قسم الجنايات والقضاء والعلاقات الدوليةباب الجنايات

أثر التقدم الطبي في تقويم الحكومة

مسألة رقم 265

العناوين المرادفة

1. أثر التقدم الطبي في تقويم الأرش
2. أثر التقنية الحديثة في الاجتهاد في الحكومة

صورة المسألة

إذا ترتب على الجناية فوات منفعة أو تسبّبت في إحداث أثر على بدن المجني عليه مما لم يرد فيه تقدير شرعي تجب فيه الحكومة أو الأرش باتفاق الفقهاء، وتقديره يكون باجتهاد الحاكم أو العدل من أهل الخبرة.
ومن ثم هل يكون لتقدم الطب في الوقت الراهن أثر في تقدير الحكومة في الجنايات غير المقدرة؟

حكم المسألة

أولا: الحكومة: هي أرش الجراحات التي يبقى شينُه، ولا تبطل العضو مما لم يرد فيه تقدير معيَّن من الشارع؛ وسميت بذلك نظرا إلى أن تقدير الحكومة يتوقف على حكم الحاكم أو العدل من أهل الخبرة؛ ومن صور الجنايات الموجبة للحكومة عند الفقهاء ما يلي:

  1. كسر العظام: بناء على أن استيفاء القصاص فيها بصفة المماثلة في غير السن – على الخلاف فيه – متعذر، ولم يرد فيه تقدير شرعي فتجب فيه الحكومة.
  2. الإصبع الزائدة: باعتبار أنها جزء من النفس فدخلت في جملة ما يجب ضمانه بالإتلاف، ولم يرد فيه تقدير شرعي، فوجبت بإتلافه الحكومة أو الأرش.
  3. ما دون الموضحة من الشجاج: وهي عبارة عن خدوش على درجات هي: (الحارصة([1])، والبازلة([2])، والباضعة([3])، والمتلاحمة([4])، والسمحاق([5])) تجب في كل ذلك حكومة لانتفاء التقدير الشرعي.
  4. شعر الرأس والحاجبين واللحية وأهداب العينين في كل ذلك تجب فيه الحكومة بحسب ما تسببه من الألم والشين في البدن، وهذا الحكم من حيث الجملة.

والأصل في مشروعية الحكومة: أن الجنايات يثبت بها تعويض مالي عن الضرر اللاحق بالمجني عليه، وإذا لم يرد فيها تقديرٌ من الشارع وجبت فيها الحكومة حتى لا تذهب هدرا؛ وذلك مأثور عن جماعة من السلف.

 

ثانيا: ذكَر الفقهاء لتقدير الحكومة طريقتين:

الأولى: أن يُقوّم المجني عليه عبدا لا جناية به، ويُقَوّمَ وبه الجناية، ويكون حاصل الفرق بين الجنايتين هو الحكومة بشرط أن لا تصل قيمةَ ما هو مقدر شرعا من جنسه…

فلو كانت قيمته بدون الجناية خمسين ألف ريال، ومع الجناية أربعين ألفا، كان الفارق الخمُس، وتكون الحكومة عشر آلاف ريال، وهو ما يمثل الفارق بين القيمتين، وهذا الذي عليه جماهير الفقهاء، ونقل ابن قدامة الإجماع عليه، وهذا لا يمكن العمل به لتعذر الرق.

الطريقة الثانية: أن تقاس هذه الجناية إلى أقرب الجنايات التي ورد لها تقدير شرعي، فينظر فيها ذوا عدل من الأطباء ليتوصلا إلى نسبتها من المقدر، ويتم بذلك بيان الحكومة بنسبتها من المقدر.

وبيان ذلك: أنه لو كان أقرب الجنايات إليها توجب نصف الدية، وقياسها من هذه الجناية تجعلها توازي مقدار النصف مثلا، كانت قيمتها ربع الدية نصفَ نصفِ الدية.

ولا شك أن هذا التقدير يمكن للطب الحديث أن يكون له أثره في تقويمه بناء على أن تطور الأجهزة والآلات يجعل من السهل تحديد عمق وسعة الجراحات بشكل دقيق جدا – كما سبق بيان ذلك في مسألة أثر التقدم الطبي على استيفاء القصاص فيما دون النفس – مما يسهم وبسهولة في تقدير الحكومة بناء على نسبتها من الجراحات المقدرة من الشارع.

وقد ذكر الكاساني – رحمه الله تعالى – أن أهل التقدير في ذلك هم الأطباء، فقال: “وقال الكرخي – رحمه الله تعالى – تقرب هذه الجناية إلى أقرب الجنايات التي لها أرش مقدر فينظر ذوا عدل من أطباء الجراحات كم مقدار هذه ههنا في قلة الجراحات وكثرتها بالحزر والظن فيأخذ القاضي بقولهما ويحكم من الأرش بمقداره من أرش الجراحة المقدرة”([6])


([1]) وهي: التي تحرص الجلد، أي تشقه قليلا، ولا يظهر منها الدم؛ وذلك مأخوذ من قولهم: “حرص القصار الثوب” إذا شقه. انظر: بدائع الصنائع 7/296، والتاج والإكليل 8/313، والحاوي 12/150، الفروع لابن مفلح 9/464.

([2]) هي التي تشق اللحم، ولا تدميه. انظر: الحاوي 12/237، والفروع 9/464.

([3]) هي التي تبضع اللحم، أي: تقطعه، وتسيل منها الدم. انظر: بدائع الصنائع 7/296، والتاج والإكليل 8/314، وروضة الطالبين 9/180، والمغني 8/480.

([4]) وهي التي تغوص في اللحم غوصا بالغا، وتقطعه. انظر: التاج والإكليل 8/314، والحاوي 12/150، والمغني 8/480.

([5]) وهي التي تكشط الجلد حتى تصل إلى سمحاق الرأس، وهي جلدة رقيقة تغشى عظم الرأس. انظر: شرح مختصر خليل للخرشي 8/15، والحاوي 12/150، والمغني 8/480.

([6]) بدائع الصنائع 7/324 ، 425.

المراجع

1. أثر التقنية الحديثة على تحقيق الأمن من الحيف عند استيفاء القصاص فيما دون النفس، د. مريم بنت عيسى العيسى (https://shms-prod.s3.amazonaws.com).
2. أثر التقنية الحديثة في الخلاف الفقهي، د.هشام بن عبدالملك آل الشيخ.
3. أضواء البيان لمحمد الأمين الشنقيطي (ت 1393 هـ).
4. بدائع الصنائع لعلاء الدين أبوبكر بن مسعود الكاساني (ت 587 هـ).
5. البيان والتحصيل لأبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي (ت 520 هـ).
6. الحاوي لأبي الحسن علي بن محمد الماوردي (ت 450 هـ).
7. الشرح الممتع لمحمد بن صالح العثيمين (ت 1421 هـ).
8. المغني لموفق الدين عبدالله بن أحمد المقدسي (ت 620 هـ).
9. الموسوعة الفقهية الكويتية، إصدار: وزارة الأوقاف الكويتية.

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى