1. إضراب السجين.
2. امتناع السجين عن الطعام.
3. إضراب المساجين عن الطعام.
4. الإضراب عن الطعام حتى الموت.
إذا تعرض السجين للظلم سواء كان في سبب الاعتقال أو سوء المعاملة والتعذيب، هل يجوز له الإضراب عن الطعام للحفاظ على كرامته – باعتباره يثير الرأي العام، ويكشف عن التعسف في الاعتقال وانتهاك حقوق السجناء….لتشكل هذه العوامل وسائل ضغط على الجهات المسؤولة لتحسين معاملتهم وإنصافهم أمام العدالة – أم أن ذلك لا يجوز؟
والإضراب عن الطعام: هو تركٌ لكل أنواع الطعام والشراب أو بعضها مدة معينة أو مفتوحة لممارسة الضغط على ظالم لاسترداد حق مشروع أو تخفيف معاناة.
وهذه الظاهرة لم تعهد في تاريخ الإسلام سوى ما يذكره بعضهم في قصة سعد ابن أبي وقاص – رضي الله عنه – حينما “حلفت أمه أن لا تكلمه أبدا حتى يكفر بدينه، ولا تأكل ولا تشرب، قالت: زعمتَ أن الله وصاك بوالديك، وأنا أمك، وأنا آمرك بهذا.
قال: مكثَت ثلاثا حتى غشي عليها من الجهد، فقام ابن لها يقال له عمارة، فسقاها، فجعلت تدعو على سعد، فأنزل الله – عز وجل – في القرآن هذه الآية: (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ) [لقمان:15]” [أخرجه مسلم برقم: (1748) 4/1877].
أولاً: تحرير محل النزاع.
اتفق المعاصرون على أن من كان حبسه في السجن بسبب مشروع، ولم يتعرض للأذى فيه: أنه لا يجوز له الإضراب عن الطعام للضغط على السلطات في الإفراج عنه؛ وإنما يجب عليه رد الحق، والتوبة النصوح، والصبر على الحبس حتى تنتهي مدة الحكم المقررة.
ثانياً: اختلفوا في حكم إضراب السجين عن الطعام إذا كان مظلوما في أصل الحبس أو بسوء المعاملة والتعذيب على ثلاث اتجاهات:
الأول: لا يجوز إضراب السجين عن الطعام مطلقا، وبه أفتت وزارة العدل والشؤون الإسلامية بدولة الإمارات العربية المتحدة، وسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز، وأبو يوسف الهدة من علماء فلسطين.
الثاني: يجوز إضراب السجين عن الطعام مطلقا، وهو المفتي به في عدد من لجان الفتوى بدولة فلسطين، واختاره بعض الباحثين.
الثالث: يجوز إضراب السجين عن الطعام إذا لم يؤد إلى تلف النفس أو الأعضاء، أفتت به دار الإفتاء المصرية، وناصر الدين الألباني، ومحمد بن صالح العثيمين، ووهبة الزحيلي، وصالح الفوزان، وقال به كثير من المعاصرين.
أبرز الأدلة:
دليل الاتجاه الأول:
استدل أصحاب القول الأول القائلون بالتحريم بالأدلة الدالة على تحريم الانتحار نظرا إلى المآل، والمعاني العامة الدالة على صيانة النفس والرفق بها، ومن جملة ما ذكروه:
- قوله تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) [النساء:29].
- وقوله: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) [البقرة:195].
- وقوله – عليه الصلاة والسلام – : (كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح، فجزع، فأخذ سكينا فحز بها يده، فما رقأ الدم حتى مات، قال الله تعالى: بادرني عبدي بنفسه، حرمت عليه الجنة) [أخرجه البخاري برقم: (3463) 4/170، ومسلم برقم: (180) 1/107].
- وقوله-ﷺ-: (من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن شرب سما فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا) [أخرجه البخاري برقم: (5778) 7/139، ومسلم برقم: (175) 1/103].
وجه الدلالة: أن الإضراب عن الطعام – وهو حاصل بفعل السجين واختياره – يفضي إلى الموت في حال الاستمرار؛ ومن ثم يكون في معنى الحديث باعتباره من جنس وسائل الانتحار.
نوقش: أن النصو-ص المتقدمة – الدالة على تحريم الانتحار أو ما يؤدي إلى إتلاف عضو من الأعضاء – لا ترد في حق السجين المضرب عن الطعام باعتباره مجاهدا بهذا السلاح، ويسعى إلى رفع الظلم والاعتداء عن نفسه وعن سائر السجناء.
- قوله تعالى: (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ۖ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ) [البقرة:173].
وجه الدلالة: أن الآية دلت على مشروعية أكل الميتة في حال الاضطرار صيانة للنفس؛ فكان الأكل والشرب من المباح في حال الاختيار للمحافظة عليها أولى.
- قوله تعالى في قصة يوسف –عليه السلام : (فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) [يوسف:42].
