قسم الأسرةباب النكاح

زواج القاصرات

المسألة رقم 80

العناوين المرادفة

1. زواج الصغيرة.
2. تزويج الصغيرة.

صورة المسألة

القاصرة هي الصغيرة، ومصطلح (زواج القاصرات)، مصطلح تداولته وسائل الإعلام على خلفية زواج الصغيرات من رجال كبار، ومن أجل هذا رغبنا دراسته هنا وإن كان في أصله ليس مسألة معاصرة.

حكم المسألة

لا خلاف بين العلماء في صحة زواج البكر الصغيرة، وأن للأب الولاية عليها في هذا الزواج، قال ابن المنذر رحمه الله: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن نكاح الأب ابنته البكر الصغيرة جائز إذا زوجها من كفء([1]). لقوله تعالى ﴿ وَاللَّائِي الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ۚ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾ الآية([2]) فذكر عدة الصغيرة التي لم تبلغ المحيض، والعدة لا تكون إلا بعد نكاح فدل ذلك على صحة نكاح الصغيرة.

ويدل عليه أيضاً ما ثبت عن عائشة رَضِيَ الله عَنْها أنها قالت: تزوجني رسول الله ﷺ وأنا بنت ست سنين…. الحديث (متفق عليه: البخاري (3894)، مسلم (1422).

 

حكم زواج البكر الكبيرة بدون إذنها

قد اختلف فقهاء المذاهب في صحة زواج البكر البالغ بدون إذنها ورضاها على قولين:

القول الأول: اشتراط إذن البكر البالغ

وبه قال الحنفية([3])، وهو رواية عن الإمام أحمد([4])، وهو رواية عن الإمام مالك في البكر إذا كانت رشيدة([5])، وهو مذهب الظاهرية ([6])، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم([7])، وعليه الفتوى والقضاء في البلاد السعودية([8])، وفي كثير من البلاد الإسلامية، وصدرت به فتاوى وقرارات مجمعية.

 

القول الثاني: صحة النكاح بغير إذن البكر الكبيرة ورضاها.

وهذا مذهب المالكية في المشهور عنهم([9])، وبه قال الشافعية([10])، والحنابلة في المشهور من المذهب([11]).

أدلة هذا القول:

[ 1 ] عن ابن عباس رَضِيَ الله عَنْهُما قال: قال رسول الله ﷺ: ” الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها ” أخرجه مسلم (1421).

وجه الاستدلال: أن النبي ﷺ قسم النساء قسمين، وأثبت الحق لأحدهما، فدل ذلك على نفيه عن الأخرى وهي البكر فيكون وليها أحق منها ([12]).

[ 2 ] القياس على البكر الصغيرة المجمع على جريان ولاية الإجبار عليها بجامع وصف البكارة في كلٍ ([13]).

 

أدلة القائلين باشتراط إذن البكر الكبيرة:

[ 1 ] عن ابن عباس رَضِيَ الله عَنْهُما قال: قال رسول الله ﷺ: ” لا تنكح البكر حتى تستأذن، ولا الثيب حتى تستأمر ” فقيل: يا رسول الله، كيف إذنها؟ قال: ” إذا سكتت ” متفق عليه.

وجه الاستدلال من الحديث: أن الأمر باستئذانها صريح في نفي إجبارها والولاية عليها، إذ لو كان الإجبار ثابتاً لزم ذلك وعري الأمر بالاستئذان عن الفائدة ([14]).

[ 2 ] عن ابن عباس رَضِيَ الله عَنْهُما أن جارية بكراً أتت النبي ﷺ فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة، فخيرها النبي ﷺ ([15]).

وجه الاستدلال: أن النبي ﷺ لم يجعل للأب ولاية إجبار على ابنته وهي بكر.

ويجاب بما قاله الحافظ ابن حجر في الفتح ([16]): “وأمّا الطعن في الحديث فلا معنى له، فإن طرقه يقوى بعضها ببعض “، وبنحوه قال ابن القيم رحمه الله في تهذيب السنن ([17]).

[ 3 ] عن خنساء بنت خدام أن أباهها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك، فأتت النبي ﷺ فرد نكاحها (أخرجه البخاري (6945).

وجه الاستدلال: أن النبي ﷺ لم يجعل للأب على ابنته ولاية إجبار فيدخل فيه كل بنت وإنما خرجت البكر الصغيرة للاتفاق عليها مع النص الوارد فيها.

[ 4 ] أنه لا ولاية للأب فضلاً عن غيره في التصرف في مالها إلا بإذنها، وبُضعها أعظم من مالها، فكيف يجوز أن يتصرف في بُضعها مع كراهتها ورشدها، ويخرجها قسراً إلى من لا تريده ولا تحبه؟! ومعلوم أن ذهاب جميع مالها أهون عليها من ذلك، فهذا بعيد من قواعد الشرع ([18]).

 

شروط القائلين بتزويج البكر بغير إذنها:

مما ينبغي التنبيه عليه أن القائلين بإجبار البكر لا يقولون بإطلاق الإجبار وإنما يقيدون ذلك بقيود:

  • أن يكون الزوج كفؤاً فإن لم يكن كذلك فلا يصح العقد.
  • أن هذا الحق لا يملكه سوى الأب، وهذا قول جمهورهم وبعضهم يلحق به الجد فقط، وأما غير الأب والجد فلا حق له في ولاية الإجبار.
  • أن يزوجها بمهر المثل.
  • ألا ينشأ من هذا الإجبار ضرر عليها.
  • ترى بعض المذاهب -كما هو المشهور من مذهب الحنابلة – أن الكبيرة التي يشترط إذنها هي بنت تسع سنين فما فوق.

كما أن القائلين بهذا القول لا يخالفون في استحباب استئذان البكر الكبيرة وأنه أولى للأب وأرضى لموليته.

قال ابن قدامة ([19]): ” لا نعلم خلافاً في استحباب استئذانها، فإن النبي ﷺ قد أمر به ونهى عن النكاح بدونه، وأقل ذلك الاستحباب، ولأن فيه تطييب قلبها خروجاً من الخلاف”.

 

زواج القاصرات:

بعد معرفة الأحكام وفق المذاهب الفقهية المعتبرة نأتي إلى ما يطلق عليه زواج القاصرات، فنرى الكلام فيه ينبغي أن يأخذ بالاعتبار ما يلي:

  1. صحة زواج الصغيرة كما تقدم هو موضع إجماع، وهذا حكم يُنظر إليه من حيث الأصل، وقد تبين أنه مقيد بقيود تمنع استخدامه على وجه فيه ضرر، فإن تبين للقاضي مخالفة تلك القيود حكم بفساد العقد.
  2. القول بصحة نكاح الصغيرة مع كونه مجمعاً عليه فقد يكون مخرجاً في بعض الحالات التي يحتاج فيها الأب إلى من يتولى ابنته أو يحفظها إما لعجزه أو سجنه أو أسره أو في حالات التشريد والهجرة ونحو ذلك.
  3. من يتكلم عن زواج القاصرات يريد أكثرهم به أن تمنع الدولة أيّ عقد زواج لم تبلغ فيه الفتاة ثمان عشرة سنة.

وهذا – في الحقيقة – تقليد لقوانين لا تستند إلى رأي فقهي إذ التقييد بهذا السن غير معروف في الفقه الإسلامي، والمعروف هو التقييد بالبلوغ، وقد يحدث البلوغ في سن مبكرة إذ الحيض من أقوى علاماته، وفي البلاد العربية تحيض المرأة في الغالب قبل سن الخامسة عشرة.

  1. لعل من أهم أسباب الحديث عن زواج القاصرات والسعي إلى تقنينه بعض الظواهر السيئة من بعض الأولياء ومنها التزويج من غير الأكفاء والجشع بما يشبه البيع… كل هذه الظواهر تقتضي معالجتها لكن ليس علاجها منع الزواج دون الثامنة عشرة، فقد يمارس بعض الأولياء ذلك حتى مع موليته وهي بنت عشرين أو خمس وعشرين أوثلاثين.
  2. يوضح ذلك أن هناك من الظواهر السيئة ما هو أسوأ وأكثر ضرراً وأكثر شيوعاً، وهو عضل الأولياء لأسباب كثيرة مادية أو لعادات وأعراف أو غير ذلك، ومع ذلك لم يقل أحد: إذا بلغت البنت ثلاثين سنة ولم تتزوج نزعت الولاية من وليها مثلاً !
  3. ضبط التعدي والإضرار ونحو ذلك من الممارسات الخاطئة مطلب شرعي، وهو من مهام ولي الأمر، كما تنبغي التوعية فيه، وكل ذلك يتم على أكمل وجه من غير المساس بالأحكام المجمع عليها ولله الحمد.

([1]) الإجماع ص (74)، وحكى الإجماع أيضاً آخرون منهم : المروزي في اختلاف الفقهاء ص(227).

([2] ) سورة الطلاق: أية (4).

([3]) الحجة على أهل المدينة (3/126)، بدائع الصنائع (2/241)، فتح القدير (3/260).

([4]) نصَّ عليها في مسائل ابنه عبد الله (3/1011)، المغني (9/399)، الإنصاف (8/55).

([5] ) الشرح الكبير (2/223)، الفواكه الدواني (2/6).

([6] ) المحلى (9/460).

([7]) الاختيارات ص (204)، الإنصاف (8/55)، الفتاوى (32/28)، الفتاوى الكبرى (4/72، 77)، زاد المعـاد (5/98)، ورجَّحه ابن المنـذر في الإشراف (1/24).

([8] ) فتاوى ابن إبراهيم في (10/73-78).

([9] ) الشرح الكبير (2/222)، بداية المجتهد (2/5).

([10] ) شرح المحلي (3/222)، الحاوي (9/52).

([11] ) المغني (9/399)، الإنصاف (8/55).

([12] ) الاستذكار (16/23)، المغني (9/400).

([13] ) انظر : الاستذكار (16/51)، فقه الأسرة (1/ 225).

([14]) انظر: فتح القدير (3/263)، وانظر : الإشراف لابن المنذر (1/24) .

([15]) أخرجه أبو داود (2096)، والإمام أحمد (4887) قال ابن حجر في فتح الباري (9/196): “وأمّا الطعن في الحديث فلا معنى له، فإن طرقه يقوى بعضها ببعض “، وبنحوه قال ابن القيم في تهذيب السنن.

([16]) (9/196)، وانظر: الدراية لابن حجر أيضاً (2/61)، فقد ذكر لهذا الحديث جملة شواهد .

([17] ) (3/40).

([18] ) الفتاوى (32/40)، زاد المعاد (5/97).

([19]) المغني (9/405)، وانظر : الأم (5/23)، البهجة في شرح التحفة (1/410)، المبدع (7/23)، شرح الخرشي (3/176)، وهذه الشروط من مجموع كلام الفقهاء ولا يلزم أن يكون جميعهم يقول بجميعها.

المراجع

1. اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية، من كتاب العارية إلى نهاية كتاب النكاح – دراسة مقارنة، أ.د فهد بن عبد الرحمن اليحيى.الناشر: دار كنوز إشبيليا، وقد استقينا صياغة جُلّ المسألة منه.
2. زواج القاصرات، للباحث: سمير بن خليل المالكي، وهو بحث مختصر أو مقال منشور في موقع صيد الفوائد.

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى