قسم المعاملات الماليةباب الإجارة

بدل الخلو

المسألة رقم 9

العناوين المرادفة

بدل الخلو:
التقبيل، والفروغية, القفلية, والجلسة، وخلو الحوانيت، والإنزال، ونقل القدم أو نقل الرِّجل, وخلو الرِّجل.

صورة المسألة

أن يقوم شخص بدفع مبلغ من المال لآخر مقابل تنازل المنتفع بالعقار عن حقه في الانتفاع به. ويدخل في ذلك أن يدفع المستأجر للعقار للمالك مبلغًا زائدًا عن الأجرة، أو أن يدفع المالك للمستأجر مبلغًا مقابل التنازل عن المدة المتبقية في العقد، أو أن يدفع مستأجر جديد للمستأجر الأصيل مبلغًا مقابل ذلك.

حكم المسألة

يختلف الحكم على بدل الخلو على حسب صوره:

1/ أن يأخذه المالك وناظر الوقف من المستأجر عند العقد.

2/ أن يأخذه المستأجر من المالك قبل نهاية المدة.

3/ أن يأخذ المستأجر بدل الخلو من مستأجر آخر.

4/ أن يأخذه مستأجر الوقف من شخص آخر.

 

حكم الصورة الأولى: أخذ المالك أو ناظر الوقف بدل الخلو من المستأجر:

اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:

القول الأول: أن ما يأخذه المالك جائز.

أهم أدلة هذا القول:

1/ أنه ماله, فله أن يؤجره كما يشاء، فيكون ما يأخذه جزءًا من الأجرة, قُسِّم إلى معجلٍ ومؤجل, وهذا جائزٌ بالاتفاق, سواء سُمِّي أجرةً أو بدل خلو.

2/ القياس على البيع مقسطًا.

القول الثاني: أن ما يأخذه المالك لا يجوز.

دليل هذا القول: أنه لا وجه لأخذه ولا مبرر له, فهو أكل للمال بالباطل، وهو منهي عنه شرعًا.

 

حكم الصورة الثانية: أخذ المستأجر بدل الخلو من المالك، وله حالتان:

الحالة الأولى: أن يكون ذلك بعد نهاية المدة, فلا حق له فيه, لانتهاء المدة, ولا يجبر المالك على أن يؤجر له أو لغيره. وأما إذا بنى المستأجر فيما استأجره, أو أضاف شيئًا بإذن المالك, فقال بعضهم: إن كان مما ينقل فيلزمه نقله، وإن كان ما لا ينتقل فله الرجوع عليه, خاصة إذا كان مما يفقد قيمته بنقله.

الحالة الثانية: أن يكون ذلك قبل انتهاء المدة، فالحكم فيها مبنيٌّ على حكم الإقالة هل هي فسخ أو بيع؟ والجمهور على أنها فسخ، وعلى هذا القول لا يجوز أخذ الزيادة، وعلى القول بأنها عقد جديد يجوز.

 

حكم الصورة الثالثة: بدل الخلو الذي يأخذه المستأجر من المستأجر الجديد، ولها حالتان:

الحالة الأولى: أن يأخذه بعد نهاية المدة: فلا يجوز, لأنه يكون تصرفًا في ملك الغير, ولا حق له في التصرف إلا بإذن المالك.

الحالة الثانية: أن يأخذه قبل نهاية المدة ففيه خلاف على قولين:

القول الأول: الجواز، وقد أفتى به اللقاني المالكي، وأنه يورث, وتبعه كثير من علماء المالكية كالشيخ عليش والشيخ الزرقاني والحموي في شرح الأشباه،واختار هذا القول ابن عابدين من الحنفية، وبعض الحنابلة, وقالوا كما في مطالب أولي النهى: ولا تصح إجارة الخلو, ولكن يصح بيعه وهبته ووفاء الدين منه([1]).

القول الثاني: التحريم، وهو قول بعض العلماء المعاصرين.

أهم أدلة القائلين بالجواز:

1/ أن الأصل في المعاملات الجواز، ولا مانع منه في الأدلة والقواعد الشرعية.

2/ إعمال العرف الذي لا يتعارض مع الشرع, والقاعدة تقول:(العادة محكمة)([2]).

3/وجود الحاجة الماسة إلى ذلك, ففي القول بالجواز دفعٌ للحرج.

أهم أدلة القائلين بالتحريم:

1/ أن المستأجر ليس له الحق في أن يؤجر إلا بإذن المالك, لأنه يؤدي إلى منع المالك من التصرف في ماله.

2/ أنه ليس له أن يؤجر بأكثر مما استأجر.