وجه الدلالة: أن حبسه – عليه السلام – في السجن بضع سنوات لم يكن بوجه حق؛ ولكنه مع ذلك صبر إزاء هذه المعاناة، ولم يلجأ إلى الإضراب عن الطعام.
- ولأن الأصل أن المسلم مكلف بحماية النفس عن الأذى، والرفق بها، وصيانتها عن الضرر؛ لتتمكن من رعاية حق الله تعالى، وممارسة دورها في واقع الحياة؛ وذلك مما عُلم من استقراء أحكام الشريعة، ومن جملة صوره:
- أن الشارع نهى عن إلقاء النفس إلى التهلكة في قوله: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) [البقرة:195].
- وأمر بالفطر لمن كان مسافرا أو مريضا تيسيرا على النفس ورفعا للحرج في قوله تعالى: (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [البقرة:184].
- وأمر بالأكل والشرب لابتداء الصوم وغايته للتقوي فيه بقوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) [البقرة:187].
- وشدّد النبي – ﷺ – لما رأى زحاما ورجلا قد ظلل عليه في السفر فقال: (ما هذا؟)، فقالوا: صائم، فقال: (ليس من البر الصوم في السفر) [أخرجه البخاري برقم: (1946) 3/34، ومسلم برقم: (1115) 2/786].
- ولما خرج – ﷺ – عام الفتح إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ كراع الغميم، فصام الناس، ثم دعا بقدح من ماء فرفعه، حتى نظر الناس إليه، ثم شرب، فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام، فقال: (أولئك العصاة، أولئك العصاة) [أخرجه مسلم برقم: (1114) 2/785].
- وأن الشارع الحكيم نهى عن صيام الدهر لما كان يؤدي إلى إضعاف البدن مع اقترانه بالسحور والإفطار فيكون الإضراب عن الطعام مع خلوه منهما أولى بالتحريم.
ونوقش ما سبق من الأدلة: أنها معان عامة، والعام يتمسك به حيث لا معارض، وقد دل الشرع على أن الدفاع عن النفس والعرض من الجهاد في سبيل الله، وإضراب السجين عن الطعام هو المتاح له للدفاع عن نفسه.
ونوقش: ما ورد في قصة يوسف من وجهين:
الأول: أنه حكاية شرع من قبلنا، ولم يثبت في شرعنا ما يؤيده، وهذا النوع مختلف فيه.
الثاني: أن بقاءه في السجن دون إضراب عن الطعام قد يكون رضا بالمصاب، أو حرصا على الدعوة، أو العلم بعدم جدواه…ومن ثم يكون التعيين تحكما من غير دليل.
دليل الاتجاه الثاني:
استدل أصحاب القول الثاني القائلون بالجواز بأن إضراب السجين ضربٌ من الجهاد المشروع، ويتضمن الدفاع عن النفس، وفيه دفعٌ للضرر العام بتحمل الضرر الخاص؛ وبيان هذه المعاني فيما يلي:
- أن العلماء أجمعوا على مشروعية الجهاد، وهو تعريض النفس للقتل، وإضراب السجين عن الطعام نوع من أنواعه؛ ومن ثم فلا يخرج عن مفهوم الجهاد إلا بدليل.
ونوقش من وجهين:
الأول: أن العموم من صفات النطق، والإجماع ليس كذلك فلا يرد فيه العموم.
الثاني: أن الدفاع عن النفس يكون ضربا من الجهاد إذا كان بالوسائل المشروعة في مقاومة العدو، وإضراب السجين عن الطعام يلحق الضرر بالنفس، ويفضي إلى التهلكة… وما أفضى إلى ذلك يكون ممنوعا بدلالة السمع.
- أن إضراب السجين عن الطعام من جهة إلقاء نفسه في التهلكة يشبه الانغماس في العدو، الذي دل النقل على مشروعيته وعمل به الصحابة – رضي الله عنهم – في مناسبات الجهاد.
ونوقش بالفرق: فإن الانغماس في العدو يكون في حال مواجهته، بمهاجمته في العمق للنكاية به؛ وذلك يختلف عن الإضراب عن الطعام في حال الأسر أو الحبس.
- أن قتل النفس عند الضرورة جائز قياسا على أكل الميتة للمضطر، والجامع: اشتراك الصورتين في الحكم – وهو التحريم – قبل الضرورة؛ فيدل اشتراكهما قبل الضرورة على اشتراكهما عند حدوثها.
نوقش من وجهين:
الأول: أن الاشتراك بينهما في بعض الأحكام لا يوجب الاشتراك في جملتها؛ فلا يلزم من كونهما محرَّمين قبل الضرورة؛ أن يكون حكمهما واحدا حال الضرورة.
الثاني: يرد عليه فساد الوضع؛ وذلك أن المعنى فيهما مختلف؛ فالضرورة في أكل الميتة للمضطر تقتضي المحافظة على النفس، وهي في الإضراب عن الطعام تقتضي النقيض، وهي إتلاف النفس، ومن ثم يتعذر الإلحاق مع المنافاة.
- أن المسجون المعتدى عليه؛ إما أن يدافع عن نفسه بالقوة، فلا حول له ولا قوة، أو يصبر على انتهاك كرامته باستمرار، وهو أمر لا يطاق، أو يُضرب عن الطعام، وهو السلاح المؤثر فيكون مشروعا؛ لأن المنع منه منعٌ للدفاع المشروع.
ونوقش: أن تعيُّن الثالث غير مسلم؛ لأن الصبر عند البلاء، والرضا بالقضاء، وطلب الفرج من الجواد تبارك وتعالى مأمورٌ به شرعا؛ بخلاف الإضراب عن الطعام فهو أسلوب لم يرد به الشرع، ولا عمل به أهل القرون المفضلة.
- أن موت أحد السجناء بسبب الإضراب عن الطعام أخف من الاعتداء على كرامتهم بأسرهم أو ممارسة السلطات لسياسة الموت البطيء؛ ومن ثم يتقوى جواز إضراب السجين في هذه الحالة بالقواعد الشرعية؛ كقاعدة: “يتحمل الضرر الخاص لدفع ضرر عام”، وقاعدة: “الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف”.
ونوقش من وجوه:
الأول: أن نتائج الإضراب عن الطعام ليست قطعية، وبالتالي فلا يترك ما هو مقطوع به شرعاً – وهو المحافظة على حرمة النفس – إلى إتلافها لمصلحة موهومة.
الثاني: أن مصلحة إضراب السجين عن الطعام دل الشرع على إلغائها بالأدلة القاطعة الدالة على تحريم الانتحار وإتلاف عضو من الإنسان بغير حق.
دليل الاتجاه الثالث:
استدل أصحاب الاتجاه الثالث: بأن إضراب السجين عن الطعام إذا أدى إلى قتل النفس أو تعطيل عضو منه يكون صاحبه منتحرا؛ لعموم الأدلة الدالة على تحريم الانتحار وتعطيل الأعضاء وترتيب الوعيد الشديد عليه، وسبق إيرادها.
وأما إذا لم يؤد إضرابه عن الطعام إلى موته أو تلف أعضائه، فقد عللوه بأمرين:
الأول: أن هذا النوع من إضراب السجين قد يؤدي إلى تخفيف مدة حبسه أو إطلاق سراحه أو إظهار الظالم … وهذه المصالح معتبرة؛ فيكون ذلك جائزا.
ونوقش: أن هذه المصالح ليست مؤكدة؛ والحكم الشرعي إنما يبنى على الراجح.
الثاني: أن غاية ما فيه الامتناع عن مباح بما لا يؤدي إلى ضرر، فيكون جائزا.
ونوقش من وجهين:
الأول: أن الإضراب عن الطعام – في صورة ما لم يؤد إلى إتلاف النفس أو الأعضاء – يؤدي إلى الضرر لا محالة، والضرر منفي في الشريعة بالنصوص المتقدمة.
الثاني: أن هذه الوسيلة لم تعهد في الشريعة الغراء، ولم يعمل بها المسلمون رغم وقوع الظلم عبر التاريخ الإسلامي بالحبس والتعذيب؛ وذلك يدل على عدم اعتبارها.
وهل يجوز له أن ينويه صوما ليستفيد من الأجر عند القائلين بجوازه؟
اختلفوا في ذلك على اتجاهين:
الأول: يجوز أن ينويه صوما ليستفيد من أجر الإمساك عن الطعام؛ لأن الصوم في حقيقته امتناع عن الطعام والشراب مع النية؛ وذلك حاصل في حقه إذا نواه، ذكره المنجد في موقعه.
الثاني: لا يجوز؛ لأن الصيام قربة لا يليق أن تتحول إلى إضراب يُتخذ وسيلة احتجاج ضد السلطات، ومن ثم يجب أن يتناول قدرا من الطعام والشراب، اختاره فيصل مولوي نائب رئيس المجلس الأوروبي للإفتاء.
حكم مناصرة السجناء المضربين عن الطعام.
أما مناصرة السجناء المضربين عن الطعام بمؤازرة أسرهم بالمال لسد حاجتهم، ومساندتهم بالدعاء لهم بالفرج فهو من فروض الكفايات؛ وذلك للأدلة التالية:
- قوله تعالى: (وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [الأنفال:72]
- وقوله – عليه الصلاة والسلام – : (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة، فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة) [أخرجه البخاري برقم: (2442) 3/128، ومسلم برقم: (2580) 4/1996].
1. حكم الإضراب عن الطعام حتى الموت – الموقع الرسمي لسماحة الشيخ ابن باز، فتوى : (2470) على الرابط: (binbaz.org.sa).
2. حكم الإضراب عن الطعام في الفقه الإسلامي، د. عبدالله بن مبارك السيف.
3. موقع إسلام ويب (islamweb.net) فتوى رقم: (8020).
4. موقع سؤال وجواب (islamqa.info/ar) فتوى رقم: (184412).
5. موقع طريق الإسلام (ar.islamway.net) فتوى رقم: (12912).