كثرت في هذه الأزمان حالات الإغماء بين الحجاج لشدة الزحام، وكثرة الأمراض، مع إمكان نقل المغمى عليهم إلى عرفة بالسيارات؛ لسهولة التنقل؛ فهل يجزئ وقوفهم في هذه الحال أو لا؟
اتفق أهل العلم على أن من وقف لحظة في وقت الوقوف وهو حاضر الذهن سواء كان مريضا أو صحيحا، ثم أغمي عليه فقد تم حجه وقضى تفثه.
واختلفوا فيمن وقف بعرفة وهو مغمى عليه ولم يفق لحظة واحدة على قولين([1]):
القول الأول: أن وقوف المغمى عليه في عرفة يجزئه ويتم بذلك حجه، وهو مذهب الحنفية، والمالكية، واختاره ابن عثيمين.
واستدلوا:
الدليل الأول: حديث عروة بن مضر رضي الله عنه وفيه: (من أدرك معنا هذه الصلاة وأتى عرفة قبل ذلك ليلا أو نهارا، فقد تم حجه وقضى تفثه). [أبو داود (1950)، الترمذي (891)، النسائي (3041)، ابن ماجه (3016)].
وجه الاستدلال: أن المغمى عليه قد أدى الوقوف في وقته المشار إليه في الحديث؛ فيصح وقوفه‘ قياسا على من مر بعرفة وهو لا يعلم بها، كعروة في هذا الحديث، ومع ذلك أجزأ وقوفه.
الدليل الثاني: مارواه ابن عباس رضي الله عنهما : (أن امرأة رفعت إلى النبي ﷺ صبيا، فقالت: ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر) [مسلم (1336)].
وجه الاستدلال: أن النبي ﷺ أجاز حج هذا الصبي؛ مع أنه لا يتصور منه قصد الإحرام، ولا باقي أعمال الحج، فيقاس عليه عدم اعتبار قصد المغمى عليه للوقوف.
القول الثاني: أن وقوف المغمى عليه في عرفة لا يجزئه، ولا يتم به حجه وهو مذهب الشافعية والحنابلة.
واستدلوا:
الدليل الأول: قوله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) [البينة: 5]، وقوله ﷺ: (إنما الأعمال بالنيات). [البخاري (10)، ومسلم (1907)].
وجه الاستدلال: أنه لا يصح عمل مأمور به إلا بنية القصد إلى الله خالصا له تعالى، والمغمى عليه لم يأت بالوقوف لهذا المقصد؛ فلا يصح وقوفه.
الدليل الثاني: أنه لو أغمي عليه في جميع نهار رمضان لم يصح صومه، فكذا إذا أغمي عليه جميع وقت الوقوف لم يصح وقوفه.
([1]) المبسوط (4/56)، مختصر اختلاف العلماء (2/60)، المدونة (2/413)، مواهب الجليل (4/133)، الأم (2/219)، البيان (4/319)، المغني (5/275)، الإنصاف (4/29).
1. فتاوى ابن عثيمين (23/21).
2. النوازل في الحج، علي بن ناصر الشلعان ص(390).