أثر الإيدز في المنع من الزواج.
إذا علم الشخص أنه مصاب بأحد الأمراض المعدية (كالإيدز مثلاً) فهل يجوز له أن يتزوج، وهل يحق لولي الأمر أن يمنع المصابين بتلك الأمراض من الزواج؟
لا تخلو الإصابة بأحد الأمراض المعدية (كالإيدز) من أن تكون قاصرة على أحد الطرفين المقبلين على الزواج، أو شاملة لهما معاً.
أ – كون الإصابة في أحد الطرفين:
إذا كان أحد الطرفين فقط هو المصاب فلا يجوز له الإقدام على الزواج دون إخبار الطرف الثاني أو علمه، كما لا يجوز للخاطب السعي إلى الزواج عند رفض الخطيبة أو وليها أو رفضهما معاً بعد علمهما بإصابته، ولا يجوز للولي إجبار موليته على الزواج بالشخص المصاب.
أما إذا تراضى الجميع على الزواج فإن هذه المسألة فيها قولان للمعاصرين:
القول الأول: أن مبنى النكاح على تحقق المصالح ودرء المفاسد، مع ضمان استمرار الحياة الزوجية في الجملة، وزواج المصاب يعني وجود خطر قد ينتقل إلى الزوجة وإلى الذرية، وإذا كان كذلك فإن درء مفسدة هذا الزواج مقدم على ما قد يكون فيه من مصلحة بناءً على القاعدة الفقهية: (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح)، ولما في إقدام الطرف السليم على هذا الزواج من الإلقاء بالنفس إلى التهلكة وقد ورد النهي عنه في قول الله تعالى:﴿ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ (1) وهذا ما جعل بعض الباحثين يذهب إلى أن تزويج السليم بمريض بأحد الأمراض المعدية الشديدة الخطورة كالإيدز والجذام سفه في التصرف في النفس أشد من السفه في التصرف في المال، مما يقتضي الحجر على من سعى إليه.
القول الثاني: إمضاء الزواج إذا اكتملت شروطه وأركانه.
والذي رجحه بعض الباحثين هو التزام جانب المنع، لأن الشريعة جاءت بجلب المصالح ودرء المفاسد، ولأن الشارع حذر من الورود على أماكن الأمراض الخطيرة كالطاعون، ولما هو مستقر من حرمة إيراد النفس على المهالك.
وبناءً على ما سبق فعلى ولي الأمر العام أن يمنع هذا النكاح بمقتضى السياسة الشرعية، لأن تصرفه منوط بالمصلحة، والمنع في هذه الحالة هو عين المصلحة.
ب – كون الإصابة في الطرفين معاً:
إذا كان الطرفان مصابين، وكل منهما يعلم ذلك من صاحبه، فالحكم يعود إلى أهل الخبرة:
- فإذا كان الفيروس المسبب للمرض في الطرفين واحداً أو متقارباً، وثبت عدم وجود أثر سلبي للزواج على الطرفين.. فلا حرج في الزواج.
وإذا تقرر أن فيروس كل طرف مغاير للآخر، وأن الزواج يسبب عدم استجابة المرض للعلاج أو تدهوراً في حالة أحدهما فيكون منع الزواج في هذه الحالة متجهاً.
ويبقى النظر في احتمال انتقال الفيروس إلى الذرية، وقد ظهرت بعض التقارير الطبية التي تشير إلى أنه أصبح بالإمكان – وتحت رعاية خاصة – ولادة أطفال غير مصابين من أبوين مصابين أو أحدهما مصاب، ولا شك أن هذا التوجه سيكون له تأثير في الاجتهاد الفقهي.
1. أثر مرض الإيدز في الأحكام الفقهية، إعداد: راشد بن مفرح بن راشد الشهري، رسالة دكتوراه – المعهد العالي للقضاء – جامعة الإمام – 1425هـ.
2. دراسات فقهية في قضايا طبية معاصرة، أ.د: عمر سليمان الأشقر، وآخرين. مؤتمر كلية الشريعة والقانون الدولي الأول “التشريع الإسلامي ومتطلبات الواقع 14صفر 1427،13 – 14 مارس2006م،أثر مرض الإيدز على الزوجية وما يتعلق به من أحكام، أ. عاطف محمد أبو هربيد، ماجستير في الفقه المقارن، مدرس بكلية الشريعة والقانون، الجامعة الإسلامية غزة.