أدى الزحام الشديد في المشاعر في الأزمان المتأخرة إلى قيام الحكومة السعودية بتحديد نسب الحجاج وتحديد المدة بين كل حجة وأخرى؛ وعليه فقد اشترطت الجهات الرسمية استخراج تصاريح للحج قبل الخروج إليه؛ ويطلب من الحاج إبرازها بعد المواقيت. فمن خالف وتجاوز الميقات غير محرم, ثم أحرم بعد نقاط التفتيش ولم يرجع للميقات؛ فما حكمه؟
اتفق عامة أهل العلم على أن من تجاوز الميقات وأحرم بعده؛ فإن إحرامه صحيح, ويلزمه دم([1]), وهو آثم إن لم يكن معذورا, واستدل له بما يلي:
الدليل الأول: ما رواه ابن عباس رضي الله عنه قال: (وقت رسول الله ﷺ لأهل المدينة ذا الحليفة, ولأهل الشام الجحفة.. .). [البخاري (1454), مسلم (1182)].
وجه الاستدلال: يدل الحديث على أن الإحرام من الميقات واجب, فإذا تجاوزه وأحرم بعده فقد ترك الواجب ووقع في النقص, وهو بفعله هتك حرمة الميقات فوجب عليه الدم.
الدليل الثاني: ما رواه ابن عباس رضي الله عنه مرفوعاً: (من نسي من نسكه شيئاً أو تركه فليهرق دماً) [الموطأ (1/419), الدارقطني (2/244), البيهقي في الكبرى (5/30)].
وجه الاستدلال: أن من أحرم بعد الميقات فقد ترك نسكاً فيلزمه إراقة دم كسائر الواجبات.
وعليه فإن من تجاوز الميقات وأحرم بعده لأنه لا يحمل تصريحاً فإنه يدخل في هذا الحكم؛ فإحرامه صحيح وعليه دم لما تقدم, وهو آثم لمخالفته ولي الأمر لما ارتآه من المصلحة في تحديد نسب الحجاج.
([1]) المبسوط (4/170), التفريع (1/319), الأم (2/138), المستوعب (4/38).
فتاوى ابن عثيمين (22/140).