قسم الأطعمة واللباس والزينة والآدابباب الآداب العامة و الاحتفالات

حكم تمثيل الأنبياء في الأفلام والمسلسلات

مسألة رقم 96

العناوين المرادفة

تجسيد شخصية الأنبياء في وسائل الإعلام.

صورة المسألة

يتم كتابة سيرة أحد الأنبياء, ومن ثم يتم تجسيد تلك الكتابة في شخصيته عن طريق ظهور أحد الأشخاص في فيلم أو تمثيلية أو مسرحية أو غير ذلك من الأعمال التلفزيونية أو السينمائية، ويقوم بدور النبي.

حكم المسألة

اتفقت كافة الهيئات الشرعية والمجامع الفقهية على تحريم ومنع تمثيل أحد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لما في ذلك من امتهان لمقام النبوة, ومايترتب على تمثيل الأنبياء من المفاسد العظيمة, والمخاطر الكبيرة, ومن تلك القرارات والفتاوى :

 

قرار المجمع الفقهي الإسلامي في دورته الثامنة:

إن مقام النبي -صلى الله عليه وسلم- مقام عظيم عند الله تعالى، وعند المسلمين، وإن مكانته السامية، ومنزلته الرفيعة معلومة من الدين بالضرورة، فقد بعثه الله تعالى رحمة للعالمين، وأرسله إلى خلقه بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، وقد رفع ذكره، وأعلى قدره، وصلى عليه وملائكته، وأمر المؤمنين بالصلاة والسلام عليه، فهو سيد ولد آدم، وصاحب المقام المحمود.

وإن الواجب على المسلمين احترامه وتقديره وتعظيمه التعظيم اللائق بمقامه ومنزلته عليه الصلاة والسلام.

فأي امتهان له أو تنقص من قدره يعتبر كفراً وردة عن الإسلام، والعياذ بالله تعالى.

وأنّ تخييل شخصه الشريف بالصور، سواء كانت مرسومة متحركة أم ثابتة، وسواء كانت ذات جرم وظل، أو ليس لها ظل وجرم، كل ذلك حرامٌ، لا يحل، ولا يجوز شرعاً، فلا يجوز عمله وإقراره لأي غرض من الأغراض، أو مقصد من المقاصد، أو غاية من الغايات، وإن قصد به الامتهان كان كفراً؛ لأن في ذلك من المفاسد الكبيرة، والمحاذير الخطيرة شيئاً كثيراً وكبيراً.

وأنه يجب على ولاة الأمور، والمسؤولين، ووزارات الإعلام، وأصحاب وسائل النشر منع تصوير النبي -صلى الله عليه وسلم- صوراً مجسمة وغير مجسمة، في القصص والروايات والمسرحيات وكتب الأطفال والأفلام والتلفاز والسينما وغير ذلك من وسائل النشر، ويجب إنكاره وإتلاف ما يوجد من ذلك.

ومثل النبي سائر الرسل والأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- فيحرم في حقهم ما يحرم في حق النبي صلى الله عليه وسلم.

لذا فإن المجلس يقرر: بأن تصوير أي واحد من هؤلاء حرام، ولا يجوز شرعاً، ويجب منعه.

 

قرار المجمع الفقهي الإسلامي في دورته العشرين:

إن المجمع يؤكد على قراره السابق في تحريم إنتاج هذه الأفلام والمسلسلات، وترويجها والدعاية لها واقتنائها ومشاهدتها والإسهام فيها وعرضها في القنوات؛ لأن ذلك قد يكون مدعاة إلى انتقاص الأنبياء والحط من قدرهم وكرامتهم، وذريعة إلى السخرية منهم، والاستهزاء بهم.

ولا مبرر لمن يدعي أن في تلك المسلسلات التمثيلية، والأفلام السينمائية التعرف عليهم وعلى سيرتهم؛ لأن كتاب الله قد كفى وشفى في ذلك، قال تعالى: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ ) [يوسف: 3]. وقال تعالى: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) [يوسف: 111].

ويذكر المجمع بقرار هيئة كبار العلماء، وفتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية، وفتوى مجمع البحوث الإسلامية في القاهرة، وغيرها من الهيئات والمجامع الإسلامية في أقطار العالم التي أجمعت على تحريم تمثيل أشخاص الأنبياء والرسل عليهم السلام مما لا يدع مجالاً للاجتهادات الفردية .

ومن المعلوم من الدِّين بالضرورة أن الله تعالى فضل الأنبياء والرسل على غيرهم من العالمين، كما قال تعالى في محكم كتابه الكريم: (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ ۚ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ ۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ كُلًّا هَدَيْنَا ۚ وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84)وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ ۖ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا ۚ وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ ) [الأنعام: 83-86].

ففي قوله تعالى: (وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ) تفضيل الأنبياء على سائر الخلق، ومحمد -صلى الله عليه وسلم- هو خير الأنبياء وأفضلهم، كما قال عن نفسه عليه الصلاة والسلام: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفع) [رواه مسلم (2278)].

وهذا التفضيل الإلهي للأنبياء الكرام -وفي مقدمتهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم- يقتضي توقيرهم واحترامهم، فمن ألحق بهم أيّ نوع من أنواع الأذى فقد باء بالخيبة والخسران في الدنيا والآخرة، قال تعالى في حق نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ) [الأحزاب: 57]. فجعل أذى الرسول -صلى الله عليه وسلم- من أذى الله تعالى، وحكم على مؤذيه بالطرد والإبعاد عن رحمته، والعذاب المهين له.

وقد قرّر أهل العلم أن أذية الرسول -صلى الله عليه وسلم- تحصل بكل ما يؤذيه من الأقوال والأفعال.

وتمثيل أنبياء الله يفتح أبواب التشكيك في أحوالهم والكذب عليهم؛ إذ لا يمكن أن يطابق حال الممثلين حال الأنبياء في أحوالهم وتصرفاتهم وما كانوا عليه -عليهم السلام- من سمت وهيئة وهدي، وقد يؤدي هؤلاء الممثلون أدواراً غير مناسبة -سابقاً أو لاحقاً- ينطبع في ذهن المتلقي اتصاف ذلك النبي بصفات تلك الشخصيات التي مثلها ذلك الممثل.

فعلى الأمة أن تقوم بواجبها الشرعي في الذبّ عن الأنبياء والمحافظة على مكانتهم، والوقوف ضد من يتعرض لهم بشيء من الأذى.

ووسائل الإعلام مدعوة إلى الإسهام في نشر سير الأنبياء والرسل -عليهم السلام- والصحابة الكرام -رضي الله عنهم- دون تمثيل شخصياتهم، وهي مدعوة إلى امتثال التوجيهات الإلهية والنبوية في القيام بالمسؤوليات المتضمنة توعية الجماهير؛ لكي تتمسك بدينها وتحترم سلفها.

 

قرار لجنة الفتوى بالأزهر:

يحرم تمثيل الرسل والأنبياء في الأفلام والمسلسلات, لما يترتب على ذلك من المفاسد الكثيرة, ومنها:

  • تشكيك المؤمنين في عقائدهم، وتبديد ما وقر في نفوسهم من تمجيد هذه المثل العليا، إذ إنهم قبل رؤية هذه المشاهد يؤمنون حقا بعظمة الأنبياء ورسالتهم، ويتمثلونهم حقاً في أكمل مراتب الإنسانية وأرفع ذراها، إذا هم بعد العرض قد هانت في نفوسهم تلك الشخصيات الكريمة، وهبطت من أعلى درجاتها إلى منازل العامة والأخلاط، وقد تقمصهم الممثلون في صور وأشكال مصطنعة مما يتقلص معه ظل الدين والأخلاق..
  • إثارة الجدل والمناقشة والنقد والتعليق حول هذه الشخصيات الكريمة وممثليها من أهل الفن والمسرح تارة، ومن النظارة تارة أخرى، وها نحن أولا نرى صفحات للفن والمسرح ومجادلات في التعليق والنقد، وأنبياء الله ورسله مثل كلام الله عز وجل، فوق النقد والتعليق.
  • التهاب المشاعر، وتحزب الطوائف، ونشوب الخصام والقتال بين أهل الأديان كما وقع بين المسلم واليهودي في العصر النبوي، وما أحوجنا إلى الأمن والاستقرار وإطفاء الفتن وتسكينها، لا إثارتها وإشعالها.
  • الكذب على الله ورسله؛ لأن التمثيل أو التخيل ليسا إلا الترجمة للأحوال والأقوال والحركات والسكنات، ومهما يكن فيها من دقة وإتقان فلا مناص من زيادة أو نقصان، وذلك يجر طوعا أو كرها إلى الكذب والضلال، والكذب على الأنبياء كذب على الله تعالى، وهو كفر وبهتان مبين، والعياذ بالله.
المراجع

1. مجلة الأزهر، العدد الصادر في رجب عام 1374هـ.
2. أحكام فن التمثيل في الفقه الإسلامي, محمد موسى الدالي، ص(182).
3. حكم التمثيل في الدعوة إلى الله ,عبد الله بن محمد آل هادي، ص(65).
4. الشريعة الإسلامية والفنون, أحمد مصطفى القضاة، ص(379).
5. قرارات المجمـع الفقهـي الإسلامـي برابطة العالم الإسلامي، الدورة الثامنة 1405هـ.
6. قرارات المجمـع الفقهـي الإسلامـي برابطة العالم الإسلامي، الدورة العشرون، مكـة المكرمـة، 19-23 محرم 1432هـ الموافق 25-29 ديسمبر 2010م.

مسائل ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى