قسم الفقه الطّبيباب الطب الوقائي

الوقاية من الأمراض المعدية والوبائية

المسألة رقم 94

صورة المسألة

المقصود بالمرض المعدي: المرض الذي يصيب أيًا من الكائنات الحية، بحيث يكون للفيروس أو الميكروب المسبب للمرض القابلية للانتقال إلى كائن حي آخر من نفس الفصيلة أو فصيلة أخرى، بواسطة أي وسيلة من وسائل العدوى المختلفة، أو هو غزو الجسم بالأحياء الدقيقة المضرة.
وتنقسم الأمراض المعدية إلى نوعين:
النوع الأول: أمراض معدية غير جنسية:
ومن أمثلتها ما يلي:فيروس الحصبة الألمانية (German measles)، وفيروس تضخم الخلايا (حمة مضخمة الخلايا ) (Cytomegalovirus)، وغيرها.
النوع الثاني: أمراض معدية جنسية:
ومن أشهرها ما يلي: الإيدز (متلازمة العوز المناعي ) (Acguinedlmmune deficiency)، والهربـس (Herpes)، والزهري (السفلس ) (داء الفرنجي ) (Syphilis)، والسيلان (Gonrrhea)، و القرحة التناسلية (Chancoid)، والتهاب الكبد الفيروسي (ب ) (Hepatitis B virus,HBV) وغيرها.
– وتنتقل العدوى بواسطة طرق متعددة أبرزها: التنفس، والملامسة، والدم، والمعاشرة الجنسية.
– والمرض المعدي: هو الذي له صفة الانتقال، فإذا جاوز ذلك إلى صفة الهلاك الجماعي بسببه سمي مرضًا وبائيًا، بحيث يهلك بسببه جماعات كثيرة من الخلق.
– وأبرز مصادر نقل العدوى: الإنسان، والحيوان

حكم المسألة
  • العناية بالتثقيف الطبي للأسر والمجتمعات مطلب ذو أهمية، فإن الله قد كرم الإنسان وفضله على سائر المخلوقات، والثقافة الطبية من أبرز وسائل المعرفة لحماية ذلك المخلوق، كما أن الله حرم بعض أنواع الأطعمة والذبائح صيانة للعباد وحماية لهم من الضرر، كما أن قواعد الشريعة دلت على ذلك كقاعدة (الضرر يزال) وغيرها.
  • وردت أحاديث عن النبي ﷺ تنفي العدوى منها قوله صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى ولا طيرة )(أخرجه البخاري ح 5707، ومسلم ح2220).

كما جاءت عنه ﷺ أحاديث أخرى تثبت العدوى، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يوردن ممرض على مصح )(أخرجه البخاري ح 5771، ومسلم ح2221).

وقد جمع بينها أهل العلم على طرق أصحها وأشهرها: أن العدوى المثبتة غير العدوى المنفية، إذ نفى ﷺ تأثير العدوى بنفسها واعتقاد أن انتقالها ذاتي، وهو اعتقاد جاهلي؛ لما فيه من الشرك، وأثبت ﷺ الأسباب التي لوشاء الله صَرَفَ مقتضياتها، وفي ذلك إمكان حصول العدوى بإذن الله وتقديره،وقد قال النووي عن هذه الطريقة في الجمع: هي الصواب الذي عليه جمهور العلماء ويتعين المصير إليه[1].

  • جاءت الشريعة الإسلامية بعدد من الوسائل لحماية الأفراد والأسر والمجتمعات من الأمراض المعدية والوبائية و هذه الوسائل أبرزها ما يلي:

الوسيلة الأولى: الجانب العملي المتمثل فيما يجب على المريض، وما يجب على غيره:

فيجب على المريض أن يبذل كل جهده في عدم انتشار مرضه، بالبعد عن الاختلاط، وعدم الخروج إلا للضرورة، ويجب على غير المريض البعد عن المريض المصاب بمرض معد.

الوسيلة الثانية: الجانب العقدي: بحيث يجب على المريض الرضا بقضاء الله وقدره، والصبر والاحتساب، ويجب على غير المريض التوكل على الله وعدم الخوف إلا منه سبحانه، والأخذ بالفأل الصالح، والكلمة الحسنة، فلهما أثر إيجابي في نفس المريض وفي التنفيس عنه ومساعدة روحه على طرد المرض بإذن الله، كما أنها تنفع قائلها في دفع الخوف من الإصابة بالمرض.

الوسيلة الثالثة: التحصين، ويقصد به: إدخال الفيروس أو الميكروب مضعفًا أو ميتًا إلى جسم الإنسان حتى تتعرف عليه أجهزته المناعية فتقوم بصنع الأجسام المضادة، بحيث إذا تم هجوم ميكروب في المستقبل تمكن الجسم من مقاومته.

والتحصين من أنواع الوقاية المطلوبة شرعًا، وهو من باب الحمية المشروعة، واستدل له بعضهم بما جاء في الحديث عن النبي ﷺ: (من تصبح سبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر)(أخرجه البخاري ح5769، ومسلم ح2047)

فإن هذا الحديث ظاهر في مشروعية اتخاذ الأسباب المقاومة للداء قبل وقوعه.

الوسيلة الرابعة: الحجر الصحي: ويقصد به: منع اختلاط مرضى الأمراض المعدية بجمهور الأصحاء، وذلك عن طريق حجز المرضى في أماكن مخصصة معزولة، ووضعه تحت الرقابة الطبية الدقيقة إلى حين انتهاء مدة الحضانة.

