نشر الصور الفاضحة للشخص في حال ممارسة الجنس على الإنترنت كثر وانتشر مع انتشار استخدام الناس للشبكة العنكبوتية، فأصبحت بعض المنتديات ممتلئة من قيح هذه الصور، ومتعفنة بمقاطع الفيديو الجنسية.
إذا كانت الصورة حقيقة، فإن هذه الصور لا تخلو من حالين:
الحال الأولى: أن تكون هذه الصور والمقاطع منشورة بإذن صاحبها، وهذه تجارة أصبحت رائجة في هذه الأزمان، وتدر على أصحابها ملايين الدولارات.
وهذا الفعل لا شك في حرمته، والأدلة على ذلك كثيرة، ومنها:
أولاً: أن نشر هذه الصور نشر للعورات المغلظة، والأفعال الشنيعة، وهذه من الأمور التي حرم الله الاطلاع عليها أو النظر إليها.
ثانيًا: في نشر هذه الصور إشاعة للفاحشة في الذين آمنوا، وقد نهى الله عن ذلك.
ثالثًا: أن في نشر الصور دلالة على المعصية والسوء، وتعاوناً على الإثم والعدان، وهدماً للأخلاق ونشراً للرذيلة.
وناشر تلك الصور وصاحب الصورة الآذن في نشرها يستحقان التعزير بما يراه القاضي رادعاً.
أما الحالة الثانية: فهي نشر تلك الصور بغير إذن صاحبها، وهذا الفعل أيضًا لا شك في حرمته، لما سبق في أدلة الحال الأولى، ولما فيه من الأذية لصاحب تلك الصور.
وعلى ذلك فالناشر في الحال الثانية يستحق عقوبة أشد من الأولى، لما يترتب على فعله من أذى لصاحب الصورة إضافة إلى الآثار السيئة التي يحدثها نشر تلك الصور.
فإنه عقوبتها التعزيرية ينبغي أن تكون أشد من الحال الأولى.
وأما إذا كانت الصورة ملفقة أو مركبة فإن التحريم السابق يشملها، ولكنه يكون أشد، وذلك لتضمنه لثلاثة أمور:
الأمر الأول: نشر الصور المحرمة، والإعانة على المعصية في رؤيتها وانتشارها.
الأمر الثاني: أن فيه إيذاء للآخرين، وإلحاقًا للعار والفضيحة بهم، وكم من متتبع للفضائح حقها وباطلها يفرح بتلك الصور ويسعى لنشرها، وينتهز الفرصة للتشهير بخلق الله المستورين، وقد قال – صلى الله عليه وسلم – يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته)[رواه أبو داود (4880) وأحمد(19776)].
الأمر الثالث: أن في نشر الصور الملفقة كذبًا وتزويرًا وبهتانًا لمن لفقت الصور له، فكم من بريء وبريئة ركبت لهما صور، ونشرت فأدت إلى تنغيص حياتهما، وتضييق الأرض عليهما، وكم من غافل وغافلة عن الفحشاء دبلج لهم مقطع مصور، ثم نشر باسمهم، وتلقفته الأجهزة، وتتبعه الأنفس، وتلذذت به الأعين، وهم من ذلك برآء وعنه بعداء، ومنه أنقياء.
نشر الصور هل يعد قذفاً؟
وأما اعتبار نشر الصور الفاضحة للشخص في حالة الزنا قذفًا، يقام على من نشرها حد القذف المقرر شرعًا فإن من المعلوم أن من قذف محصنًا فإن يثبت عليه حد القذف إذا استكملت باقي الشروط، ما لم يثبت أن الشخص المقذوف قد زنى، فالفقهاء رحمهم الله يذكرون أن القاذف إذا أقام البينة على زنا المقذوف فإنه لا يحد.
لكن هل التصوير كافٍ في إثبات حد الزنا؟ فإذا كان التصوير كافيًا لإثبات حد الزنا، فإن القاذف يكون قد أتى بالبينة فيسقط عنه حد القذف.
والجواب: أن الله سبحانه وتعالى شرع لإثبات حد الزنا وسائل إثبات محددة، لا يقبل غيرها من الأدلة والقرائن في إثبات حد الزنا، وهذه الوسائل هي:
الشهادة، والإقرار، واختلف العلماء رحمهم الله في الحمل، وأما سوى هذه الأدلة فإنه لا يقبل في باب إثبات حد الزنا، وذلك للأمور التالية:
أولا: أن هذه الوسائل هي التي حددها الشرع لإقامة حد الزنا، وما سواها فقد وصف الله من لم يأت بها بالكذب.
وعلى ذلك فإذا لم يأتِ القاذف بأربعة شهداء فإنه عند الله كاذب، يقام عليه الحد، إلا أن يعترف المقذوف بالزنا، فيقام عليه حد الزنا ويبرأ القاذف.
ثانيًا: أن المطلوب في إقامة الحدود التيقن والتثبت، ولهذا فالحدود تدرأ بالشبهات، وعلى ذلك فلا يلتفت إلى التصوير؛ لأنه غير متيقن، ويبينه الوجه الثالث.
ثالثًا: أن التصوير يدخله التزوير والتركيب، فمن الممكن أن يقوم أحد بتركيب صورة أو مقطع فيديو لشخص في حالة الزنا، وهو بريء من ذلك – كما سبق في مسألة (31)- ولهذا أغلق هذا الباب، ومنع من قبول التصوير في إثبات حد الزنا.
إذا ثبت أن التصوير لا يعد دليلا لإثبات الزنا فإن من قام بنشر الصور يعد قاذفًا لصاحب الصورة، ولسنا بحاجة إلى أن نسمع طلبه في عرض الصورة على الخبراء للتأكد من كون الصورة حقيقية أم لا؛ لأن التصوير ليس طريقًا لإثبات حد الزنا، فلا حاجة إلى عرضها على الخبراء، ما لم تكن تلك الصور منشورة بإذن أصحابها، فإنها لا تعدّ قذفًا.
والأولى إعطاء نشر الصور حكم القذف باللفظ الصريح؛ وذلك لما يلي:
أولاً: لأن نشر الصور الفاضحة يفهم منه القذف بالزنا مباشرة، فكل من رأى تلك الصورة لا يفهم منها إلا أن فلانًا وقع على فلانة، لا يفهم منها غير ذلك، بل لو قال قائل: إن نشر الصورة أبلغ في الدلالة على القذف من القول الصريح لم يكن قوله مستبعدًا.
ثانيًا: ولأن الضرر الذي يقع على من نشرت صوره في حالة الزنا أشد من الضرر الواقع على من قذفه شخص بالزنا، وعلى ذلك فلا أقل من أن تعطى تلك الصور حكم اللفظ الصريح، إلم يكن حكمًا أشد، لاشتمالها على القذف وزيادة؛ إذ إن نشر الصور كما أنها دالة على اللفظ دلالة صريحة، ففيها أيضا: نشر للعورات.
كما أن القذف باللفظ ينتهي مع انتهاء اللفظ، لكن الصورة تظل تنغص حياة صاحبها مدة أطول، وقد تنتشر على الشبكة العنكبوتية، فلا يعلم إلا الله مدى انتشارها، ومتى يمكن أن يقف تداول تلك الصورة.
• الاعتداء الإلكتروني دراسة فقهية (رسالة دكتوراه ـ الفقه ـ كلية الشريعة)، د. عبدالعزيز الشبل (464) فما بعدها.