قسم الجنايات والقضاء والعلاقات الدوليةباب الجنايات

تسبب المرأة في وفاة جنينها بركوبها الطائرة.

مسألة رقم 243

العناوين المرادفة

1. مباشرة الأسباب المؤدية إلى الإجهاض.
2. التسبب في وفاة الجنين.

صورة المسألة

فإن السفر بالطائرة – بالنسبة للحامل – قد يمثل خطرا على حياة الجنين في بعض الحالات نظرا إلى اضطرابات الطائرة عند الإقلاع والهبوط ومواجهة بعض الظروف التي تعيق استقرار السير في الجو.
فإذا سافرت المرأة عن طريق الجو، وأدى ذلك إلى إسقاط الجنين هل يوصف هذا الفعل بالجناية، وتترتب عليه آثارها من الدية والكفارة… في حق المرأة المتسببة؟
والمستقر عند الأطباء أن ركوب الطائرة بالنسبة للحامل لا يمثل – في حد ذاته – خطرا على الجنين إذا أخذت باحتياطات السلامة اللازمة من ربط الحزام الخاص، وتجنب الأمور المثيرة، وغاية ما فيه أنه قد يفضي – وبالأخص في الثلثين الأول والأخير للحمل – إلى بعض المضاعفات كالغثيان ونحوه.
ولكن استثنوا بعض الحالات، فذكروا أن المرأة إذا كانت حاملا بتوأم، أو تعاني من السكري أو ارتفاع الضغط، أو تعاني من تشوهات في المشيمة… أن ركوبها الطائرة في هذه الحالات قد يسبب خطرا على حياة الجنين.

حكم المسألة

بالنظر إلى كلام الأطباء يمكن بيان حكم المسألة في صورتين:

الأولى: أن يثبت بتقرير طبيب ثقة أن سفرها بالطائرة لا يمثل أي خطر على الجنين، فيترتب عليه إسقاطه، فالحكم في هذه الحالة أن الحامل لا يلزمها الضمان لانتفاء القصد والتقصير، وقياسا على ركوب الدابة في حال السلامة.

وأما الطبيب فقد اتفقوا أنه إذا أخطأ فأدى خطؤه إلى الإتلاف يلزمه الضمان؛ ودية خطأ الطبيب على عاقلته عند الجمهور، ومنهم من أوجبها في ماله الخاص.

 

الثانية: أن يثبت بتقرير الطبيب أن سفرها بالطائرة يمثل خطرا على حياة الجنين، ثم سافرت ولم تلتزم بتوصيته؛ فترتب عليه إسقاطه به، فهذه المسألة يمكن تخريجها على ما إذا تعاطت الحامل ما يسقط الجنين فأسقطته، وبيانها فيما يلي:

أولا: اتفقوا على أن الحامل إذا تسببت في إسقاط الجنين – كأن شربت دواء لإسقاطه – أن ذلك يوجب الدية، وهو غرة عبد أو أمة على الخلاف في تعيين قيمتها؛ وذلك أن الإسقاط حاصل بفعلها؛ فلزمها الدية قياسا على غيرها.

  • اتفقوا على أن من شرط وجوب الغرة انفصال الجنين عن أم ميتا؛ لأن وصف الجناية يتحقق بخروجه ميتا على تقدير استقرار حياته في بطن أمه.
  • اشترط الجمهور لوجوب الغرة: أن يبين فيه خلق إنسان خلافا للمالكية في قولهم: أن الغرة تجب بكل ما أسقطته من مضغة أو علقة … يعلم أنه ولد.

 

ثانيا: اتفقوا على أن الجنين إذا انفصل عن أمه حيا، ثم مات بسبب الجناية تجب فيه دية كاملة، ومقتضاه: أن الحامل لو تعمدت ركوب الطائرة مع ثبوت خطره على الجنين، فانفصل حيا ثم مات بسببه أنها تضمن الدية.

 

ثالثا: اختلفوا في وجوب الكفارة بسبب جناية الأم على الحمل على اتجاهين:

الاتجاه الأول: تجب الكفارة، وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة، وهو قول عمر والحسن وعطاء والزهري والنخعي وإسحاق، واستدلوا على ذلك بما يلي:

  1. قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً ۚ وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا) [النساء:92].

وجه الدلالة: أن الآية عامة في كل قتيل مؤمن، والجنين تبع لوالديه في الإيمان.

  1. ولأنه آدمي معصوم، فلزم بقتله الكفارة، وبذلك قضى عمر، رضي الله عنه.

ونوقش: أن الجنين عضو لم تكتمل آدميته، فلا يدخل في عموم النص.

 

الاتجاه الثاني: لا تجب فيه الكفارة، وهو مذهب الحنفية، واستدلوا على ذلك بما يلي:

  1. قضاء النبي – ﷺ – بالغرة في الجنين، ولم تذكر فيه الكفارة؛ ولو كانت واجبة لذكرها؛ لأنه في معرض بيان الحكم، وتأخير البيان في وقت الحاجة لا يجوز.

ونوقش: أن الكفارة في القتل الخطأ عامة بمقتضى عموم الآية، وسكوت النبي الجنين -ﷺ- عنها في قضائه بالغرة في الجنين لا يخرجها عن أصل العموم.

  1. ولأن الكفارة عقوبة بسبب الجناية، والعقوبات توقيفية لا يجري فيها القياس.

نوقش: أن كون العقوبات لا يجري فيها القياس مختلف فيه، وبالتالي يرد في القياس الخلاف في الأصل؛ وذلك يؤثر في صحته.

رابعا: اتفقوا على أن الحامل إذا تسببت في إسقاط جنينها بتعاطي ما يسقطه لا تستحق شيئا من ميراثه؛ لأنها قاتلة، والقتل من موانع الإرث باتفاق الفقهاء.

المراجع

1. بداية المجتهد لأبي الوليد محمد بن أحمد ابن رشد الحفيد القرطبي (ت 595 هـ).
2. الدر المختار مع حاشية ابن عابدين لمحمد أمين بن عمر (ت 1252هـ)
3. روضة الطالبين لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي (ت 676 هـ).
4. الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي، لمحمد بن أحمد الدسوقي (ت 1230هـ).
5. المغني لموفق الدين عبدالله بن أحمد المقدسي (ت 620 هـ).
6. مواهب الجليل لأبي عبدالله محمد بن محمد الحطاب، (ت 954 هـ)
7. الموسوعة الفقهية الكويتية إصدار: وزارة الأوقاف الكويتية.
8. موقع (mawdoo3.com) بعنوان: سفر الحامل.
9. موقع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء (www.alifta.net) فتوى رقم: (228).
10. موقع دائرة الإفتاء العام الأردنية (https://www.aliftaa.jo/). فتوى رقم: (2885)

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى