الوفاة الدماغية.
تتضح المسألة بالنظر في النقاط التالية:
أولا: يتكون الدماغ من ثلاثة أجزاء:
أ) المخ: وهو يتكون من فصي المخ، وهو مركز التفكير والذاكرة والإحساس والحركة والإرادة.
ب) المخيخ: ووظيفته الأساسية الحفاظ على توازن الجسم.
جـ) جذع الدماغ: وفيه المراكز الأساسية للحياة، مثل مراكز التنفس، والتحكم في القلب والدورة الدموية.
وقد كان العرف الطبي يقضي أنه لا بد أن يتوقف القلب والدورة الدموية والتنفس وما يصاحبها من علامات لإعلان الوفاة.
ثم هدى الله البشرية إلى استخدام أجهزة الإنعاش التي أمكن بواسطتها إيقاف القلب لعدة ساعات في عمليات القلب المفتوح، كما أنه أمكن زراعة قلب إنسان في صدر آخر وعاش به لعدة سنوات، وأمكن أن يعيش إنسان بقلب صناعي مدة من الزمن.
هذا، ومع حصول أخطاء لبعض الأطباء في إعلان الوفاة، حيث عادت الحياة إلى مرضى كان الأطباء بصدد إعلان وفاتهم، ومع إعادة المحاولة عاد التنفس إليهم، وعاد إليهم الوعي وعاشوا فترة من الزمن.
ومن هنا ظهرت فكرة تحديد الموت بواسطة العلامات الدالة على موت الدماغ، وبدأت تظهر دراسات لتحديد علامات واضحة يمكن عند توافرها الاطمئنان إلى تشخيص موت الدماغ.
ثانيا: موت الدماغ أوجزئه، وله أربع حالات:
1- موت الدماغ بجميع أجزائه، وذلك بأن يتوقف تمامًا عن العمل ولا يعد قابلًا للحياة.
2- موت المخ، وهذا لا يعني موت الإنسان؛لأن المراكز الأساسية للحياة مثل مراكز التنفس والتحكم في القلب والدورة الدموية في جذع الدماغ. ولهذا الموت عدة أسباب كما يلي:
الأول: وهو سبب نادر، يحدث عند محاولة إنعاش مريض حال توقف قلبه وتنفسه واستجابتهما وعودتهما للعمل بعد فترة الأربع دقائق بعدد من الثوان، لكن يكون المخ قد تلف جزئيًا أو كليًا، وتبقى بقية أجزاء الدماغ -بما فيها جذعه-تعمل.
الثاني: يحدث نتيجة هبوط شديد في ضغط الدم لفترة طويلة، حتى بدون توقف القلب والتنفس، وذلك لعدم وصول الغذاء للدماغ بكميات كافية في هذه الفترة.
الثالث: يحدث نتيجة إصابة شديدة، ولكن غير مميتة للدماغ.
وموت المخ تبقى معه حياة تسمى الحياة البنائية أو الخلوية أو الحياة الجسدية، حيث يكون هناك فقد كامل للوعي، ويمكن أن يعيش فترة طويلة على هذا الوضع.
ثالثا: موت المخيخ: لما كانت وظيفة المخيخ هي توازن الجسم فإن إزالته بكامله لا تسبب الوفاة.
رابعا: موت جذع الدماغ:
جذع الدماغ يحتوي على المراكز الحيوية، وعلى جميع الأعصاب القحفية الاثني عشر، ويتحكم في التنفس، والدورة الدموية وضربات القلب، وتتأثر هذه المراكز بأي إصابة في جذع الدماغ، وتسبب موت الدماغ كله ومن هنا فقد اعتبره الأطباء الغربيون نهاية الحياة الإنسانية وأسبابه هي:
1. إصابات الحوادث والارتطام، ويمثل نسبة 50%.
2. النـزف الداخلي، ويمثل 30% من مجموع الحالات.
3. مجموعة من الأمراض، مثل الأورام والتهاب الدماغ والسحايا، وخُرَّاج الدماغ، وتمثل حوالي 20% الباقية.
4. توقف القلب أو التنفسالفجائي ونقص تروية الدماغ، وهو نادر.
علامات موت الدماغ عند الأطباء:
لموت الدماغ عند الأطباء علامات وهي:
1-الإغماء الكامل.
2-غياب التنفس التلقائي بعد إبعاد جهاز الإنعاش.
3-غياب الانفعالات المنعكسة.
4-غياب الحركة الإرادية.
5-اختفاء الموجات الكهربائية الصادرة عن المخ في تخطيط المخ.
6-توقف الدورة الدموية للمخ.
7-اتساع حدقتي العينين وعدم استجابتهما للضوء.
8-هبوط الوظائف الحيوية للمخ وجذعه.
وهناك معايير تضعها بعض المراكز الطبية من أجل زيادة الطمأنينة لموت الدماغ.
فهل يعتبر موت الدماغ موتًا لصاحبه؟
وينبني عليه التوقف عن معالجته ورفع أجهزة الإنعاش عنه إذا اعتبر ميتًا.
اتفق الفقهاء المعاصرون على أنه لو مات الدماغ وتوقف القلب عن النبض اعتبر الشخص ميتًا.
واتفقوا على أنه لا يعتبر موتا إذا مات بعض أجزاء الدماغ، وكذا لا يعتبر من الوفاة الدماغية الغيبوبة الناشئة عن ارتجاج الدماغ وتناول الأدوية والعقاقير السامة التي لم يمت بها جميع الدماغ.
واختلفوا فيما إذا تم تشخيص موت الدماغ وفق الأصول المشروطة طبيا، وثبت على هذا الوجه، هل هو موت أم لا؟ على اتجاهين:
الاتجاه الأول: أن موت الدماغ أو جذعه يعتبر موتًا، وهو نهاية الحياة الإنسانية، وبه قال جماعة من الباحثين المعاصرين، وصدر به قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة في مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية، في الفترة من 8-13 صفر لعام 1407.
أدلة الاتجاه الأول:
الدليل الأول: أن حياة الإنسان تنتهي بعكس ما بدأت به، وحيث بدأت بتعلق الروح بالبدن، فإنها تنتهي بمفارقة الروح للبدن.
الدليل الثاني:أن مقومات الحياة الإنسانية التي تميزها عن غيرها،هي الإدراك والشعور والقدرة على الاتصال بالعالم الخارجي والتعامل معه،والميت دماغيا لا يستطيع أن يتحكم في تعامله مع العالم الخارجي،وتزول من ثم حياته الإنسانية،ويصبح في حكم الأموات.
الدليل الثالث: أن ميت الدماغ فاقد للظواهر الأساسية للحياة،ولم يبق لديه سوى بعض مظاهرها،فلا يحكم له بالحياة بمجرد التنفس،قياسًا على المولود الذي ذكر بعض الفقهاء أنه لا يحكم بحياته إذا وجدت فيه بعض مظاهر الحياة كالتنفس والبول والحركة إذا لم يستهل صارخا.
الاتجاه الثاني: لا يكفي للحكم بنهاية الحياة الإنسانية موت الدماغ أو جذعه، بل لا بد من أمارات الموت التي يحصل بها اليقين؛لأن الروح مخلوق خلقه الله تعالى يمكن للإنسان البحث فيه من أنشطته وآثاره في البدن وتأثره ووقت تعلقه به ووقت مفارقته له، وبه قال جماعة من الباحثين المعاصرين، وعليه فتوى هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، وفتوى وزارة الأوقاف بالكويت،وبه صدر قرار المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، في دورته العاشرة، في الفترة من 24-28صفر عام 1408.
أدلة الاتجاه الثاني:
الدليل الأول: (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا ) (الآية 9 من سورة الكهف.)
ووجه الاستدلال بالآية من ناحيتين:
الأولى: أن لفظ (بعثناهم) في الآية معناه أيقظناهم؛ لأن أجسامهم كانت حية.
الثانية: أن تعطيل الإحساس لا يدل على فقد الحياة، فالقرآن الكريم يقص قصة غيبوبة طويلة ظل الجسد فيها صالحا ثم عاد إليه الإحساس بعد تلك المدة الطويلة، وبعد هذه الغيبوبة الكبيرة، ولم يسم القرآن ذلك موتا،فلماذا يسمى من فقد الإحساس لبضعة أيام في عداد الموتى دماغيًا، ولم يسمه القرآن كذلك في ثلاثمائة وتسعة أعوام؟
الدليل الثاني:أن الأصل هو الحياة فتبقى على ما هي عليه، فيحكم بحياته؛ لأنه لم يأت ما يغير هذا الأصل ويكون معتبرًا، فنستصحب الأصل، وبقاء ما كان على ما كان.
الدليل الثالث: أن جسد الميت دماغيًا حي يتقبل الدواء والغذاء، ويظهر عليه آثار التقبل والنمو،فالأعضاء البشرية لا تستجيب لوسائل الحياة إلا إذا كانت حية لم تمت،فالحياة الجسدية هي المعتبرة،لأن الحياة الإدراكية والعقلية والفكرية مناط التكليف لا مناط الحياة الجسدية.
الدليل الرابع: العمل بمبدأ سد الذرائع، إذ القول باعتبار موت الدماغ موتًا كاملا يترتب عليه سائر أحكام الموت مما يفتح باب الفتنة،والظنون السيئة،فيعتبر حيًا؛ رعايةً لما تعارف عليه الناس واحترامًا لقناعاتهم.
1- قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة في مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية في الفترة من 8-13 صفر لعام 1407هـ، بشأن موضوع أجهزة الإنعاش
2- قرارات المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي الدورة العاشرة السبت 24/2/1408– إلى الأربعاء 28/2/1408.
3- مجلة البحوث الإسلامية، مجلة دورية تصدر عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، العدد58.
4- القرار رقم (181) وتاريخ 12/ 4/ 1417،الصادر من هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية.
5- المسائل الطبية المستجدة في ضوء الشريعة الإسلامية، رسالة دكتوراه مقدمة لجامعة أم درمان في السودان تأليف د. محمد عبد الجواد حجازي النتشة القاضي الشرعي بالأردن، من منشورات مجلة الحكمة- بريطانيا.
6- تحديد بداية الحياة الإنسانية ونهايتها في ضوء النصوص الشرعية واجتهادات علماء المسلمين، بحث د. محمد نعيم ياسين.نشر في مجلّة الشريعة والدراسات الإسلامية – جامعة الكويت العدد الرابع ربيع الأول 1406.
7- حكم نقل الأعضاء في الفقه الإسلامي، إعداد د. عقيل بن أحمد العقيلي، ص 152-154. مكتبة الصحابة.
8- أحكام الجراحة الطبية والآثار المترتبة عليها، د. محمد بن محمد المختار الشنقيطي (رسالة دكتوراه)، نشر مكتبة الصحابة جدة.
9- أثر القول باعتبار الموت الدماغي موتا حقيقيا على الأحكام الفقهية، د. صالح بن علي الشمراني،بحث منشور في مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، العدد التاسع والثمانون، 1432.
10- موت الدماغ بين الطب والإسلام، تأليف ندى محمد نعيم الدقر،ط.1 1418، نشر دار الفكر دمشق ودار الفكر المعاصر بيروت لبنان.
11- الوفاة وعلاماتها بين الفقهاء والأطباء، د. عبدالله بن صالح الحديثي، نشر: دار المسلم، الرياض، ط1، 1418هـ
12- قضايا فقهية معاصرة، د. محمد سعيد رمضان البوطي ط.1، 1419، نشر مكتبة الفارابي، دمشق.
13- النوازل في الجرائم الطبية والمسؤولية الجنائية المترتبة عليها، رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه في الفقه من قسم الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، للباحثة/أمل بنت إبراهيم بن عبدالله الموسى.
14- قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي بالهند، قرار رقم 68(2/16)، الندوات 1-19، القرارات 1-84، ط.12.
15- أحكام نقل أعضاء الإنسان في الفقه الإسلامي، رسالة دكتوراه، د. يوسف بن عبد الله الأحمد، ط. كنوز إشبيليا.