثاني: الوقف على الذرية.

عامة أهل العلم على صحة الوقف على الذرية مادام الوقف ناجزا في الحياة، لا معلقاً على الموت، ولا في حال مرض الموت([13])


([1] ) المبسوط (12/41)، البحر الرائق (5/238)، بدائع الصنائع (6/219).

([2] ) روضة الطالبين (4/383)، مغني المحتاج (2/380).

([3] ) المغني (8/194)، الإنصاف (7/17)، كشاف القناع (4/247).

([4] ) الإنصاف (7/17)، الفتاوى (31/32)، الاختيارات ص (170).

([5] ) المحلى (9/175).

([6] ) الإشراف (2/673)، المنتقى (6/122)، التاج والإكليل (7/637).

([7] ) روضة الطالبين (4/383)، مغني المحتاج (2/380).

([8]) المغني (8/194)، الإنصاف (7/16)، وفيهما : سئل الإمام أحمد عن ذلك؟ فقـال : لا أعرف الوقف إلا ما أخرجه لله، وفي سبيل الله فإذا وقفه عليه حتى يموت فلا أعرفه.

([9] ) المبسوط (12/41)، البحر الرائق (5/238).

([10] ) كشاف القناع (4/247)، مغني المحتاج (2/380)، فتح الباري (5/404).

([11] ) المبسوط (12/41).

([12] ) نيل الأوطار (6/132).

([13]) المبسوط (12/40)، البحر الرائق (5/232) المنتقى (6/120)، التاج والإكليل (7/636) روضة الطالبين (4/381)، مغني المحتاج (2/378) المغني (8/192)، الإنصاف (7/15).

المراجع

1. الوقف وتنميته في المجتمع الإسلامي المعاصر، إعداد منذر قحف.
2. مجالات وقفية مقترحة لتنمية مستدامة ” الوقف المؤقت” إعداد أ.د/ يوسف إبراهيم يوسف أستاذ الاقتصاد الإسلامي والمستشار العلمي لمركز صالح عبد الله كامل بجامعة الأزهر.
3. محاضرات في الوقف، محمد أبو زهرة، ط2، 1971م، دار الفكر العربي.
4. الوقف الإسلامي بين النظرية والتطبيق، الدكتور عكرمة صبري، ط1، 1428هـ – 2008م، دار النفائس، الأردن.

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى