إسقاط حمل الزنا.
إذا كان الحمل من زنا، وخافت الزانية، أو الزاني، أو كلاهما من الفضيحة، أو العقوبة، وقصد بالإجهاض: الستر عليهما، سواءً في حالة الإكراه على الزنا، أو في حالة التراضي والمطاوعة، فما حكم الإجهاض، وآثاره، والأسباب المبررة له قبل نفخ الروح في الجنين وبعده.
هناك حالتان ولكل حالة حكم:
الحالة الأول: إذا كان الحَمْلُ لم يُنْفَخْ فيه الرّوحُ، أي: قبل أربعة أشهر من عمر الجنين، وبقاء الحمل يؤثِّرُ على صحة المرأة بأمرٍ معتَبَر،ٍ لا يُمكن تحمُّلُه، أو يعرضها لعقوبة القتل من أهلها، أو يَجْلِبُ لها الخِزْيَ والعارَ، فقد أجاز بعضهم الإجهاض في هذه الحالة إذا وقع الزنا من غير اختيار المرأة ورضاها كما في حالة الإكراه (الاغتصاب)، أو في حال وطء الشبهة ونحوه.
الحالة الثانية: أن يكون الحَمْلُ قد نفخ فيه الروح (فوق أربعةَ أشهُر في تقدير أكثر الفقهاء)، ففي هذه الحالة لا يجوز مُطلقًا إِسقاطُه عند أكثر أهل العلم، حيث يعتبر الإجهاضُ في تلك الحال قتلاً للنَّفس، ولما يتضمَّنُه من فتح باب الرذيلةِ ونَشْرِ الفاحشةِ والفسادِ إن كان الزنا بالاختيار.
لأن الله حرَّم الفاحشة، وكُل الطرق المفضية إليها، كما أنه لا يجوز قتل الجنين البريءٍ الذي لا ذَنْبَ له من أجل ذنبٍ اقْتَرَفَهُ غيرُه، قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ﴾ ([1])، ولأنَّ فيه إعانةً لتلك المرأة على معصيتها، والتيسير عليها للخلاص من فَعْلَتِها الشنيعة.
قال القرافي من المالكية:” فأما المعاصي فلا تكون أسبابًا للرُّخَصِ، ولذلك العاصي بسَفَرِه لا يَقْصُر ولا يُفْطِر، لأنّ سبب هذين السَّفَرُ، وهو في هذه الصورة معصيةٌ، فلا يُناسب الرخصة، لأنَّ ترتيب الترخيص على المعصية سعْيٌ في تكثير تلك المعصية بالتَّوْسِعَةِ على المكلَّفِ بِسببها”([2]).
وذهب آخرون إلى إغلاق الباب بالكلية وشددوا في ذلك لما يتضمنه من محاذير عظيمة، وبيانه كالتالي:
أولاً: أنَّ القول بجواز إسقاط الزانية حملها المتكون من الزنا، فيه مصادمة صريحةٌ غاية الصراحة لقاعدة سد الذرائع، وذلك لأنَّ من أهمِّ العقبات المانعة للمرأة من الإقدام على الزنا، نشوء الحمل، الذي يعرضها للمعرَّة والمضرَّة معًا، فإذا أزالت عن طريقها هذه العقبة، كان ذلك دعوة صريحة لتسويق الفاحشة بين الناس، وهذا في حدِّ ذاته مناقضٌ لمقاصد الشارع الحكيم التي جاءت بحفظ الكليات.
ثانياً: أنَّ زنا المرأة، على افتراض أنها أمنت عدم نشوء حمل من هذا الزنا، يتناقض وامتثال المكلَّف أوامر الشارع الحكيم، تحت ظلِّ أيِّ افتراضٍ عدا الإكراه، كما أن فكرة اختلاط المفاسد بالمصالح السابقة لا يمكن التمسح بها هنا، لأنَّ خطاب الشارع يتعلَّق بالمصلحة إذا كانت هي الغالبة عند مناظرتها مع المفسدة.
ثالثاً: أنه لو جاز إجهاضُ الجنين بِقَصْدِ التستُّر على فاحشةٍ اقْترفَتْها أمُّه لأمَرَ رسول الله ﷺ الغامديَّةَ بإجهاضِ جنينِها، ولم يأمُرْها بالاهتمام به حتى تتوافر له أسبابُ الحياة مستقلاًّ عنها، أمَّا وقد أمرها بالاهتمام به فهذا يدلّ على حرمة إجهاض الجنين للتستر على الفاحشة، لأن الأمر بالشيء نهيٌ عن ضده، ولا يُعَدُّ إجهاض الجنين في هذه الحالة من قبيل الإجهاض لعذر، ومن ثَمّ فإنَّ إجهاضه في هذه الحالة يقتضي الإثم ويوجب الضمان”.