والحجر الصحي من وسائل حفظ الصحة والوقاية من المرض، وقد جاء في خبر الطاعون قوله ﷺ: (إن هذا الوجع رجز، أو عذاب…. فإذا كان بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها، وإذا بلغكم أنه بأرض فلا تدخلوها) (أخرجه البخاري ح3473، و مسلم ح 5910).

وجاء في الحديث الآخر عنه ﷺ قوله: (لا يوردن ممرض على مصح ) (أخرجه البخاري ح5707، ومسلم ح2221).(راجع مادة: الحجر الصحي)

الوسيلة الخامسة: الفحص الطبي قبل الزواج. وقد اختلف الفقهاء المعاصرون في حكمه على اتجاهين:

الاتجاه الأول:عدم مشروعية الفحص الطبي قبل الزواج، قال به بعض المعاصرين، واستدل لهذا القول بما جاء في الحديث (أنا عند ظن عبدي بي….) (أخرجه الإمام أحمد ح7422، وصححه الألباني في صحيح الجامع ح4315).

فالمقدم على الزواج ينبغي أن يحسن الظن بالله، ويتوكل عليه.

ولما جاء في حديث: (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه, فزوجوه, إلا تفعلوا تكن فتنة فى الأرض وفساد عريض )(أخرجه الترمذي ح1084، وحسنه الألباني في إرواء الغليل ح1868)، فاعتبر الدين والخلق دون غيره.

ومن أدلة هذا القول: أن أركان النكاح وشروطه التي جاءت بها الأدلة الشرعية محددة، وليس منها الفحص الطبي قبل الزواج.

 

الاتجاه الثاني:جواز الفحص الطبي قبل الزواج، ومشروعيته، وإلى هذا القول ذهب أكثر الباحثين المعاصرين، واستدل أصحاب هذا القول على جواز الفحص الطبي قبل الزواج بأدلة متعددة منها يلي:

1-قوله تعالى: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ) جزء من الآية 195 من سورة البقرة.

 

ووجه الدلالة: أن بعض الأمراض المهلكةقد تنتقل بالزواج.

 

2- حديث: (لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر، وفر من المجذوم كما تفر من الأسد ) وحديث: (لا توردوا الممرض على المصح ) (أخرجهما البخاري ح5707 –5771، ومسلم ح2220-2221)وهذا الحديث نص في مشروعية البعد عن الأسباب المؤدية لحصول المرض

 

3- الاستدلال بمقاصد الشريعة العامة وقواعدها حيث إن من الضروريات الخمس المحافظة على النسل، ومن مقاصد الشارع في النكاح دوامه واستمراره، وبعده عن الخلافات والنزاعات وأنواع الشقاق

 

4-الاستدلال بالقواعد الفقهية،مثل: الضرر يزال، و الدفع أقوى من الرفع، والوسائل لها أحكام المقاصد وغيرها[1].


[1]الأشباه والنظائر للسيوطي، ص 86،138، مكتبة مصطفى البابي الحلبي، مصر، وقواعد الأحكام، للعز بن عبدالسلام،1/46،دارالكتب العلمية، بيروت.

 

[1]شرح النووي على مسلم 14/ 214.

المراجع

1. فقه النوازل، د. محمد حسين الجيزاني، دار ابن الجوزي، ط.1، 1426.
2. فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، ترتيب: أحمد الدويش، نشر الرئاسة العلمية للبحوث والإفتاء.
3. قضايا الصحة الإنجابية، ناصر الدين الشاعر،مجلة النجاح، العدد الثاني، السنة 2005م
4. أهمية الثقافة الطبية للخطاب وفحصهم قبل الزواج، ياسين غادي مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية الكويتية، العدد الأربعون، السنة 1420.
5. الفحص الطبي قبل الزواج بين الطب والفقه، محمد يحيى النجيمي مجلة البحوث الفقهية المعاصرة،،العدد الحادي والسبعون، السنة 1427.
6. أحكام الأدوية في الشريعة الإسلامية، حسن بن أحمد الفكي، مكتبة دار المنهاج، ط.1، 1425.
7. الأحكام الطبية المتعلقة بالنساء في الفقه الإسلامي، محمد خالد، ط.1، 1419.
8. الفحص الطبي قبل الزواج والأحكام الفقهية المتعلقة به، عبدالفتاح أحمد أبو كيلة، دار الفكر الجامعي، ط.1، 2008م.
9. فقه القضايا الطبية المعاصرة، ا.د. علي القرة داغي ود. علي المحمدي، دار البشائر الإسلامية، الطبعة الثانية، 1427.
10. العدوى بين الطب وحديث المصطفى، د. محمد علي البار، الدار السعودية للنشر، الطبعة الخامسة، 1405.
11. الطب في ضوء الإيمان، د. محمد المختار السلامي، دار الغرب الإسلامي، ط.1، 2001م.
12. أثر الأمراض المعدية في الفرقة بين الزوجين، د. عبد الله محمد الطيار، بحث منشور بالموقع الالكتروني التالي WWW.IN-ISLAM.NET.
13. الأمراض المنقولة جنسيًا، عصام كراويه وناهد عثمان، مكتبة الإشعاع الفنية، ط.1.
14. قواعد الوسائل في الشريعة الإسلامية،د.مصطفى مخدوم ص223,دار اشبيليا،الرياض.
15. -أحكام الأمراض المعدية في الفقه الإسلامي، إعداد عبد الإله بن سعود السيف، رسالة ماجستير مقدمة لكلية الشريعة، بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض.

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى