استجد في عصرنا على المسلمين بلايا عظام وخطوب جسام، من ضعف عام في المسلمين، وقوة عامة في صفوف الكفار، مع احتلالهم لأجزاء كبيرة من بلاد الإسلام، مما ولد حنقا عظيما لدى الشعوب وولد رغبة شديدة في إعلان الجهاد، فماحكم المطالبة باذن الإمام في مثل هذه الظروف…
لا يخلو الجهاد من نوعين: جهاد طلب للعدو، وجهاد دفع وصد للعدو.
أولا: إذن الإمام لجهاد الطلب.
أكثر الباحثين يرون أنه شرط، وذلك لما يلي:
- أن هذا هو ظاهر الهدي النبوي، فقد كان عليه الصلاة والسلام وخلفاؤه هم الذين يتولون أمور الجهاد بأنفسهم من حيث إعلان الجهاد، وتسيير الجيوش، وتعيين القادة، وغير ذلك.
- أن الأصل في السياسات العامة التي يقصد منها تحقيق المصالح العامة للأمة أنه يرجع فيها إلى الإمام، ولهذا يعد تصرف النبي ﷺ في هذا الباب تصرفاً بطريق الإمامة، لا بطريق الرسالة ولا القضاء ولا غيرها، وإذا ثبت أن هذا التصرف من خصائص الإمامة فإنه يرجع فيه إلى الأئمة، ومن ثم يجب استئذانهم قبل الإقدام عليه.
قال القرافي: “فما فعله عليه السلام بطريق الإمامة كقسمة الغنائم، وتفريق أموال بيت المال على المصالح، وإقامة الحدود، وترتيب الجيوش، وقتال البغاة، وتوزيع الإقطاعات في القرى والمعادن، ونحو ذلك: فلا يجوز لأحد الإقدام عليه إلا بإذن إمام الوقت الحاضر، لأنه ﷺ إنما فعله بطريق الإمامة، وما استبيح إلا بإذنه، فكان شرعاً مقرراً لقوله تعالى: (وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) [ الأعراف: 158].
- العمل بسد الذرائع، فإنه لا يصلح الناس إلا هذا، ولو كان الجهاد بيد كل فرد من أفراد الأمة لترتب عليه مفاسد ظاهرة بسبب الفوضى، وظهور الاختلاف والنزاع في الأمة، وهذا مما أوجبت الشريعة دفعه، وعنيت بحسم مادته، والقاعدة أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
ثانيا: إذن الإمام في جهاد الدفع.
إذا هجم العدو على بلاد المسلمين، وجب على كل قادر أن يدفع عن أرضه وعرضه ودينه بما يستطيع، وعلى هذا يسقط إذن كل من يلزم استئذانه في فرض الكفاية كالوالدين، وصاحب الدين، والسيد بالنسبة للعبد.
قال ابن تيمية: “وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين فواجب إجماعاً، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه، فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان”.
1. الإحكام في تمييز الفتاوى من الأحكام، القرافي، ص(108).
2. رسالة الأعمال الفدائية- صورها وأحكامها الفقهية- سامي بن خالد الحمود، ماجستير، جامعة الملك سعود.
3. الفتاوى الكبرى، ابن تيمية، (5/538).