 

حكم الصورة الرابعة: أن تكون العين المؤجرة وقفًا، ويأخذ المستأجر بدل الخلو من الطرف الجديد:

للعلماء في هذه الصورة قولان:

القول الأول: الجواز، وهو قول أكثر المالكية وبعض الحنفية والشافعية والحنابلة([3]).

أهم الأدلة التي استدلوا بها:

1/ انه قد تعارف الناس على جواز التصرف في الخلو, وأنه حق ثابت لصاحبه, واعتادوا عليه، والعادة محكمة.

2/ أنه لا مخالفة فيه لنصٍّ شرعي, فيبقى على أصل الإباحة.

القول الثاني: عدم الجواز, وهو قول لبعض الحنفية.

أهم الأدلة التي استدلوا بها: أنه محتوٍ على جهالةٍ وغرر, لأن المال في مقابلة منفعة مجهولة, وقد يؤدي إلى أن يكون دافع المال متصرفًا في الوقف إلى الممات، فمدة المنفعة مجهولة.

 

قرارات المجامع الفقهية والهيئات الشرعية والفتاوى العلمية.

 

أولا: قرارات المجامع الفقهية:

1/ صدر من مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من (18-23 جمادى الآخر 1408هـ الموافق 6-11(فبراير)1988م)، قرر ما يلي:

 

أولًا: تنقسم صور الاتفاق على بدل الخلو إلى أربع صور هي:

1- أن يكون الاتفاق بين مالك العقار وبين المستأجر عند بدء العقد.

2- أن يكون الاتفاق بين المستأجر وبين المالك, وذلك في أثناء مدة عقد الإجارة, أو بعد انتهائها.

3- أن يكون الاتفاق بين المستأجر وبين مستأجر جديد، في أثناء مدة عقد الإجارة, أو بعد انتهائها.

4- أن يكون الاتفاق بين المستأجر الجديد وبين كل من المالك والمستأجر الأول، قبل انتهاء المدة، أو بعد انتهائها.

 

ثانيًا: إذا اتفق المالك والمستأجر على أن يدفع المستأجر للمالك مبلغًا مقطوعًا زائدًا عن الأجرة الدورية – وهو ما يسمى في بعض البلاد خلوًا-، فلا مانع شرعًا من دفع هذا المبلغ المقطوع على أن يعد جزءًا من أجرة المدة المتفق عليها، وفي حالة الفسخ تطبق على هذا المبلغ أحكام الأجرة.

 

ثالثًا: إذا تم الاتفاق بين المالك وبين المستأجر في أثناء مدة الإجارة على أن يدفع المالك إلى المستأجر مبلغًا مقابل تخليه عن حقه الثابت بالعقد في ملك منفعة بقية المدة، فإن بدل الخلو هذا جائز شرعًا،لأنه تعويض عن تنازل المستأجر برضاه عن حقه في المنفعة, التي باعها للمالك.

 

أما إذا انقضت مدة الإجارة، ولم يتجدد العقد، صراحة أو ضمنًا، عن طريق التجديد التلقائي حسب الصيغة المفيدة له، فلا يحل بدل الخلو، لأن المالك أحق بملكه بعد انقضاء حق المستأجر.

 

رابعًا: إذا تم الاتفاق بين المستأجر الأول وبين المستأجر الجديد، في أثناء مدة الإجارة، على التنازل عن بقية مدة العقد، لقاء مبلغ زائد عن الأجرة الدورية، فإن بدل الخلو هذا جائز شرعًا، مع مراعاة مقتضى عقد الإجارة المبرم بين المالك والمستأجر الأول، ومراعاة ما تقضي به القوانين النافذة الموافقة للأحكام الشرعية.

 

2/ صدر كذلك قرار عن مجمع الفقه الإسلامي بالهند في الندوة الفقهية الثانية في المدة: (8-11 من جمادى الأولى 1410 هـ الموافق 8-11 ديسمبر 1989م بجامعة همدرد، دلهي) ما يلي:

 

أولا: الأولى أن يقوم مالك العقار بالإبقاء على المبلغ المدفوع من قبل المستأجر مسبقًا: كمبلغ ضمان أو إيداع، إبقاءً سالمًا غير منقوص، وإذا استهلكه المالك المؤجر ضمن رده إلى المستأجر, فور انتهاء مدة عقد الإجارة.

 

ثانيًا: إذا تم استئجار دكان أو دار، وتسلم مالكها من المستأجر مبلغًا مقطوعًا زائدًا عن الأجرة الدورية, يسمى بدل الخلو، فهذا يعد تعويضًا حصل عليه المالك عن تنازله عن حقه في استرداد الدار، ويجوز للمالك الانتفاع بهذا المبلغ, بصفته اعتياضًا عن حقه ذاك، ثم إن المالك إذا أراد أن يسترد الدار من المستأجر جاز للمستأجر أن يتقاضى من المالك مبلغًا يرضاه الطرفان مقابل إخلاء الدار، كما يجوز للمستأجر الأول التنازل عن حقه الثابت له من المالك؛ لقاء دفع العوض لمستأجر جديد, مقابل تسلم المستأجر الأول من المستأجر الجديد عوضًا يتحدد بالتراضي.

 

ثالثًا: إذا أجر مالك الدار داره دون أخذ بدل الخلو، ولم يتم تحديد مدة الإجارة، جاز للمالك طلب إخلاء داره في أي وقت شاء، إلا أنه ينبغي له أن يمهل المستأجر بين إشعاره بالإخلاء وتاريخه بمدة تناسب الظروف المحلية، حتى لا يتضرر أحد من المالك والمستأجر، كما ينبغي للمستأجر أن يخليها خلال هذه المدة المناسبة.

 

رابعًا: إذا أجر المالك دارًا أو دكانًا دون بدل الخلو، لم يجز للمستأجر أخذ بدل الخلو من المالك أو من غيره وقت إخلائه الدار.

 

ثانيًا: قرارات وفتاوى الهيئات الشرعية:

1/ فتوى الهيئة الشرعية لبيت التمويل الكويتي.

سئلت الهيئة عن موضوع بدل الخلو ([4]).

فأجابت بما نصه:

ترى مبدئيًا أن أخذ القفلية, وهو ما يعرف عند بعض الناس بخلو الرجل، ليتمكن المستأجر من العين المؤجرة, سوى الأجر المتفق عليه, أنه من قبيل أكل أموال الناس بالباطل؛ لأنه مال يؤخذ لا في مقابل عين ولا منفعة، ويدفعه المستأجر اضطرارًا, وقد أجاز بعض علماء الحنفية مثل هذه المعاملة إذا كان في العين المؤجرة بضاعة أو أعيان: كالدواليب وغيرها، واعتبروا أن ما يؤخذ هو في مقابل هذه العين، مع هذا فإني لا أستريح بالأخذ بهذه الفتوى؛ لأن ذلك من قبيل التحايل على أكل أموال الناس بالباطل، ومع هذا أرى وجوب تدخل الدولة في مثل هذه المعاملة, التي عقّدت على الناس حياتهم, ويكون ضحيتَها الأشخاصُ العاديون، وهو ما يجب منعه، والله تعالى أعلم.

 

2/ فتاوى مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا.

أفتى أعضاء مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا في بدل الخلو بما يلي:

لا يحل شيء مما يسمى ببدل الخلو إلا بطيب نفس من المالك، إذ لا يصح مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه [فقد ثبت عن رسول الله أنه قال: (لايحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه) [أخرجه البيهقي في سننه الكبرى (6/100 ح 11325) والدارقطني في سننه (3/26 ح 91) وأبو يعلى (3/140 ح 1570) وأحمد (5/72) وصححه الألباني في إرواء الغليل (6/180)].


[1]) غمز العيون للحموي (1/137)، فتح العلي المالك لعليش (2/ 249-250)، حاشية ابن عابدين (4/ 14-17)، مطالب أولي النهى (4/ 370).

[2]) ينظر : الأشباه والنظائر لابن نجيم (1/93), والأشباه والنظائر للسيوطي (1/89), وشرح الكوكب المنير لابن النجار (4/448) . .

[3]) ينظر : الدر المختار (5/280) وحاشية الدسوقي (3/433) (4/76) والمغني لابن قدامة (5/438) .

[4]) ينظر : نص السؤال في فتوى رقم (220) .

المراجع

1/مجلة المجمع الفقهي الإسلامي الدولي (ع 4، ج3 ص 2171) قرار رقم: 31 (6/4).
2/مجمع الفقه الإسلامي بالهند الندوة الفقهية الثانية قرار رقم:2(1/2).
3/ فتاوى الهيئة الشرعية لبيت التمويل الكويتي فتوى رقم (220).
4/ فتاوى مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا. www.amjaonline.com
5/ بدل الخلو، دراسة فقهية تطبيقية (رسالة ماجستير)، أحمد بن عبد الله الشلالي, جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
6/ بدل الخلو في الفقه الإسلامي: حقيقته وأحكامه/صالح بن عثمان الهليل (بحث محكم).

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى