قسم الجنايات والقضاء والعلاقات الدوليةباب الجنايات

نسخ البرامج الإلكترونية

مسألة رقم 125

صورة المسألة

البرنامج هو: مجموعة منظمة من البيانات والتعليمات والإيعازات في سياق منطقي تعطى للحاسوب من أجل تمكينه من تنفيذ عمل معين.
والبرامج تقسم باعتبارات عديدة والذي يعنينا من هذه التقسيمات هنا هو تقسيم البرامج إلى برامج حرة (مفتوحة المصدر) وبرامج مغلقة.
ويقصد بالبرامج الحرة: البرامج التي يوزع معها النص الأصلي للبرنامج ويسمح فيها للمستخدم بتعديل وإعادة توزيع البرنامج، وغالبًا ما تكون تلك البرامج مجانية.
وأشهر البرامج المفتوحة برنامج لينكس(Linux)
وأما البرامج المغلقة: فهي عكس ذلك فلا يوزع معها النص الأصلي للبرنامج، ولا يسمح بتعديل البرنامج ولا إعادة توزيعه، ومن أشهر البرامج المغلقة برنامج(windows)
فما حكم نسخ هذه البرامج؟

حكم المسألة

البرامج لها حالان، والحال الثانية يدخل تحتها صور، ولكل صورة حكمها الخاص.

الحال الأولى: نسخ البرامج غير المحمية التي لا يعارض أصحابها نسخها، أو التي أوقفها أصحابها على المسلمين.

وهذه الصورة لا بأس بها، على أنه عند القيام بالمتاجرة بتلك المواد المنسوخة يكون الثمن منصبًا على قيمة الجهد والمال الذي بذله في النسخ، لا قيمة الملكية الفكرية.

 

الحال الثانية: نسخ البرامج المحمية التي لا يأذن أصحابها بنسخها.

ولهذه الحال عدة صور، منها:

الصورة الأولى: النسخ للاستعمال الشخصي، وهذه الصورة وقع فيها خلاف كبير بين العلماء والباحثين، وسبب الخلاف في المسألة راجع إلى ما يلي:

١. اختلاف العادات والأنظمة من بلد لآخر، فبعض البلدان ينص نظامهم صراحة على جواز النسخ للاستخدام الشخصي وبعض البلدان يمنع من ذلك.

٢. اختلاف النظر المصلحي، فبينما يرى فريق منهم أن المصلحة في منع النسخ للاستخدام الشخصي حفاظًا على حقوق الشركات، ودعمًا للإبداع، وما إلى ذلك من التعليلات، يرى فريق آخر أن مصلحة الأفراد في جواز ذلك، خاصة مع ارتفاع أسعار البرامج وفقر العالم الإسلامي.

٣. حق البرمجة من الحقوق المعنوية، وبعض الفقهاء لا يرى أنها أموال بينما يرى الجمهور أنها أموال محترمة شرعًا.

 

وقد تلخصت الأقوال في نسخ البرامج المحمية للاستخدام الشخصي فيما يأتي:

القول الأول: المنع مطلقًا من استخدام البرامج المنسوخة التي لم يأذن أصحابها بنسخها.

وقال بهذا القول: اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية، والمجلس الأوربي للبحوث والإفتاء.

القول الثاني: جواز ذلك مطلقًا.

قال بهذا القول: لجنة الفتوى في وزارة الأوقاف الكويتية.

القول الثالث: جواز ذلك بقيود أو في حالات معينة.

فمنهم من رأى الجواز إذا لم تمنع السلطات المسؤولة في الدولة منه، وإلا فلا يجوز ائتمارًا بأمر الدولة الواجب ما دام في الأمور المباحة.

ومنهم من رأى أن النسخ من أجل التعلم جائز للضرورة، بمعنى إذا صعب الحصول على نسخة أصلية ذات علامة مسجلة، أو كان سعر النسخة الأصلية غاليًا مرتفعًا يفوق القدرة المادية للإنسان المحتاج إليها.

وكذلك أجاز بعضهم ذلك عند الضرورة بشرط ألا يقوم بالمتاجرة بالنسخة.

ومنهم من رأى جواز شراء ما قد نسخت منه نسخ كثيرة وتداوله الناس فيما بينهم، وغلب على الظن أن الشركة التي تنتجه قد باعت منه ما يغطي تكاليف المشروع، ويوفر ربحًا معقولا، وينبغي أن يكون ذلك الشراء في حدود ما تمس الحاجة إليه من الأمور العلمية المفيدة.

ومنهم من رأى أن الأصل المنع، ولكن قد تعرض بعض الحالات يجوز فيها النسخ والتصوير بدون إذن أصحابها، وذلك في حالين:

١. إذا لم تكن موجودة بالأسواق للحاجة، وتكون للتوزيع الخيري فلا يبيع ولا يربح منها شيئًا.

٢. إذا اشتدت الحاجة إليها وأصحابها يطلبون أكثر من ثمنها، وقد استخرجوا تكلفة برامجهم مع ربح مناسب معقول، يعرف ذلك كله أهل الخبرة، فعند ذلك إذا تعلقت بها مصلحة للمسلمين جاز نسخها، دفعًا للضرر بشرط عدم بيعها للاستفادة الشخصية.

أدلة الأقوال:

أدلة القول الأول:

الدليل الأول: أن البرامج مال؛ لأن حق البرمجة مال، والمال لا يجوز أخذه إلا بإذن صاحبه، وعلى ذلك فلا يحق لأحد أن يستفيد منها بدون موافقة صاحبها؛ رعاية لحقوق الآخرين الذين بذلوا جهودًا وأموالا في إنتاجها، ومنعا لأكل أموال الناس بالباطل.

الدليل الثاني: أن صاحب البرنامج اشترط على من استخدم برنامجه أن تكون هذه النسخة التي يستعملها نسخة أصلية، وقد جا ء في الحديث: «المسلمون على شروطهم» [رواه البخاري (تعليقاً) (1272)، أبو داود (3120)]، فيلزمه الوفاء بهذا الشرط، وعلى ذلك فلا يجوز له أن يأخذ نسخة غير أصلية من البرامج التي يمنع أصحابها نسخها بغير إذنهم.

الدليل الثالث: أن أصحاب البرامج لهم حق في هذه البرامج لا يجوز التعدي عليها؛ وذلك لأنهم سبقوا إلى هذه البرامج، وفي الحديث: «من سبق إلى ما لم يسبق إليه غيره فهو أولى به». [ رواه أبو داود (3069)، البيهقي في الكبرى (6/142)]. وبما أن هؤلاء سبقوا إلى هذا البرنامج فهم أولى به.

 

أدلة القول الثاني:

الدليل الأول: أن العرف يسمح بذلك، وما دام أن العرف يسمح بذلك فلا بأس به، فقد جرت عادة الناس على نسخ هذه البرامج بينهم، والمعروف عرفًا كالمشروط شرطًا.

الدليل الثاني: أنه لا يترتب ضرر على المنتِج، فصاحب المنتَج يكون قد حصل تكلفة البرنامج من البيع على الناس، وأما النسخ الشخصي فلا يضر به.

الدليل الثالث: من أصحاب القول الثاني من رأى أن الحقوق المعنوية ليست أموالا، ويترتب على هذا القول أنه ليس للبرمجة حق مالي خاص، وعلى ذلك لا حرج على من قام بنسخ البرامج ليستخدمها استخدامًا خاصًا.

الدليل الرابع: أن للمجتمع حقًا في كل عمل شخصي، وعلى ذلك فيجوز لأفراد المجتمع أن يقوموا بنسخ هذا المنتج للاستخدام الشخصي.

 

الصورة الثانية: نسخ نسخة احتياطية من النسخة الأصلية.

وهذه لا حرج فيها؛ لأنه لا يوجد فيها تعدٍّ على حق صاحب البرنامج، بل غاية ما فيها أن تكون لحفظ حق مشتري البرنامج عند ضياع البرنامج أو تلفه.

 

الصورة الثالثة: أن تشتري شركة أو إدارة حكومية أو غيرها نسخة أصلية واحدة ثم تقوم بنسخ عدة نسخ من ذلك البرنامج الأصلي، وذلك لاستخدامه في باقي أجهزتها.

وهذه الحال لا تجوز، إلا إذا كان هناك اتفاق بين المنشأة وبين صاحب البرنامج على جواز ذلك، فإن كان السماح محددًا بنسخ معينة فإنه لا يجوز تعدي تلك النسخ؛ وذلك للأمور التالية:

أولاً: أن في ذلك الفعل إضرارًا بصاحب الحق في البرنامج، فالشركة شركة تبتغي الربح، وقد اتخذت من التعدي على حق صاحب البرنامج وسيلة لتقليل التكاليف وزيادة الأرباح، وهذا فيه ظلم وتجنٍ على صاحب الحق في البرنامج.

ثانيًا: أن في القيام بنسخ الشركة نسخًا أكثر من النسخ التي سمح بها صاحب الحق في البرنامج إخلالاً بالشروط المتفق عليها بين صاحب الحق في البرنامج وبين الشركة المستخدمة للبرنامج، فصاحب الحق لا يسمح بنسخ أكثر من النسخ المحددة، ويجب على الشركة الوفاء بذلك الشرط.

ثالثًا: أن في هذا العمل مخالفة لولي الأمر، فولي الأمر كما في نظام حق التأليف لم يسمح بهذه الصورة، ولم يجعل هذه الصورة من الاستثناءات التي تجيز لصاحبها نسخ البرنامج من غير إذن صاحبه، وطاعة ولي الأمر واجبة كما سبق تقريره خاصة وأنه أمر بمصلحة مرسلة يرى أن للمسلمين نفعًا عامًا فيها، وهذا الأمر ليس في معصية الخالق سبحانه، فيجب الالتزام بهذا الأمر والامتناع عن النسخ إلا بإذن صاحب الحق، أو بشراء نسخة جديدة.

 

الصورة الرابعة: نسخ عدة نسخ من أجل المتاجرة بها:

وهذه الحال لا تجوز، وذلك للأدلة العامة على حرمة الأموال المحترمة.

و ممن نصّ على ذلك لجنة الفتوى في وزارة الأوقاف الكويتية، والشيخ ابن عثيمين في فتوى صوتية له ومن البدهي أن من يمنع النسخ للاستخدام الشخصي يمنع النسخ التجاري.

وذلك لأن في هذا العمل إضرارًا بهذه الشركات، فهذه الشركات قد تعبت وأنفقت الكثير في إنتاج هذه البرامج، فإذا قام غيرها بمنافستها وبيع هذا المنتج بثمن بخس فهذا فيه ضرر بهذه الشركة، وليس من العدل أن تقوم هي بالإنتاج ودفع الأموال الطائلة في إنتاج برنامج ثم يقوم غيرها ببيع هذا البرنامج من دون أن يخسر في إنتاجه شيئًا.

ثم مآل السماح بمثل هذه الأعمال إلى توقف الإنتاج الجيد المتميّز؛ لأن الشركات لا تخاطر في دفع أموال في برامج تعلم أنها لن تكسب فيها شيئًا.

 

الصورة الخامسة: نسخ المؤتمنين على برامج الشركة نسخة لزملائهم محسوبة عند التسجيل من عدد نسخ الشركة.

وصورة ذلك: أن شركات البرمجة عندما تقوم ببيع بعض البرامج إلى الشركات أو الجهات الحكومية فإنها تقوم ببيع نسخ تجارية خاصة بالشركات، بحيث إنه يسمح للشركة أو الجهة باستخدام هذه البرنامج على أكثر من جهاز كعشرة أجهزة على سبيل المثال، وكل نسخة من هذا البرنامج له رقم تسلسلي خاص، تستحق الشركة أو الجهة بموجبه الدعم الفني لكل نسخة.

في بعض الأحيان يكون عند الشركة نسخ كثيرة فيقوم بعض الأفراد العاملين في الشركة أو الجهة الحكومية بإعطاء زملائه من نسخ الشركة، فما حكم هذه المسألة؟

هذه الصورة لا تجوز، والتعدي هنا على حق الشركة أو الجهة الحكومية لا على حق صاحب البرنامج؛ لأن تلك النسخ محسوبة عليها.

 

الصورة السادسة: نسخ بعض البرامج من أجل التبرع بها.

 

الصورة السابعة: نسخ بعض البرامج من أجل الأغراض التعليمية أو الأغراض الخيرية.

وهاتان الصورتان حكمها حكم النسخ من أجل الاستخدام الشخصي، ولا يغيّر الحكم كون قصد الناسخ التوزيع الخيري.

ويلاحظ أن بعض القوانين كانت تسمح بعرض بعض المؤلفات المحفوظة الحقوق لأجل الأغراض الخيرية كنشر بعض الأعمال في المجتمعات التعليمية كالمدارس والجامعات أو في الجمعيات الخيرية ما دامت لا تأخذ مقابلا على ذلك؛ لأنه لا يضر بصاحب الحق ضررًا بالغًا والمجتمع له حق في هذه الأمور، فهي أشبه بالنسخ لأجل الاستخدام الشخصي.

كما أن بعض القوانين أجازت أيضًا من غير موافقة المؤلف ومن غير دفع أي تعويض له: نسخ أو تصوير عدد محدود من نسخ برامج الحاسب الآلي من قبل المؤسسات التربوية والجامعية والمكتبات العامة التي لا تتوخى الربح، بشرط أن تكون بحوزتها نسخة واحدة أصلية على الأقل من هذه البرامج، والغاية من ذلك وضعها في تصرف الطلاب والجامعيين على سبيل الإعارة المجانية.

المراجع

• الاعتداء الإلكتروني دراسة فقهية (رسالة دكتوراه ـ الفقه ـ كلية الشريعة)، د. عبدالعزيز الشبل (127) فما بعدها.
• حقوق الاختراع والتأليف في الفقه الإسلامي (رسالة ماجستير ـ الفقه ـ كلية الشريعة)، د. حسين الشهراني (444) فما بعدها.
• الحماية القانونية لبرامج الحاسب الآلي، خالد فهمي (24).
• النظام السعودي لبراءات الاختراع.
• الوسيط في شرح القانون المدني (8/453).
• النظام القانوي لحماية البرمجيات (117).
• حقوق الملكية الفكرية وحمايتها قانوناً، د. محمد محيي الدين عوض (21).
• حق التأليف بين الشريعة و القانون ( رسالة ماجستير. كلية الشريعة. جامعة بيروت الإسلامية ).

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى