قسم الجنايات والقضاء والعلاقات الدوليةباب العلاقات الدولية

اللجوء السياسي

مسألة رقم 223

العناوين المرادفة

اللجوء الإقليمي
اللجوء الدبلوماسي

صورة المسألة

مصطلح اللجوء عند الإطلاق له معنى عام ومعنى خاص يتعلق بالتمثيل السياسي، فهو بالمعنى العام يشمل كل حالة يكون فيها الإنسان بحاجة إلى مكان يأمن فيه على نفسه وأهله وماله.
ووفقًا لما جاء في المعاهدة التي أقرت في ١٠ أيلول ١٩٦٩م بإشراف منظمة الوحدة الإفريقية يعتبر لاجئاً “..كل شخص يخشى بحق أن يكون ملاحقًا بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته، أو انتمائه إلى مجموعة اجتماعية معينة وإلى آرائه السياسية، ويوجد خارج البلد الذي يحمل جنسيته، ولا يستطيع ولا يريد بسبب هذا الخوف العودة إليه..”.
أما اللجوء بمعناه الخاص الذي يدخل في تصرفات الإمام في مجال التمثيل السياسي فيقتصر على نوعين من اللجوء يستعملان في إطار العلاقات الدبلوماسية للدلالة على الحالات التي يلجأ فيها فرد أو أفراد لهم صفة سياسية إلى دولة من الدول، وهذا ما يطلق عليه اللجوء الإقليمي، أو الحالة التي يلجأ فيها فرد أو أفراد لهم صفة سياسية أو غير سياسية إلى مقر سفارتها خارج إقليمها، وهو ما يطلق عليه اللجوء الدبلوماسي.
ويلاحظ الفرق بين اللجوءين من حيث الأشخاص، فأشخاص اللجوء الإقليمي لهم الصفة السياسية، وهم سفراء أو ممثلون ومبعوثون سياسيون، أما أشخاص اللجوء الدبلوماسي فهم سياسيون أو غير سياسيين لجأوا إلى مقر سفارة أو بعثة سياسية لدولة من الدول على أراضي دولة أخرى.

حكم المسألة

اللجوء صورة من صور عقد الأمان الذي يختص الإمام بإبرامه، وبالعودة إلى تاريخ اللجوء قبل الإسلام نرى أن حماية اللاجئ كانت من العادات الحميدة عند العرب، والقيام بحق الجوار مناط الشرف والسؤدد، وجاء الإسلام فأقر هذه العادة، واستفاد المؤمنون الأوائل من نظام اللجوء (الجوار).

واللجوء في الشريعة الإسلامية يأخذ المعنى العام للجوء، فيدخل فيه اللجوء السياسي الذي يطلبه السياسيون في حال خروجهم عن أنظمة الحكم في بلدانهم لأي سبب من الأسباب، وهو ما يطلق عليه اللجوء الإقليمي الخاص بالممثلين السياسيين على اختلاف صفاتهم، ويدخل فيه اللجوء الدبلوماسي الذي يقع في مقرات السفارات والبعثات السياسية، كما يدخل فيه اللجوء الإنساني الذي تولده الكوارث والحروب وسائر التغيرات والظروف الإنسانية المختلفة.

فاللجوء إذًا حاجة إنسانية تفرضها الأحداث، ولا مناص من الاعتراف بها، ولا بأس بتنظيم أحكام وترتيبات خاصة بها، ولأن اللجوء الإقليمي الخاص بالسفراء ومن في حكمهم من المسائل المؤثرة في سير العلاقات بين الدول فإنه يعتبر من الاختصاصات الدولية لرئيس الدولة في الشريعة الإسلامية.

ولمعرفة مدى صحة هذا القول ولبيان حكم لجوء السفراء العاملين لدى الدولة الإسلامية إليها نستعرض آراء الفقهاء في مسألة قبول طلب اللجوء الإقليمي لدى الدولة الإسلامية من مسلم جاء من خارج حدود الدولة الإسلامية، سواء كان رسولاً أم غير رسول.

إنَّ قبول لجوء السفير المسلم أو ردّه يبنى على هذه المسألة؛ لأنه لا فرق بين السفير وغيره في مسألة حمايته وتأمينه، وحق الإسلام أعظم من حق الرسالة، ولا وجه للفرق بين لجوء السياسي وغيره من حيث حكم هذا اللجوء على وجه الخصوص.

آراء الفقهاء في مسألة السفير اللاجئ إذا كان مسلماً:

الرأي الأول: إذا أسلم الرسول (السفير)، وطلب الإقامة في دار الإسلام، وطلبت دولته أن يُرد إليها، فعلى الإمام رده إلى دولته.

وهذا رأي الإمام مالك وابن القاسم –رحمهما الله تعالى -.

 

الرأي الثاني: يذهب أصحاب هذا الرأي إلى وجوب رد المسلم إذا جاء من دار العهد إذا كان من شروط العهد أن يُرد إليهم كل من جاء مسلمًا من قبلهم، لتعارض إمساكه مع ما يجب على المسلمين من الوفاء بالعهد الذي دخلوا فيه مهما كانت نتائجه غير مرضية. وهذا مذهب الحنابلة.

ويستثني ابن القيم رحمه الله الرسول فلا يقره الإمام على الإقامة في دار الإسلام ما دام رسولاً. ويرى أن قوله صلى الله عليه وسلم: «لا أحبس البُرُد» [رواه أبو داود 2758] حكم يختص بالرسل مطلقًا.

 

الرأي الثالث: يذهب أصحابه إلى أن المسلم يُرد إلى البلد التي فر منها إذا كانت له عشيرة تحميه وتمنع عنه الأذى، أما من ليس له عشيرة تحميه فلا يرد خوفًا عليه من الفتنة والأذى، وهذا المذهب عند الشافعية([1]).

وهذا يعني أن سفير أي دولة من الدول إذا أسلم وطلب لجوءًا إقليميًا من الدولة الإسلامية فإنه وفقًا لمذهب الشافعية يرد عند طلب ذلك بشرط أن يتأكد لسلطة الدولة الأمان عليه من الأذى سواء كان الأمن عليه لمنعته في عشيرة أم لغير ذلك من الأسباب، ويجب تأمينه وعدم رده عند انتفاء هذا الشرط.

 

الرأي الرابع: أنَّ المسلم لا يرد إلى أيدي الكفار، ولو كان بينهم وبين المسلمين شرط على أن من جاء إلى المسلمين ردوه. وهذا رأي الحنفية([2])، وابن حبيب وابن العربي من المالكية([3]).

وقد رأى بعض الباحثين – ممن بحث هذه المسألة – أنَّ اللاجئ المسلم لا يرد إلى بلاد الكفر، ولو جاء من قبلهم سفيرا؛ لأن واجب النصرة يقتضي حمايته وتأمينه، وصفة الرسالة زيادة له في حق الأمان والحماية الواجبين له في الشريعة الإسلامية، فلا تكون في هذا المقام سببًا لتعريضه لأضرار فر منها، وعلى الإمام ألا يقبل بشرط الرد من البداية إلا للضرورة القاهرة.

وبناءً على هذا فإن قبول اللجوء الإقليمي للسفير المسلم من واجبات الدولة الإسلامية، ومن الأمور التي سبقت الشريعة فيها القانون الدولي نظريًة وتطبيقا.

وللإمام فيها مجال واسع للنظر والاجتهاد والموازنة بين المصالح والمفاسد وإعمال وجوه السياسة الشرعية المنضبطة بقواعد الشريعة ومقاصدها.


([1]) أسنى المطالب 4/227.

([2]) فتح القدير لابن الهمام 5/460.

([3]) أحكام القرآن لابن العربي 4/231.

المراجع

• تصرفات الإمام في مجال التمثيل السياسي الدولي في الشريعة الإسلامية، للباحث: عبد الولي بن عبدالواحد الشلفي، رسالة ماجستير في الفقه الإسلامي من كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى 1428هـ.
• حق اللجوء السياسي في الفقه الإسلامي والقانوني الدولي، بحث منشور في مجلة الشريعة والقانون في الكويت، في العدد رقم (72)، من إعداد: د. وليد الربيع.
• اللجوء السياسي في الإسلام، حسام محمد سباط (17)، فما بعدها.
• أسنى المطالب في شرح روض الطالب، زكريا الأنصاري (4/227).
• فتح القدير شرح الهداية، الكمال بن الهمام (5/460).
• أحكام القرآن، أبو بكر ابن العربي المعافري (4/231).

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى