مهاتفة المخطوبة، مراسلة المخطوبة، الدردشة مع المخطوبة.
الحديث مع المخطوبة ليس بذاته صورة معاصرة، بل قد جاء في القرآن العزيز قوله تعالى: (وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَن تَقُولُوا قَوْلًا مَّعْرُوفًا )( 1).
ولكن ما يعتبر من المسائل المعاصرة التواصل عبر الوسائل الحديثة، مما يزيد مدة المحادثة وتكرارها وغير ذلك.
مما تقدم في صورة المسألة يتبين أن لها صورتين:
الصورة الأولى: المحادثة الأولى – محادثة التعارف – بين الخطيبين.
والصورة الثانية: المحادثة المستمرة، والتي قد ينشأ من خلالها علاقة عاطفية بينهما.
حكم الصورة الأولى: المحادثة الأولى بين الخطيبين ابتداءً.
المحادثة بين الخطيبين عبر وسائل الاتصال الحديثة كالهاتف بنوعيه، والانترنت مباحة عند أكثر أهل العلم ([1])، إلا أن هذه الإباحة مقيّدة بالشروط الآتية:
- أن تكون المحادثة بعلم أهل المخطوبة.
- أن تكون بقدر الحاجة، قياساً على الرؤية الشرعية([2]).
- أن تخلو من منكر القول، وتكون في حدود المعروف من القول([3]).
وأدلة الإباحة هي كالآتي:
1- قول الله تعالى: ( وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ ۚ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَن تَقُولُوا قَوْلًا مَّعْرُوفًا ۚ وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ) ([4]). فهذه الآية تدل على جواز التحدث مع المخطوبة، والتعريض الذي يفهم منه الرغبة فيها ([5]).
فإذا جاز الحديث المباشر مع المرأة – وهي معتدة بالرغبة فيها، جاز الحديث مع المخطوبة عبر وسائل الاتصال من باب أولى.
2- حديث أم سلمة – رضي الله عنها – وجاء فيه: فلما وضعتُ زينب – بنت أم سلمة – جاءني رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فخطبني فقلت: ما مثلي ينكح، أما أنا فلا ولد فيّ وأنا غيور ذات عيال، قال: أنا أكبر منك، وأما الغيرة فيذهبها الله عنك، وأما العيال فإلى الله جلّ ثناؤه ورسوله([6]). “وفي رواية: قالت: أم سلمة: أتاني رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فكلّمني، وبيننا حجاب، فخطبني، فقلت: وما تريد إلي؟ ما أقول هذا إلا رغبة لك عن نفسي..”([7]).
وجه الدلالة: أنه لما جازت خطبة المرأة مباشرة، جاز الحديث معها بعد خطبتها للحاجة، مباشرة، وعبر وسائل الاتصال من باب أولى.
3- حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – خطب أم هانئ بنت أبي طالب([8])، فقالت: يا رسول الله إنِّي قد كبرت، وليَ عيال، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – “نساء قريش خير نساء ركبن الإبل، أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده”([9]).
وجه الدلالة: أن خِطبة الرسول – صلى الله عليه وسلم – لأم هانئ مباشرة ومن نفسها دليل على جواز الحديث مع المخطوبة مباشرة، وعبر وسائل الاتصال كذلك.
4- أن النساء كن يراجعن الرجال في أمور الزواج، ويحادثنهم([10]).
5- أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يتحدّث إلى النساء، وكان يستمع إليهن، وهذا يدل على جواز محادثة الخاطب لمخطوبته ([11]).
6- أن الصحابة – رضوان الله عليهم – كانوا يسألون أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم – بعد وفاته من وراء حجاب ([12]).
7- أن صوت المرأة ليس بعورة عند جمهور الفقهاء([13]). وهذا دليل على جواز المحادثة بين الخطيبين([14]).
الصورة الثانية: المحادثة المستمرة بين الخطيبين والتي قد يترتب عليها إنشاء علاقة عاطفية بينهما.
إذا اختل شرط من شروط المحادثة الشرعية السابقة، وترتب على المحادثة نشوء علاقة عاطفية من خلالها، يبث فيها منكر القول فتكون المحادثة محرمة([15])، وذلك لما يلي:
- أن المحادثة بينهما قد تكون سبباً في خروجها معه وخلوتها به، وهذا محذور قد يؤدي إلى ما هو أعظم منه.
- أن المرأة في محادثتها خطيبها لابد وأن ترقِّق صوتها وتليّنه وتضاحكه وهذا محرم([16])، فالخاطب ما زال رجلاً أجنبياً عنها.
- أن الخاطب قد يقوم بتسجيل صوتها وضحكاتها، فإن لم تتم الخطبة فقد يستغل ما سجّله في أمور سيئة كالابتزاز ونحوه.
- في حالة الاتصال بينهما عبر الانترنت قد يستغل هذا أجنبي عنهما، فإن المحادثة عبر الانترنت لا تخلو من الاختراقات، والمخاطر التي لا تخفي على المختصين بالحاسب الآلي.
([1]) المنتقى للشيخ الفوزان 3/163وفتواه في فتاوى خاصة، خطبة النكاح د. عبد الرحمن عتر ص242، أحكام الزواج في ضوء الكتاب والسنة د. عمر الأشقر ص62، أحكام الزواج في الشريعة الإسلامية د. أحمد فراج, ص65, فتاوى ابن جبرين، س و ج لعطية صقر ص126. وذهب بعض أهل العلم إلى عدم جواز ذلك ومنهم عبد العزيز آل الشيخ.
([2]) فتوى الشيخ صالح الفوزان، أحكام الزواج د. عمر الأشقر، ص62.
([3]) فتوى الشيخ صالح الفوزان، أحكام الزواج د. أحمد فرّاج، ص56، خطبة النكاح د. عبد الرحمن عتر ص242، المنتقى 3/164.
([5]) الجامع لأحكام القرآن 3/188، 190، 192.
([6]) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 6/235، برقم (10644), وابن سعد في الطبقات 8/93 – واللفظ له -. وأحمد في مسنده 6/313. والحديث قال عنه ابن حجر في الإصابة13/223: سنده صحيح. وأصله في صحيح مسلم، ح: 2661.
([7]) أخرجها ابن سعد في الطبقات 8/90.
([8]) هي بنت عم النبي – صلى الله عليه وسلم -، وأخت علي، وجعفر، واسمها فاختة، وقيل هند، تأخر إسلامها إلى يوم الفتح، دخل النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى منزلها يوم الفتح، فصلى عندها ثماني ركعات ضحى، ولما بانت من زوجها هبيرة بإسلامها خطبها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقالت: إني امرأة مصبية، فسكت عنها. (الاستيعاب 13/304، سير أعلام النبلاء 2/311، الإصابة 13/300).
([9]) أخرجه البخاري، ح: 4794، 5050، ومسلم، ح: 2527.
([10])أحكام الزواج د. عمر الأشقر ص62.
([11]) آداب الخِطبة والزفاف لعبد الله علوان ص51.
([13]) مواهب الجليل 1/435، المجموع 3/100، الفروع 5/157.
([14]) آداب الخطبة والزفاف لعبد الله علوان ص51.
([15]) فتوى الشيخ صالح الفوزان في فتوى خاصة.
(5 فعند الحنفية صوتها عورة، فيكون ترقيقه والخضوع به محرماً من باب أولى. وعند المالكية رفع صوتها عورة، فالخضوع به محرم. وقال الشافعية ترخيمها صوتها عند إجابتها الرجال محرم. وحرّم الحنابلة التلذذ بسماعه بدون ترقيق، فترقيقها له يكون محرماً من باب أولى.
انظر: للحنفية: المبسوط 1/133، وللمالكية: مواهب الجليل 1/435، وللشافعية المجموع 3/100، وللحنابلة: الفروع 5/157.
1. أحكام الزواج في الشريعة الإسلامية، د. أحمد فرّاج، دار المعارف – ط 5 – القاهرة.
2. خطبة النكاح، د. عبد الرحمن عتر، مكتبة المنار،الاردن، ط1، 1985م.
3. أحكام الزواج في ضوء الكتاب والسنة، د. عمر سليمان الأشقر، الناشر دار النفائس عمان، الأردن.
4. موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام، الجزء 6 – عطية صقر – الدار المصرية للكتاب1411 هـ 1991م.
5. المنتقى، للشيخ/ صالح الفوزان، فتاوى الشيخ صالح الفوزان، موقع صالح الفوزان.
6. رسالة دكتوراه غير منشورة بعنوان: (النوازل المختصة بالمرأة في العبادات وأحكام الأسرة)، للباحثة/ منى الراجح، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، كلية الشريعة، قسم الفقه.
7. فتاوى الشيخ ابن جبرين، موقع ابن جبرين.