انتساب الزوجة إلى عائلة زوجها.
تَسَمِّي الزوجة بلقب زوجها.
في بعض دول الغرب يحدث أنه بالزواج تتنازل المرأة عن لقب أسرتها ويضاف لقب عائلة الزوج إلى اسم الزوجة.
هناك قولان في المسألة:
الاتجاه الأول: لايجوز انتساب أحد إلى غير أبيه.
الدليل: ما رواه البخاري (ح 3508) عن النبي ﷺ أنه قال: “لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ إِلَّا كَفَرَ، وَمَنْ ادَّعَى قَوْمًا لَيْسَ لَهُ فِيهِمْ – أي نسب – فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِن النَّارِ”.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء:
لا يجوز للمرأة المذكورة تغيير اسم عائلتها؛ لأن في ذلك كذباً وتزويراً([1])
وفي فتوى أخرى([2]): أن هذا من الانتساب إلى غير الأب، وهذا أمر في غاية الخطورة. وقال ﷺ : “مَن انْتَسَبَ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ… فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ” رواه ابن ماجة (2599) وصححه الألباني في صحيح الجامع (6104).
وهذا وعيد شديد لمن غير اسم أبيه أو عائلته وانتسب إلى عائلة أو قوم لا ينتمي إليهم سواء كان رجلا أو أنثى.
كما أن هذا العمل فيه تشبه بالكفار؛ لأن هذه العادة الذميمة لا تعرف إلا فيهم، وعنهم أخذها بعض الجهلة من المسلمين. وفيها أيضاً جحود ونكران من المرأة لعائلتها وأهلها، مما ينافي البر والإحسان ومكارم الأخلاق.
وقال تعالى: (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ) [التحريم 12] ولم تنسب أزواج النبي ﷺ إليه مع عظم منزلته عند الله وعند الناس، فكان يقال: عائشة بنت أبي بكر، وحفصة بنت عمر، وزينب بنت جحش، وهكذا.
وإذا أضيفت المرأة لزوجها فتضاف إليه إضافة زوجية لا نَسَبِية، كما في الآية:
(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ۖ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) [التحريم 10]، فيقال فلانة امرأة فلان أو زوجة فلان، وفي النَّسَب والأوراق الثبوتية لايقال: إلا فلانه بنت فلان. والله أعلم.
الاتجاه الثاني: جواز ذلك وبه أفتت دار الإفتاء المصرية([3]) أنه عرف لا يخالف الشرع وليس من التشبه وليس من النسب إلى غير الأب المحرم.
الأدلة:
1ـ أن العرف الغربي قائم على أن البنت إذا لم تكن متزوجةً فإنها تُذكَر باسم أبيها وعائلتها، أما إذا كانت المرأة متزوجة فإنه يُضاف إلى اسمها لقب عائلة زوجها، وذلك بعد وصفها بكونها متزوجة بالمصطلح المفهوم من ذلك عندهم وهو (مسز) أو (مدام) أو نحو ذلك، فتصير إضافة لقب عائلة الزوج حينئذ إلى اسم الزوجة في مثل هذا العرف قائمةً مقام قولنا: فلانة متزوجة من عائلة فلان.
2ـ وهو نوع من التعريف الذي لا يوهم النسبة عندهم بحال، وباب التعريف واسع؛ فقد يكون بالولاء؛ كما في: عكرمة مولى ابن عباس، وقد يكون بالحرفة؛ كما في: الغزالي، وقد يكون باللقب أو الكنية؛ كالأعرج والجاحظ وأبي محمد الأعمش، وقد يُنسَب إلى أمه مع معرفة أبيه؛ كما في: إسماعيل ابن عُلَيَّة.
وقد يكون بالزوجية كما ورد في القرآن من تعريف المرأة بإضافتها إلى زوجها في مثل قوله تعالى (امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ) [التحريم 10]، (امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ) [التحريم 11].
وقد روى البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن زينب امرأة ابن مسعود رضي الله عنهما جاءت تستأذن على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقيل: يا رسول الله, هذه زينب تستأذن عليك، فقال: أَيُّ الزَّيَانِب؟ فقيل: امرأة ابن مسعود، قال: نعم؛ ائذنوا لها, فأُذِن لها.
والمحظور في الشرع إنما هو انتساب الإنسان إلى غير أبيه بلفظ البنوة أو ما يدل عليها، لا مطلق النسبة والتعريف.
وقد يشيع بعض هذه الأشكال من التعريف في بعض الأماكن أو في بعض الأحوال، ويغلب في الإطلاق حتى يصير عُرفًا، ولا حَجرَ في ذلك ما دام لا يوهم الانتساب الذي يأباه الشرع، وهو الانتساب بلفظ البنوة أو معناها إلى غير الأب، كما أن ذلك لا يُعَدُّ من التشبه المذموم شرعًا؛ إذ التشبه إنما يكون حرامًا بشرطين: أن يكون الفعل المتشبَّه به منهيًّا عنه في نفسه، وأن يكون المتشبِّه يقصد التشبه، فإذا انتفى أحد الشرطين لم يُذَمَّ الفاعل شرعًا.
ومما يدل على ذلك ما رواه الشيخ مسلم في صحيحه (624) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فصلينا وراءه وهو قاعد، فالتفت إلينا فرآنا قيامًا، فأشار إلينا فقعدنا، فلما سَلَّم قال: إن كدتم آنفًا لتفعلون فعل فارس والروم؛ يقومون على ملوكهم وهم قعود، فلا تفعلوا، ائتموا بأئمتكم؛ إن صلى قائمًا فصلوا قيامًا، وإن صلى قاعدًا فصلوا قعودًا([4]).
و(كاد) تدل في الإثبات على انتفاء خبرها مع مقاربة وقوعه، وفعل فارس والروم وقع منهم فعلاً لكن الصحابة لـَمّا لم يقصدوا التشبه انتفى ذلك الوصف عنهم شرعًا.
ولذلك قال العلاّمة ابن نُجَيم الحنفي في البحر الرائق: “اعلم أن التَّشَبُّهَ بأهل الكتاب لا يُكرَه في كل شيء، وإنا نأكل ونشرب كما يفعلون، إنما الحرام هو التشبه فيما كان مذمومًا، وفيما يقصد به التشبه” اهـ.
وليس في إضافة لقب عائلة الزوج إلى اسم زوجته ما ينفي نسبَها إلى أبيها، بل هو من باب التعريف كما سبق.
وإنما أتى اشتباه التحريم مِن غلبة حذف كلمة (ابن) في الاسم بين الابن وأبيه، وهذا وإن كان قد يمكن توجيهه بالحذف لكثرة الاستعمال تخفيفًا إلاّ أنه أَورث اللَّبس في الأسماء المركبة وغيرها مما لا يُقصَد به النسب، وهذا ما دعا بعضَ الجهات الرسمية إلى إلغاء الأسماء المركبة لإيهامها النسب بين جزأي المركَّب؛ لأن حذف كلمة (ابن) بين المنتسبين صار أشبهَ بالعرف العام، فقد يتجه حينئذ منعُ إضافة لقب عائلة الزوج لاسم الزوجة بين أصحاب هذا العرف؛ لإيهامه النسب الشرعي، لكن الأمر يختلف عند وجود العرف بإضافة لقب عائلة الزوج لاسم الزوجة مع وضوح القرينة التي تنفي كونَ هذا نسبًا شرعيًّا (وهي هنا وصفها بكونها امرأة متزوجة: مسز أو مدام أو نحوهما)، وطالما أن هذا العرف لا يخالف الشرع فالأخذ به جائز لا حرج فيه إن شاء الله تعالى، والشرع الشريف قد اعتبر الأعراف -مالم تخالفه- وجعلها مُحَكَّمةً؛ حتى صار مِن قواعد الفقهاء الكلية: أن العادة مُحَكَّمة، ولم يَدعُ المسلمين إلى التَّمَرُّد عليها أو تَقَصُّدِ مخالفتها؛ وذلك سعيًا وراء اندماجهم في مجتمعاتهم وعدم انعزالهم عنها مما يمكنهم من التعايش والدعوة إلى صحيح الدين من غير صدام ولا نزاع مفتعل، وذلك كله فيما لا تعارض فيه مع أصل من الأصول الشرعية. والله سبحانه وتعالى أعلم.
([1]) انظر: فتوى رقم فتوى رقم 11489 على موقع اللجنة
([2]) انظر: http://www.saaid.net/Doat/assuhaim/fatwa/23.htm
• فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء.
• موقع الشبكة الإسلامية.
• موقع دار الإفتاء المصرية.