المسابقة لها صور كثيرة، والقديم منها معروف كالمسابقة على الإبل أو بالرمي بالسهام، ومن صورها المعاصرة المسابقة بالدراجات والسيارات والمراكب البحرية والملاكمة وحمل الأثقال وكرة القدم والألعاب الالكترونية، وكل الصور لا تخلو من أن تكون بعوض أو بغير عوض.
هذه المسألة مما اختلف العلماء المعاصرون فيها على اتجاهين:
الاتجاه الأول: أن المسابقة بلا عوض جائزة في كلّ أمرٍ لم يرد في تحريمه نصٌّ, ولم يترتب عليه تركُ واجبٍ أو فعلُ محرّم, وممن قال بذلك مجمع الفقه الإسلامي الدولي ومجمع فقهاء الشريعة بأمريكا.
أهم أدلة هذا الاتجاه:
1/قوله ﷺ : (لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر) [أخرجه النسائي في الكبرى (رقم 442) والترمذي (رقم 1700) وقال: هذا حديث حسن ].
فالسبق هو المال الذي يرصد للمتسابقين، والنصل يقصد به المسابقة في السهام، ويقاس عليها كل أنواع الرمي المعاصرة ؛ والمسابقة بين الخيل والإبل, يمكن أن يقاس عليها المسابقة بين الدراجات أو المراكب البحرية أو السيارات وغير ذلك, مما يستخدم للقتال في واقعنا المعاصر.
2/ قال تعالى:( وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ) [الفرقان:52]، وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ ) [التحريم: 9].
يقاس على ذلك المسابقات العلمية, فإن الجهاد في الإسلام كما يكون بالسيف والسنان, فإنه يكون كذلك بالعلم والبيان.
الاتجاه الثاني: عدم الجواز, إلا إذا كانت على وفق ما حدده الرسول صلى الله عليه وسلم، بأن تكون على الرماية أو ركوب الخيل أو الإبل, ويلحق بها المسابقات في المسائل العلمية؛ وممن قال بذلك اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
أهم أدلة هذا الاتجاه:
قوله ﷺ: (لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر)؛ لأن هذه من وسائل الجهاد في سبيل الله، ويلحق بها المسابقات في المسائل العلمية، التي هي من الأحكام الشرعية؛ لأن طلب العلم من الجهاد في سبيل الله.
قرارات المجامع الفقهية والهيئات الشرعية والفتاوى العلمية.
أولًا: قرارات المجامع الفقهية: ـ
قرر مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته الرابعة عشرة بالدوحة (دولة قطر) 8 – 13 ذو القعدة 1423، الموافق 11 – 16 كانون الثاني (يناير) 2003م) بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع بطاقات المسابقات، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله , قرر ما يلي:
أولًا: تعريف المسابقة:
المسابقة هي المعاملة التي تقوم على المنافسة بين شخصين فأكثر في تحقيق أمر أو القيام به بعوض (جائزة)، أو بغير عوض (جائزة).
ثانيًا: مشروعية المسابقة:
- المسابقة بلا عوض (جائزة) مشروعةٌ في كلّ أمرٍ لم يرد في تحريمه نصٌّ, ولم يترتب عليه تركُ واجبٍ أو فعلُ محرّم.
- المسابقة بعوض جائزة إذا توافرت فيها الضوابط الآتية:
أ- أن تكون أهداف المسابقة ووسائلها ومجالاتها مشروعة.
ب- ألا يكون العوض (الجائزة) فيها من جميع المتسابقين.
ج- أن تحقّق المسابقة مقصدًا من المقاصد المعتبرة شرعًا.
د- ألا يترتب عليها تركُ واجبٍ أو فعل محرّم.
ثالثًا: بطاقات (كوبونات) المسابقات التي تدخل قيمتها أو جزءٌ منها في مجموع الجوائز لا تجوز شرعًا ؛ لأنها ضربٌ من ضروب الميسر.
رابعا: المراهنة بين طرفين فأكثر على نتيجة فعلٍ لغيرهم في أمورٍ مادية أو معنوية حرام ؛ لعموم الآيات والأحاديث الواردة في تحريم الميسر.
خامسا: دفع مبلغ على المكالمات الهاتفية للدخول في المسابقات غير جائز شرعًا إذا كان ذلك المبلغ أو جزء منه يدخل في قيمة الجوائز منعًا لأكل أموال الناس بالباطل.
سادسًا: لا مانع من استفادة مقدمي الجوائز من ترويج سلعهم فقط – دون الاستفادة المالية – عن طريق المسابقات المشروعة, شريطة ألا تكون قيمة الجوائز أو جزء منها من المتسابقين، وألا يكون في الترويج غشٌّ أو خداعٌ أو خيانةٌ للمستهلكين.
سابعًا: تصاعد مقدار الجائزة وانخفاضها بالخسارة اللاحقة للفوز غير جائزٍ شرعًا.
ثامنًا: بطاقات الفنادق وشركات الطيران والمؤسسات التي تمنح نقاطًا تجلبُ منافع مباحة جائزة إذا كانت مجّانية (بغير عوض)، وأما إذا كانت بعوضٍ فإنها غيرُ جائزة لما فيها من الغرر.
2/لجنة الفتوى بمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا:
المسابقات إن كانت بغير مال فلا حرج في ذلك ما دام موضوعها مشروعًا, سواء أكانت لرياضة الذهن أم لرياضة البدن، أما إن كانت على مال فإنها تشرع إذا كانت هذه الأموال ترصد من جهة ثالثة, ولا ترصد من قبل المتسابقين أنفسهم، أما إن كانت ترصد من قبل المتسابقين فلا تشرع, إلا إذا وجد من يشترك في المسابقة دون أن يغرم مالًا, بحيث يكون إما أن يفوز بالسبق، أو لا يخسر شيئا، وكان في أحد هذه المجالات الثلاثة المنصوص عليها في الحديث، وهي: المسابقة في الرمي، أو في مسابقة الخيل، أو الإبل، ويجمع بين هذه جميعًا: أنها من جنس الإعداد للقتال وإعداد العدة للجهاد في سبيل الله، ويمكن أن يقاس عليها ما كان من هذا القبيل لحديث: (لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر)، والسبق هو المال الذي يرصد للمتسابقين، والنصل يقصد به المسابقة في السهام، ويقاس عليها كل أنواع الرمي المعاصرة، والمسابقة بين الخيل والإبل يمكن أن يقاس عليها المسابقة بين الدراجات أو المراكب البحرية أو السيارات وغير ذلك مما يستخدم للقتال في واقعنا المعاصر. ويمكن أن يقاس عليها أيضًا المسابقات العلمية, فإن الجهاد في الإسلام كما يكون بالسيف والسنان, فإنه يكون كذلك بالعلم والبيان، كما قال تعالى: ( وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ) [الفرقان:52]، وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ ) [التحريم: 9]. ومن المعلوم أن جهاد المنافقين يكون بالعلم وكشف الشبهة، وعلى هذا فلا مانع من وضع الجعل بين المتسابقين في المسابقات العلمية إذا كانت تلك المسابقة نافعة ومفيدة. والله تعالى أعلى وأعلم.
ثانيًا: قرارات وفتاوى الهيئات الشرعية:
1/فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
سئلت اللجنة عن موضوع بطاقات المسابقات ([1]).
فأجابت بما يلي:
لا يجوز أخذ الجوائز على المسابقات إلا إذا كانت على وفق ما حدده الرسول صلى الله عليه وسلم، بأن تكون على الرماية أو ركوب الخيل أو الإبل؛ لأن هذه من وسائل الجهاد في سبيل الله، ويلحق بها المسابقات في المسائل العلمية، التي هي من الأحكام الشرعية؛ لأن طلب العلم من الجهاد في سبيل الله، ويشترط في الجائزة أن تكون من المباح، فإن كانت من الحرام كالجائزة المذكورة في السؤال، وهي شهادة الاستثمار في البنك فلا تحل؛ لأنها ربًا.
[1]) ينظر : نص السؤال في فتوى رقم (16505) .
1/ مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي, قرار رقم 127 (1/14).
2/ اللجنة الدائمة للإفتاء بمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا 1/1/2008م.
3/ فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء, فتوى رقم (16505) الجزء رقم (15) صفحة رقم (179).
4/ أحكام المسابقات وتطبيقاتها المعاصرة (رسالة ماجستير), عبدالرحمن بن محمد بن محمد البديع, جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية , المعهد العالي للقضاء – الرياض.
5/ التسويق التجاري وأحكامه, (رسالة دكتوراه)، حسين بن علوي الشهراني , جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية, كلية الشريعة , الرياض.
6/ المسابقات وأحكامها في الشريعة الإسلامية, دراسة فقهية أصولية، الأستاذ الدكتور سعد بن ناصر الشثري، دار العاصمة ودار الغيث- الرياض.
7/ الجوائز أحكامها الفقهية وتطبيقاتها المعاصرة, (رسالة ماجستير)، باسم أحمد حسن عامر, المملكة الأردنية الهاشمية (2004م).
8/ أحكام المسابقات المعاصرة في ضوء الفقه الإسلامي، ا.د. محمد عثمان شبير، بحث مقدم لمجمع الفقه الإسلامي في دورته الرابعة عشرة.