قسم الجنايات والقضاء والعلاقات الدوليةباب مسائل القضاء

إرسال كتاب القاضي بواسطة الوسائل الحديثة

مسألة رقم 191

صورة المسألة

وسائل الإرسال الحديثة نوعان: النوع الأول ينقل المكتوب، والثاني ينقل الملفوظ، وقد يستفيد منها القضاة لإرسال ما يريدون إشاعته بين العامة كثبوت الأهلة، أو التشهير ببعض مرتكبي الجرائم، لأخذ العظة والعبرة من فعلهم أو للحذر منهم، أو ما يريدون إرساله لقاض آخر، ككتاب القاضي إلى القاضي، أو إلى الجهات المعنية بالقضاء كالمحكمة العليا أو غير ذلك.

حكم المسألة

أولاً: حكم إرسال كتاب القاضي بواسطة وسائل الإرسال الناقلة للمكتوب.

الوسائل الحديثة الناقلة للمكتوب عديدة أكثرها يتشابه في طريقة العمل مثل: البرقية – التلغراف – التلكس، الفاكس، الحاسب الآلي.

حكم إرسال كتاب القاضي بواسطة البرقية والتلكس.

التلكس اكتشف بعد البرق وهو أسرع منه في العمل ويشبهه في طريقة نقل المكتوب، فكل منهما ينقل إشارات أو رموزاً تترجم إلى كلمات مصطلح على الاستدلال منها على مراد المرسل عالمياً، إلا أن التلكس يتميز بمميزات لا توجد في غيره.

وهذه المميزات الخاصة بعمله تجعل ما يرسل بواسطته حجة شرعية يجب العمل به، فإذا أرسل كتاب القاضي بواسطته فإنه يجب العمل به لما يحصل به من غلبة الظن الذي تبنى عليه الأحكام الشرعية، فالمرسل يكتب اسمه وتوقيعه وعنوانه، ويطبع بختمه، وله رقمه الخاص ورمزه الخاص فتحصل الثقة برسالته ويعمل بها لأن العبرة بها لا بعامل التلكس أو التلغراف.

وقد تكلم الفقهاء المعاصرون في مشروعية إرسال خبر رؤية هلال رمضان عبر وسيلة التلغراف، وأجازوا العمل به عند أمن التزوير كالخبر المرسل من جهة رسمية.

أما حكم إرسال كتاب القاضي بواسطة الفاكس:

فالفاكس يتميز عن غيره من الأجهزة الناقلة للمكتوب: أنه ينقل نسخة طبق الأصل بما فيها من توقيع وختم بسرعة فائقة، لكنه لا يختزن نسخة من الرسالة، كما أن إرسال الرسالة عبره قد تأتي غير واضحة بسبب زيادة في الحبر أو نقص فيه أو وسخ، فإمكانية التزوير والغلط في الرقم واردة فيه، لأنه صورة كالطابعة.

ومن خلال التصور السابق لعمله، وما يعتريه من احتمالات الطمس والتزوير فإن الثقة بما يرسل بواسطته ضعيفة، فلا يظهر الاحتجاج بالكتاب المرسل بواسطته، لكن قد يعد قرينة تحتاج إلى عاضد كالمشافهة، أو المهاتفة.

أما حكم إرسال كتاب القاضي بواسطة الحاسب الآلي:

فإن الحاسب الآلي يشبه الفاكس في نقل صورة طبق الأصل بختم المرسل وتوقيعه، وذلك عن طريق وضعها في جهاز خاص مرتبط بالحاسب الآلي، ومن ثم إرسالها إلى جهاز الطرف الآخر، بعدما يتصل به طالباً منه تشغيل جهازه، فتظهر الرسالة في الجهاز الآخر، الذي يمكن لصاحبه طبعها عن طريق الطابعة المتصلة بجهازه.

وهذه الوسيلة يعتريها احتمالات طمس بعض الحروف إما لنقص في الحبر أو لزيادة في الطابعة بعد نسخها، لكن يتميز الحاسب الآلي بتخزين أصل للرسالة مما يجعله وسطاً في الحجية بين التلكس والفاكس، لكن لا يعتبر حجة للعمل به إلا بعد التثبت والاحتياط عن طريق المشافهة أو المكاتبة قبل إعماله.