وعلى هذا: فإنه يحرم على الزانية الاستفادة من الرخص الشرعية في إجهاض حملها، سواءً ألمَّ بها عذرٌ أو لا، بل إنَّ الرخصة هنا يكون مناط تعلُّقِها بالجنين طريقـاً متشـدداً حمايتــه، لا سيما وأنه فاقد للحماية من الجانيين، الزاني وأمه الزانية، والسلطان وليُّ من لا وليَّ له، وتصرفه على الرعية منوط بالمصلحة، وليس من المصلحة أن يضحي بحياة الجنين في مقابل مصلحةٍ للأم، والتي غالباً ما تكون مصلحة وهمية.
أما إذا تعرضت حياة الزانية للخطر المؤكد فإنَّ المسألة: تُردُّ إلى قواعد التعارض والترجيح، وذلك بشرط ألاَّ يثبت قضاءً استحقاقها لإقامة الحد عليها، أو ثبت ذلك ولكنها غير محصنة أو مكرهة، وحينئذ فلها أن تتمتع بسائر الأحكام التي تتعلق بالحامل من أثر نكاح صحيح، عندما تتحقق بها الضرورة الملجئة للإجهاض، فما أبيح لضرورة أو لحاجة، تقدر بقدرها.
وقد اختارت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في ندوتها الأولى: ” الإنجاب ” سنة 1983 بشأن الإجهاض: الاتجاه الذي يرى جواز الإجهاض قبل نفخ الروح في حال الضرورة الطبية القصوى.
ثم أكدت المنظمة هذا الاختيار في ندوتها الثانية: ” الحياة الإنسانية بدايتها ونهايتها “سنة 1985م ولم تنته المنظمة في ندوتها الرابعة: ” السياسة الصحية الأخلاقيات والقيم “سنة 1988م بأي توصيات مع مدارستها لبحوث في الإجهاض.
1. قرار مجمع البحوث الإسلامية، “فتاوى الشيخ/ جاد الحق، ج 5 ص 98″.
2. كتاب الفتاوى الإسلامية: (مجلد 9 ص 3093 وما بعدها).
3. كتاب الأمة الثالث والخمسون: (وثيقة مؤتمر السكان والتنمية.. رؤية شرعية) للدكتور الحسيني سليمان جاد، في سلسلة كتاب الأمة.
4. ” مقاصد الشريعة ودورها في الحفاظ على حقوق الطفل، للدكتور الشيخ علاء الدين زعتري، بحث مقدم إلى مؤتمر كلية الشريعة، جامعة دمشق، الجمهورية العربية السورية، 9 ـ 10 رجب 1429 هـ، 12 ـ 13 تموز 2008 م، نسخة إلكترونية.
http://www.alzatari.net/research/1013.html.
5. مقاصد التشريع الإسلامي، د.يوسف الشبيلي: (دروس ألقيت في المعهد الإسلامي بواشنطن).
6. حقوق الأولاد النفسية والصحية – نور الدين أبو لحية، الناشر: دار الكتاب الحديث السلسلة: مكتبة الأسرة المسلمة، سنة 2008.
7. معايير الترجيح بين الضررين وتطبيقاتها المعاصرة في القضايا الأسرية والطبية، إعداد / زكية بنت يوسف، بحث تكميلي لنيل درجة الماجستير، كلية معارف الوحي والعلوم الإنسانية، الجامعة الإسلامية العالمية – ماليزيا.
8. مشكلة الإجهاض، دراسة فقهية مقاصدية، د/ فريدة زوزو، مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، العدد السابع والستون، السنة السابعة عشرة، جمادى الآخرة 1426هـ، ص 226.
9. أحكام ولد الزنا في الفقه الإسلامي، إعداد / أحمد عبد المجيد ” محمد محمود ” حسين، بحث استكمال الماجستير بكلية الدراسات العليا جامعة النجاح، نابلس، فلسطين.
10. خلق الإنسان بين الطب والقرآن، د.محمد علي البار، الدار السعودية للنشر والتوزيع، جدة، الطبعة الثامنة مزيدة، 1412هـ – 1991م.
11. فقه الضرورة وتطبيقاته المعاصرة آفاق وأبعاد: أ.د / عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان، سلسلة محاضرات العلماء البارزين، البنك الإسلامي للتنمية ” المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب “- شركة المدينة المنورة للطباعة والنشر – جدة.
12. فقه القضايا الطبية المعاصرة ” دراسة فقهية طبية مقارنة “: أ.د. علي محيي الدين القره داغي، أ.د. علي يوسف المحمدي، دار البشائر الإسلامية – بيروت، الطبعة الثانية، 1427هـ.
13. فتاوى الأزهر، إعداد: موقع وزارة الأوقاف المصرية.
14. فتاوى و بحوث وبيانات المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث [قام بجمعها و فهرستها للشاملة الأخ بوطرنيخ عضو ملتقى أهل الحديث].
15. فتاوى دار الإفتاء المصرية، موقع دار الإفتاء.
16. فتاوى قطاع الإفتاء بالكويت، إعداد: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية الإدارة العامة للإفتاء والبحوث الشرعية بالكويت.
17. فتاوى واستشارات موقع الإسلام اليوم، تأليف: مجموعة من العلماء و طلبة علم، نشر: موقع الإسلام اليوم.
18. أرشيف المجلس العلمي – من موقع الألوكة، رابط www.majles.alukah.net.