اعتبار القيافة في الإثبات
في كثير من الأحيان يترك الجناة عند دخولهم مكان الحادث آثاراً لأقدامهم سواء أكانت الأقدام منتعلة أو عارية، وكثيراً ما يغفلون عن إزالتها ظناً منهم بعدم أهميتها، أو لاضطرابهم وحرصهم على الخروج من المكان قبل رؤيتهم، وهذه الآثار ولا شك قد تفيد كثيراً في التعرف على صاحبها من خلال ما توصل إليه العلم من رفع تلك الآثار، ومقارنتها مع آثار المشتبه بهم.
فإذا وجد أن الآثار المرفوعة من مكان الحادث تتطابق مع آثار المتهم، فهل يعد ذلك قرينة على أنه هو الجاني، ومن ثم يجوز للقاضي أن يحكم بموجب هذه القرينة؟
ذكر بعض الباحثين أنه إذا رفعت آثار الأقدام من مكان الحادث ثم قورنت مع آثار أقدام المشتبه بهم فإن الأمر لا يخلو من حالتين:
الحالة الأولى: أن تظهر النتيجة سلبية، بمعنى ألا تتطابق الآثار بعضها مع بعض، كأن تكون آثار القدم المرفوعة آثاراً لقدم مقوسة، بينما قدم المتهم عادية ونحو ذلك.
ففي هذه الحالة يمكن القطع بنفي التهمة عن المتهم، وتبرئته مما نسب إليه؛ لأن عدم التطابق قرينة قوية على أنه ليس هو الفاعل، والقرائن القوية مما أقرت الشريعة اعتبارها والعمل بها.
الحالة الثانية: أن تظهر النتيجة إيجابية، بمعنى أن تتطابق الآثار بعضها مع بعض، فهنا لا يخلو الأمر من صورتين:
الصورة الأولى: أن يكون الحكم بالمطابقة بناء على تطابق الخطوط الحلمية الموجودة في الأثر المرفوع مع الخطوط الحلمية في أثر المتهم، والتطابق هنا لا بد أن يكون في الاثنتي عشرة علامة من العلامات المميزة، فإذا كان الحال كما ذكر فإن القول في اعتبار هذه المطابقة كالقول في اعتبار مطابقة بصمات اليد، فيقال بجواز اعتبار هذه المطابقة في الإثبات والعمل بها، والاعتماد عليها في إثبات وجود صاحب الأثر في مكان الحادث، وأنه لا بأس من العمل بها في سائر الحقوق ما عدا الحدود والقصاص، إلا إذا أثبت المتهم ما يدل على مشروعية وجوده في مكان الحادث، أو ما يدل على أن هذه الآثار قديمة، أو أنها وجدت بعد وقوع الحادث، فإذا لم يحصل شيء من ذلك جاز للقاضي اعتبارها والحكم بموجبها؛ لعموم الأدلة الدالة على مشروعية العمل بالقرائن القوية، واعتبارها وسيلة من وسائل الإثبات.
وإذا كانت الحادثة متعلقة بالدماء فإنه يمكن اعتبار مطابقة البصمات من اللوث القوي الذي يدل على أن المتهم هو الجاني، مما يجيز لأولياء المقتول أن يحلفوا خمسين يميناً ليستحقوا بذلك القود أو الدية، فيكون القصاص حينئذ بسبب القسامة لا بمجرد مطابقة الآثار.
وينبغي أن يقيد الحكم هنا بألا يعارض مطابقة الآثار شهادة الشهود، أو قرينة أقوى منها.
الصورة الثانية: أن يكون الحكم بالمطابقة ناتجاً عن تطابق الأثرين في نوع القدم، وعلاماتها المميزة، أو في شكل الحذاء والعلامات الظاهرة فيه ونحو ذلك، فهنا لا يمكن اعتبار هذا التطابق من القرائن القوية التي يمكن الاعتماد عليها، والحكم بموجبها، بل هي قرينة متوسطة تحتاج إلى قرائن أخرى تعززها وترجحها، والعلة في ذلك ما يأتي:
أولاً: أنه لم يوجد إلى الآن أساس علمي – متفق عليه – يمكن أن يستند إليه في عملية المقارنة، لأنه لم يثبت إلى الآن عدم تشابه أثرين مختلفين، بل إن التجارب قد أثبتت إمكانية تشابه أثرين لشخصين مختلفين.
وما ذكره أهل الاختصاص من نقاط يمكن ملاحظتها عند المقارنة لا تكفي للحكم بتمام المطابقة؛ لأن تلك النقاط قليلة العدد، ولو أجريت الدراسات الدقيقة في هذا المجال لاحتمل تطابق أثرين لشخصين مختلفين في كل مليون قدم، وهذا عدد قليل لا يمكن معه الجزم بإسناد الأثر لنفس الشخص الذي انطبق عليه.
ولأن هذه النقاط في غالبيتها تعتمد على مقاسات يمكن أن يحدث فيها خطأ وصواب إما في القياس، أو لظروف التربة ونحوها.
ثانياً: أن المقارنة تعتمد على وجهة نظر الخبير وتقديراته في التطابق أو عدمه، ومن هنا فقد تختلف النتائج إذا تعدد الخبراء في مقارنة الأثر الواحد.
ثالثاً: وجود العديد من الاحتمالات التي تضعف هذه القرينة ولا سيما مع وجود المصانع التي تصنع عشرات الآلاف من الأحذية المتماثلة في النوع والحجم والشكل، إضافة إلى ما قد يقوم به المجرم بقصد التضليل كأن يلبس حذاء أكبر من حذائه الاعتيادي، أو أصغر، أو حذاء امرأة وهو رجل ونحو ذلك.
وإذا ثبت ما سبق فليس معناه إهمال تلك القرينة وعدم الاستفادة منها، بل هي مهمة جداً في التعرف على الجاني، ولذلك يسوغ للقاضي إذا لم يذكر المتهم سبباً مشروعاً لوجوده في مكان الحادث أن يوقفه، ويحبسه، ويشدد عليه، بل ويعزره بناء على هذه القرينة، ولا سيما إذا كان صاحب الأثر ممن عرفوا بالجرم، والفسق والتعدي على الآخرين.
• القرائن المادية وأثرها في الإثبات (رسالة دكتوراه ـ كلية الشريعة ـ جامعة الإمام) د. زيد القرون (399ـ 414).
• التحقيق الجنائي ومهام المحقق في جريمة القتل لعبد الوهاب ص224.
• المختبرات الجنائية لفنيس والمقذلي ص106.
• إجراءات جمع الأدلة ودورها في كشف الجريمة للعجرفي ص205.
• الآثار المادية ودورها في التحقيق الجنائي المادي لأسامة بدر ص229.
• المبادئ الأساسية في التحقيق الجنائي العملي لمحمد عاشورص149.
• الأدلة الجنائية والتحقيق الجنائي لمنصور المعايطة ص91.
• الطب الشرعي القضائي للجابري ص63.
• الوسائل العلمية الحديثة في الإثبات الجنائي لحسنين بوادي ص111.
• التحقيق الجنائي والتصرف فيه والأدلة الجنائية لأحمد أبو الروس ص387، 393.
• البحث الفني لقدري الشهاوي ص124.
• الأدلة الجنائية والتحقيق الجنائي لمنصور المعايطة ص92.
• البوليس العلمي أو فن التحقيق لرمسيس بهنام ص126.
• التحقيق الجنائي المتكامل لمحمد البشري ص197.
• البحث الفني لقدري الشهاوي 126-129.
• الأدلة الجنائية للمعايطة والمقذلي ص128.
• التحقيق الجنائي الفني والبحث الجنائي لعبد الفتاح مراد ص165-169.
• الأدلة الجنائية المادية لعبد الفتاح رياض ص332.
• التحقيق الجنائي المتكامل لمحمد البشري ص196.
• التحريات والإثبات الجنائي للدغيدى 169.
• الآثار المادية ودورها في التحقيق الجنائي المادي لأسامة بدر ص229.
• إجراءات جمع الأدلة ودورها في كشف الجريمة للعجرفي ص205.
• الطب الشرعي وجرائم الاعتداء على الأشخاص والأموال لفودة والدميري ص374.
• حجية القرائن في الشريعة الإسلامية لعدنان عزايزة 184.
• القضاء بالقرائن المعاصرة لعبد الله العجلان ص433.