 

ثانياً: حكم مشافهة القاضي للقاضي بواسطة وسائل الإرسال الناقلة للفظ.

الوسائل الحديثة الناقلة للملفوظ منها ما هو مباشر كالهاتف بنوعيه السلكي وغير السلكي، ومنها ما هو غير مباشر كشريط التسجيل.

وقد خرج الباحثون المعاصرون مشافهة القاضي للقاضي بواسطة الهاتف على مسألتين:

المسألة الأولى: على شهادة الأعمى على ما يسمعه من الأصوات:

وقد اختلف في هذه المسألة أهل العلم على قولين:

القول الأول: لا تقبل شهادة الأعمى على ما سمعه من الأصوات. وهو قول الحنفية، والمشهور عند الشافعية.

واستدلوا بما يأتي:

الدليل الأول: أن الصوت لا يحصل به العلم بشخصية المتكلم، لأن الأصوات تتشابه، ومن شروط الشهادة العلم بشخصية المتكلم.

الدليل الثاني: أن أداء الشهادة يفتقر إلى التمييز بالإشارة بين المشهود له والمشهود عليه، ولا يميز الأعمى إلا بالنغمة، وفيه شبهة يمكن التحرز عنها بذكر جنس الشهود ثم التمييز بالاسم والنسب لكن ذلك للغائب دون الحاضر.

 

القول الثاني: قبول شهادة الأعمى على ما سمعه من الأصوات، وهو قول المالكية والحنابلة وبعض الشافعية.

واستدلوا بالأدلة الآتية:

الدليل الأول: عموم قوله تعالى (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [البقرة: 282].

الدليل الثاني: أن الأمة أجمعت على قبول رواية الأعمى، ويقاس عليها قبول شهادته.

الدليل الثالث: الإجماع على جواز استمتاع الأعمى بزوجته إذا عرفها بالصوت، فدل على جواز حصول العلم له عن طريق السمع.

 

المسألة الثانية: خرجوا مشافهة القاضي للقاضي بواسطة الهاتف على من سُمع كلامه من وراء حجاب.

وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:

القول الأول: عدم قبول شهادة من سمع كلامه من وراء حجاب، وذهب إليه الحنفية، والشافعية.

واستدلوا: بأن العلم لا يحصل بمجرد السماع لجواز اشتباه الأصوات ومحاكاتها.

القول الثاني: قبول شهادة من تكلم من وراء حجاب، وذهب إليه المالكية والحنابلة.

واستدلوا بما يأتي:

الدليل الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: «إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم» [رواه البخاري (617)، مسلم (1092)].

وجه الاستدلال بالحديث: أنهم كانوا يمسكون عن الطعام عندما يؤذن ابن أم مكتوم فيحصل لهم العلم بصوته بالرغم من وجود الظلام المانع من الرؤية له.

 

الدليل الثاني: أن الصحابة – رضي الله عنهم – كانوا يروون عن أمهات المؤمنين – رضي الله عنهن – ما سمعوه عنهن من وراء حجاب، فيحصل لهم العلم بسماع أصواتهن.

وبعد تخريج مشافهة القاضي للقاضي عبر الهاتف على شهادة الأعمى على الأصوات، والشهادة على من وراء حجاب بمعرفة صوته، فإنه يتضح لنا الآتي:

أن مشافهة القاضي للقاضي بواسطة وسيلة الهاتف مردودة عند الحنفية والشافعية، حجة عند المالكية والحنابلة، ويقويه أنه إذا كان مع الصوت صورة واستخدم القاضي زر مكبر الصوت في جهاز الهاتف دون السماعة حتى يسمعه مع القاضي عدلان فيجزم الجميع بخروج الخطاب من فم المتكلم، ويكون القاضي بذلك لم يقض بعلمه، ويكون ما أرسل بواسطة الهاتف حجة يجب العمل به بناء على قواعد المذاهب الأربعة.

 

المراجع

• الإرسال وأثره في الفقه الإسلامي (رسالة ماجستير ـ كلية الشريعة ـ جامعة الإمام) عمشة السبيعي (344ـ 356).
• مخاطبات القضاة (رسالة ماجستير ـ كلية الشريعة ـ جامعة الإمام) محمد الددو (344ـ 350).
• الموسوعة الفقهية الكويتية 1/246.

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى